Search
Close this search box.

الدول العلمانية والحريات الشخصية

الدول العلمانية والحريات الشخصية

ماجدة عبد القادر

في الديمقراطيات المتنوعة في أوائل القرن الحادي والعشرين، هناك بعض القضايا السياسية والثقافية التي لا يتم حسمها أبداً. القرار السياسي أو القضائي قد يسوي الأمور لفترة من الوقت، لكن المشاعر المتضاربة قوية للغاية بحيث يمكن أن تشتعل النيران بسرعة. إحدى هذه القضايا هي لباس المرأة المسلمة، وكيف يجب قنونته من قبل الدول العلمانية.

فرنسا

خذ فرنسا، التي تنظم الملابس الدينية، والدين بشكل عام، بطريقة أكثر صرامة من أي ديمقراطية أخرى. كان صيف عام 2016 صيفاً رائعاً لشواطئ هذا البلد، حيث أصدرت العديد من السلطات المحلية قراراً بحظر البوركيني، وهو لباس بحر يغطي كامل الجسم تفضله بعض النساء المسلمات. فبعد أسابيع من المشاهد البحرية لسيدات بالبوركيني، قضت أعلى محكمة إدارية في البلاد بأن الحظر كان بمثابة قيود غير مقبولة على الحرية.

في الأسابيع الأخيرة، تحول الجدال حول البوركيني إلى حمامات السباحة البلدية، وخاصة تلك الموجودة في مدينة غرونوبل. بعد أن حظر العمدة ارتداء ذلك الزي، بدأت مجموعة من المتظاهرين بارتداء ملابس البوركيني في تحد للحظر، إلا أنه تم إغلاق مجمعين مؤقتين، بينما تُناقش القضية في الصحافة الوطنية الفرنسية، كما لو كانت مؤامرة إسلامية شريرة لتخريب الجمهورية الفرنسية العلمانية.

ألمانيا

في ألمانيا، قضت المحكمة الدستورية الفيدرالية في عام 2015 بأن أي “حظر شامل” على معلمات المدارس الحكومية اللاتي يرتدين الحجاب يمثل إهانة للحرية الدينية، لكن يمكن فرض حظر محدود في ظروف محددة بوجود مبررات مقنعة، مما فتح الطريق أمام المشاحنات القانونية داخل الولايات الفيدرالية في ألمانيا، التي يحمل كل منها أسلوبه الخاص في قضايا الثقافة والتعليم.

وفي وقت سابق من هذا العام، أيدت محكمة في بافاريا الحظر الذي فرضته المنطقة على ارتداء الحجاب من جانب القضاة والمدعين العامين. في برلين، التي تتسم مبادؤها السياسية المهيمنة بكونها علمانية، أقرت محكمة محلية فرض حظر على معلمات المدارس الابتدائية اللاتي يرتدين الحجاب، فقد قُبلت الحجة القائلة بأن الأطفال في هذا السن الطري يحتاجون إلى تربويين محايدين.

بريطانيا

في هذه الأثناء، يعبر الكثير من المسلمين في بريطانيا عن رعبهم من احتمال أن يصبح بوريس جونسون رئيساً لحزب المحافظين ورئيساً للوزراء: ليس بسبب أي تنظيم يزمع القيام به، ولكن بسبب النغمة التي عبر عنها في تعليقات حول لباس المرأة المسلمة. ففي مقال كتبه في آب (أغسطس) الماضي، قال: “إنه أمر مثير للسخرية أن ترتدي النساء البرقع الذي يجعلهن يشبهن صناديق الرسائل”. لكنه في الأيام الأخيرة، أعرب عن أسفه الغامض بشأن الأشياء التي كتبها على مدى العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية والتي قد تؤدي إلى ارتكاب جريمة خارج سياقها.

وعلى الرغم من ذلك، لم يدافع جونسون عن فرض حظر عام على الملابس التي تغطي الوجه، وقال إن الجامعات والشركات يجب أن تكون قادرة على تنظيم ما يرتديه الناس في الحرم الجامعي أو في العمل، لكنه عارض أي قيود على كيفية ارتداء الناس ملابسهم في الشارع، فمثل هذا التقييد يسيء إلى التقاليد الأنغلو سكسونية للحرية الفردية.

أمريكا

حتى في أمريكا دونالد ترامب، الإيمان بالحرية الدينية قوي بما فيه الكفاية لحماية مرتديات الحجاب. ففي وقت سابق من هذا العام، تم تعديل القواعد للسماح لعضوة الكونغرس المنتخبة حديثاً، إلهان عمر، بأخذ مقعدها في الكونغرس مع غطاء رأس مسلم. في عام 2015، وقفت المحكمة العليا الأمريكية إلى جانب امرأة ترتدي الحجاب وقالت إنها فشلت في الحصول على وظيفة في متجر لبيع الملابس لأن رأسها كان مغطى، مما خلق نغمة أكثر ودية للمسلمين من محكمة العدل الأوروبية، التي قالت في عام 2017 أن حظر الزي الديني في مكان العمل قد يكون قانونياً في بعض الأحيان. (كان الفصل في قضية شركة بلجيكية أرادت أن تكشف موظفة الاستقبال عن رأسها.)

تقول مرتديات الحجاب الأمريكيات إن وصول السيد ترامب كان له آثار مختلطة على حياتهم اليومية. فبعض المواطنين الذين كانوا بالفعل يكرهون الأجانب زاد عداؤهم قليلاً للمسلمين في سلوكهم، لكن الناخبين الذين يعارضون الرئيس رحبوا بالنساء بالزي المسلم وقالوا بأنهن موضع ترحيب كبير في أمريكا.

كندا

ومع ذلك، فإن هذه الصورة شبه الإيجابية لا تصمد في كل مكان في أمريكا الشمالية. في الأيام الأخيرة، كانت الحائزة على جائزة نوبل، ملالا يوسف زاي، بطلة النضال من أجل حقوق المرأة في مسقط رأسها باكستان، في مركز خلاف غريب، فقد تم تصويرها في فرنسا مع جان فرانسوا روبيرج، وزير التعليم في كيبيك الكندية، فوجه له صحفي سؤالاً فيما إذا رغبت يوسف زاي، التي نجت من محاولة اغتيال في الخامسة عشر من العمر، التعليم في كيبك، فردّ وزير التعليم عبر “تويتر”: “سأقول لها إن هذا شرف كبير. وفي كيبيك، كما في فرنسا حيث نتواجد حالياً وغيرها من الدول المنفتحة والمتسامحة، لا يمكن للمدرسات ارتداء الرموز الدينية أثناء ممارسة عملهن، لذا ستحتاج إلى التخلص من الحجاب أولاً”.

بالنسبة لبعض منتقدي قانون كيبيك الجديد، كانت قصة ملالا يوسف زاي نوعاً من الدعاية، فقد تم نشر الحكاية على نطاق واسع في الشرق الأوسط وتركيا وغيرها من الأماكن التي تقطنها أغلبية مسلمة، مع الإشارة بوضوح إلى أنه ينبغي للغرب أن ينظر في عيوبه الخاصة قبل إلقاء محاضرة على عالم الإسلام.

يقول مصطفى أكيول، وهو كاتب تركي غزير الإنتاج عن الإسلام، وهو الآن زميل في معهد كاتو في واشنطن العاصمة، إن ما يحدث في الغرب سيجعل حياته أكثر صعوبة بعض الشيء. يقول: “أقضي وقتي في محاولة لإقناع إخواننا المسلمين بأن الديمقراطية الليبرالية تمنحهم كل الحرية التي يحتاجونها لممارسة عقيدتهم، لذلك لا يوجد سبب لمواصلة الحكم الإسلامي. لكن كلما فرضت دولة غربية قواعدها الثقافية على المسلمين، يصبح الانتصار لهذه الحجج أكثر صعوبة”.

أحد الأسباب التي تجعل المشكلة محرجة للغاية بالنسبة لكندا هي أن البلاد تتطلع إلى نموذجين مختلفين للعالم القديم، هما الفرنسية والأنغلوسكسونية. فقد اعتادت كيبيك أن تكون كاثوليكية أكثر إيماناً من فرنسا، لكنها في هذه الأيام تتسابق لتقليد، وحتى تفوق وطن الغال في اعتناقها للعلمانية، وربما تذهب بعيداً. من ناحية أخرى، إذا رغبت المعلمات اللاتي يرتدين الحجاب في كيبيك الهجرة إلى مقاطعة أونتاريو المجاورة المجاورة، فستلاقين ترحيباً كبيراً.

بغض النظر عن المواقف المتضاربة التي يتخذها القضاة والسياسيون والزعماء الدينيون، هناك دائماً أمل في أن يعتاد الناس الذين نشأوا في مجتمعات متنوعة على حقيقة أنه في هذه الأمور الحساسة، يمكن أن تكون الخيارات المختلفة شرعية.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »