سلمى الدمشقي
يوم 8/6/2019 يوم حزين لأغلب السوريين، حيث استشهد حارس الثورة السورية وحارس منتخب الكرامة سابقاً وابن حمص العدية عبد الباسط ساروت.
استشهد الساروت ولم يتجاوز السابعة والعشرين من العمر. عندما بدأت الثورة لم يكن الساروت قد تجاوز الثامنة عشر من عمره وباندفاع الشباب وكما الكثيرين غيره انخرط ومنذ اليوم الأول في مظاهرات حمص وكانت أغانيه و شعاراته التي شاركته بعضها الفنانة فدوى سليمان ملهمة لكثير من المظاهرات في باقي المدن. لم يبق احد لم يغن “جنة جنة جنة … سوريا يا وطنا”، و”طيب إذا بنرجع” … وغيرها الكثير من الأغاني والأهازيج.
ومع تراجع المظاهرات السلمية بفعل القمع الكبير الذي مارسه النظام وبدء تشكل الجيش الحر، كان الساروت من أوائل من حمل السلاح دفاعاً عن المظاهرات، وحوصر في مدينته وتم تهجيره وانقطعت أخباره لفترة. وقبل استشهاده بأشهر عدنا لنراه يحمل السلاح في إدلب المحاصرة ويقاتل مع الفصائل الإسلامية ويغني للثورة، حتى يوم استشهاده حيث أصيب نتيجة القصف واستشهد بعد يومين من إصابته.
الساروت ابن الثورة البار كان مرآة لانحرافات الثورة، فهو بوعيه ووطنيته لا يرى أمامه سوى عدواً واحداً هو النظام، الذي قتل قبله أربعة من إخوته وقصف بلدته الخالدية حتى لم يبق منها حجراً قائما وهدم مدينته الحبيبة حمص كما فعل بسائر البلدات والمدن. وظل مخلصا لوعيه وحلمه حتى يوم استشهاده.
بكى أغلب السوريين الساروت لحظة إعلان استشهاده، رثوه جميعاً ولقبوه بإبن الثورة البار وحارس الثورة ومرآتها وبلبلها، وغيفارا سوريا وزينت أغانيه وصوره أغلب البروفايلات.
وكعادة السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، كان يكفي الإشارة من قبل احدهم الى أن الساروت قد قاتل مع داعش في تلبيسة حمص وكان قائد كتيبة شهداء البياضة، ومع النصرة في إدلب، وأن يتم نعيه من حزب الإخوان المسلمين المتطرف وأن ينسبوه لفصيل كتائب العزة التابع لهم ليتهمه أحدهم بالإرهابي ويتبناه احدهم كإسلامي وليتم تخوينه من قبل آخرين وإسقاط شرف الشهادة عنه.
الساروت ببساطة هو الثورة التي ولدت يتيمة منذ انطلاق الصرخات الأولى للمطالبة بالحرية التي أشعلها الحلم بربيع عربي، ولتحاكي ثورتي تونس ومصر. لم يكن لهذه الثورة قيادة قوية ولا منظر سياسي يرسم لها الطريق. كانت ثورة البسطاء، والساروت كان من هؤلاء البسطاء الذين عجت بهم مدن درعا وحمص وحماة واللاذقية ودمشق وحلب. زينت أغانيه وشعاراته المظاهرات، نادى بالسلمية وسوريا للكل. كان صديقاً لباسل شحادة ورفيقاً لفدوى سليمان وعاشا الحصار معاً. وعندما بدأ حمل السلاح لحماية المظاهرات كان من أوائل من حمل البندقية، لم يكن ذنبه عسكرة الثورة ولم يكن من المثقفين ببرجه العالي لينتبه لخطورة السلاح وخطورة الشعارات الإسلامية، ولم يكن واعياً لدور الدول الإقليمية بأسلمة الثورة. كان مسلماً بسيطاً، كما أغلب السوريين، وكان أمامه عدو واحد هو النظام، ولديه حلم واحد هو الحرية … لم يكن ذنبه تآمر الجميع على الثورة وانحرافها عن سلميتها و مدنيتها. فالساروت كما وصفه أحدهم لا يملك رؤية ولا نظرية ولا يعمل وفق حساب الساسة والمؤدلجين وأصحاب المشاريع، ربما يصبح جزء من المشروع، ولكن لإن خياراته معدومة، وهي جريمتهم وليست جريمته، هو تماهى مع الثورة بكل متاهاتها لأنها حلمه، وكان مخلصاً لحلمه حتى اخر لحظة في حياته.
شبهه أحدهم بدون كيشوت ووصفه بأنه الفارس التائه ولايكتمل الواقع بدون فرسان تائهين. وقال آخر عنه إنه أحد تمثيلات الثورة الشعبية، وكل تحولاته لا تدفع للقول أنه جهادي أو سلفي، وهذا لا يتعارض مع كونه مؤمناً ولكن أيضاً لم يكن الإيمان صفته الوحيدة، كان محباً لحريته ولم يكن يوماً متطرفاً.
وأخر قال إن الساروت شهد كل عنف النظام، من قتل إخوته، إلى حصار أهله إلى تهديم منزله وبلدته، وأي انسان عادي أمام هذا الظلم سيتحول إلى متطرف.
كما أن الساروت يمثل واقع الشعب السوري ما بين سلطة الأسد الفاشية وطمع الدول وتخاذل العالم وسفاهة المعارضة وتعثر أداؤها ولؤم الإسلام السياسي، فقاتل بما ملكت يداه واستعان بمن مد يده له دون قدرة على الرفض.
أحدهم قال: “إننا نبكي أنفسنا فيه … نبكي نقاءه مقابل تلوثنا وبساطته مقابل عقدنا وإخلاصه مقابل جبننا، نبكي ثورتنا من خلاله بكل إنجازاتها واخفاقاتها وروائعها ومثالبها. وغيره قال: “أجمل مافي الساروت أنه أشبهنا بالثورة … عاطفية، حرة، خطاءة، عنيفة، ضاحكة، محمولة بين ضلوع السوريين وعلى أكتافهم الى أبد الآبدين.
ودعه ألاف السوريين من مدينة الريحانية إلى مثواه الأخير داخل الأراضي السورية بلقب عريس الثورة وزفوه بأغنية “يا نجمة الشام وين عليتي … الأجواد أخدتي والانذال خليتي”، ولقبوا أمه التي ودعته بالأهازيج بخنساء حمص لأنها فقدت خمسة من أولادها وزوجها استشهاداً، وكانت خنساء حقا حيث خاطبت رفاقه بأن استشهاد الساروت دافع لهم ليكملوا الطريق.
ربما نختلف كثيراً على تعرجات طريق الساروت، ولكن نتفق جميعاً بأن الساروت وباسل شحادة وفدوى سليمان ومي سكاف وغيرهم كثيرون شكلوا روحا للثورة، حيث جمعهم ضمير الثورة الأولى وصيحات أهلها بالحياة والحرية وانتفاضة البسطاء والصدق، كانوا الصدق كله، لذلك أحبهم الصغار قبل الكبار وبكتهن النساء كما يبكين أولادهن.
خاص “شبكة المرأة السورية”