Search
Close this search box.

كيف تتعامل الحكومات مع الجهاديين العائدين إلى حضن الوطن؟

كيف تتعامل الحكومات مع الجهاديين العائدين إلى حضن الوطن؟

 سلوان عباسي

في الأيام الأولى من الخلافة التي أعلنوا عنها، تخلى الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بفرح عن علاقاتهم مع الغرب، فقد انتشرت صور الجهاديين من فرنسا وكندا ودول أخرى وهم يحرقون جوازات سفرهم. لكن، وبينما تقترب داعش من هزيمتها، يتصرف الراديكاليون المتحاربون الآن مثل السياح المتعثرين الذين تقطعت بهم السبل في عطلة طويلة. رجل كندي يشكو من أن سفارته ترفض التواصل معه، وتطلب امرأة بريطانية، أمضت “وقتاً طيباً” في الرقة، المساعدة في العودة إلى لندن.

يشكل أعضاء داعش مشكلة خطيرة لبلدانهم الأصلية، فهناك أكثر من (41000) أجنبي سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى التنظيم. وبحلول منتصف العام الماضي، عاد (7366) إلى ديارهم، وفقاً للمركز الدولي لدراسة التطرف، وهو مركز أبحاث في لندن. مات الآلاف في ساحة المعركة، ما تبقى هو حوالي 850 رجلاً وبضع آلاف من النساء المحتجزات في مخيمات مؤقتة منتشرة في أنحاء سوريا.

حتى وقت قريب كانت بلدانهم الأم سعيدة لبقائهم هناك. ثم جاء قرار الرئيس دونالد ترامب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا، حيث وجدت القوات الكردية الذين يسيطرون على المنطقة أنفسهم غير مجهزين أصلاً لاحتجاز الآلاف من السجناء بعد انسحاب أمريكا. فطلب ترامب من الحكومات الأجنبية إعادة مواطنيها إلى وطنهم. “إن البديل ليس جيداً حيث أننا سنضطر إلى إطلاق سراحهم”، على حد تعبير ترامب.

يسمح قانون تم تمريره في عام 2015 لأستراليا بسحب الجنسية من الأشخاص الذين ينضمون إلى الجماعات الإرهابية. وقد استخدم لأول مرة في عام 2017 ضد خالد شروف، وهو رجل لبناني أسترالي قام بتصوير ابنه الصغير الذي يحمل رأس مقطوع لجندي سوري. القانون الدولي يعترض على جعل الناس عديمي الجنسية؛ وينطبق قانون أستراليا على المواطنين مزدوجي الجنسية فقط.

وقد ألغت بريطانيا جنسية شيماء بيجوم، التي انضمت إلى داعش في سن المراهقة، وكانت قد اكتسبت الجنسية من والدها المقيم في بريطانيا. قد تقوم المحاكم بإبطال هذا القرار، وحتى لو لم يفعلوا ذلك، فمن غير اللائق للحكومات الغربية أن تطرد مواطنيها إلى دول أخرى. وُلد السيد شروف ونشأ في سيدني، ومن المؤكد أن أستراليا مجهزة بشكل أفضل للتعامل معه أكثر من لبنان، المثقل بالمحاكم والسجون.

المملكة العربية السعودية تسلك طريقاً مختلفة، ففي عام 2004، وبعد موجة من الهجمات الإرهابية المحلية، أنشأت مركزاً لإعادة تأهيل للمتطرفين، حيث يتم حجز المعتقلين في مجمع لطيف مع حمام سباحة وعلاج بالفن، ويُسمح بالزيارات الزوجية. هذه الجهود مكلفة، وتتطلب أخذ الحيطة لفترات طويلة من جانب المشرفين ورجال الدين، ومن المرجح ألا تلاقي ترحيباً من قبل الغرب، فقد أقامت فرنسا مركزها الخاص لإعادة التأهيل قبل ثلاث سنوات في شاتو في وادي لوار، حيث درس المقيمون فيه من المتطرفين التاريخ والفلسفة واجتمعوا بإمام لمناقشة الدين. كان من المفترض أن يستمر الأمر لمدة عشرة أشهر، ولكن تم إغلاق المركز بعد أن احتج السكان المحليين ضد وجود المتطرفين وسطهم.

من المستحيل أيضاً إثبات نجاح هذه المخططات، فقد اختلف العلماء حول كيفية تحول الناس إلى التطرف أو حتى كيفية تعريف المصطلح. تدّعي السعودية أن أقل من 20٪ من خريجيها البالغ عددهم أكثر من ثلاثة آلاف عادوا إلى الجهاد – وهذا يعني فشل مناهجها مئات المرات. وتم الإفراج عن رجل صومالي أمريكي من الحجز عام 2017، ثم قُبض عليه في مطار مينيسوتا، وهو في طريقه إلى سوريا، بعد عام بدا ناجحاً في إعادة التأهيل.

ومع ذلك، فإن تقديمهم للمحاكمة أمر معقد، أمريكا على سبيل المثال لديها سجلاً حافلاً، فقد حُكم على رجل بالسجن لمدة 20 سنة وتمت إدانة ثانية في يونيو / حزيران الماضي، لكنها لم تتمكن من تجريم المشتبه الثالث بسبب نقص الأدلة، وأفرج عنه بعد أكثر من عام في الحجز. ويقول هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، إن بلاده تواجه مشكلة مماثلة. بينما تستغل أستراليا قانون تجريم الدخول إلى المناطق المحظورة. إلا أن الموصل والرقة فقط كانتا مصنفتين على هذا النحو. ولاستخدام القانون، يجب على المدعين العامين إثبات أن المشتبه بهم دخلوا تلك المدن، وهو أمر يمكن أن يكون صعباً. وبمجرد الإدانة، يجب على الدول أن تقرر أين تحتجزهم. قدمت أمريكا حوالي 300 مقاتل وعاد بعضهم، حيث يمكن سجنهم بسهولة، لكن الأمر ليس كذلك في أوروبا، حيث غالباً ما تكون الأرقام أكبر.

في مواجهة مثل هذه المشاكل، يتملص السياسيون من المسؤولية، فإذا ارتكب مواطنوهم جرائم في الخارج، لم لا يحاكموا هناك؟ لكن الإدارة التي يقودها الأكراد في شرق سوريا ليست دولة، ومحاكمها البدائية تفتقر إلى الإجراءات القانونية، وقد لا تكون موجودة بعد انسحاب الأمريكيين. وقد أنتجت السياسات المحصنة لنظام الأسد أجيالاً من المتطرفين، الذين يتم إطلاق سراحهم أحياناً لمساعدة نظامه.

وهذا يؤدي إلى خيار آخر، يقول أحد موظفي الكونغرس: “كان البنتاغون واضحاً جداً معنا أن هناك فرصة جيدة لإرسالهم إلى سجن غوانتانامو”. لم تضف أميركا سجناء إلى هذا المعتقل منذ عام 2008، حيث قضى الرئيس الأمريكي باراك أوباما ثماني سنوات في محاولة لإغلاقه، وتقلص عدد نزلائه من 242 معتقلاً في 2009 إلى 40 فقط اليوم. لكن من المحتمل أن يعارض الديموقراطيون أي محاولة لهذا الاتجاه.

سيتطلب التعامل مع أولئك الذين يعودون مزيجاً من التجارب والمراقبة وإعادة التأهيل. تفتقر الشرطة إلى الموارد، ويحتاج المدعون العامون إلى طرق لتقديم أدلة حسّاسة في المحاكم المفتوحة. وتتميز برامج نزع التطرف بالجدارة، خاصة في السجون، خصوصاً أولئك الذين تم سوقهم إلى سوريا والعراق ضد إرادتهم أو كأطفال.

لا يريد أي سياسي غربي أن يكون مسؤولاً عن جلب متطرفين يحتمل أن يكونوا خطرين على الوطن. لكن تركهم في سوريا أو إلقاءهم في البلدان النامية لا يزيل المشكلة، كما أنه يوجه رسالة مفادها أن الحكومات الغربية لا تهتم بالملايين من الأرواح السورية والعراقية التي ساعد مواطنوها بالفعل على تدميرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »