مزنة الزهوري
لم يقتصر دور السيدات في الحراك السوداني على المشاركة في التظاهرات، أو الدفاع عن المتظاهرين وحمايتهم من رجال الأمن، والتصدي لقوات الحكومة في المنازل ومنعهم من اعتقال الرجال وحسب. بل ايضاً في الجامعات السودانية، قامت الطالبات في جامعة الأحفاد البنات في أم درمان، بالمظاهرات وطالتهن الإعتقالات التعسفية بشكل كبير جداً. كانت تخرج الطالبات في هذه الجامعة بالمظاهرات تزامناً مع مظاهرات العباسيّة، وذلك لتشتيت قوى الأمن وتخفيف الضغط على المتظاهرين في الجهة المقابلة.
تمكّن التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من توثيق ما يقارب المئة انتهاك بحقّ المدافعات عن حقوق الإنسان منذ مطلع الإحتجاجات السودانية في كانون الأول/ديسمبر 2018م. وتتراوح تلك الإنتهاكات بين تهديدات مبطنة ومباشرة واحتجازات مؤقتة واعتداءات بالضرب والإعتقال والمضايقات القانونية التي تهدف إلى إبعاد المدافعات عن مركز الإحتجاجات.
في 18 شباط/فبراير 2019، تهجم عناصر من جهاز الأمن في السودان على د. وفاء القرشي والمدافعة وفاق القرشي بشكل وحشي أثناء تواجدهما في الخرطوم حيث انهالت القوة الأمنية عليهما بالشتائم. وقام عناصر من جهاز أمن النظام بصعقهما بالعصي الكهربائية.
ووفقًا لبيان لجنة أطباء السودان المركزية، تم اقتيادهما إلى مبنى الجهاز واستجوابهما، ثم وأفرجوا عن د. وفاء القرشي مع الإبقاء على المدافعة وفاق بعد صدور مذكرة اعتقال بحقها.
المدافعة وفاق القرشي هي ناشطة في مجال حقوق الطلاب وفي المجموعات الشبابية، ومعروفة بتفانيها بالدفاع عن حقوق الإنسان بسلمية.
فيما أعلنت اسرة الصادق المهدي، أحد أبرز زعماء المعارضة في السودان وآخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً في البلاد، إنّ قوات الأمن اعتقلت ابنته الطبيبة ونائبة زعيم حزب الأمة المعارض مريم المهدي صباح الاربعاء 30 كانون الثاني/يناير.
وروى ناشطون لشبكة المرأة السورية، كيفية اعتقال مريم المهدي بطريقة بشعة حيث تمّت مداهمة منزلها بعد منتصف الليل، واقتحمته قوات الأمن المدججين بالأسلحة، ليعتقلوها بعد ترويع بناتها وجميع أفراد العائلة.
يؤكد النشطاء في الثورة السودانية أنّ النظام يخاف ويخشى من هذه الشخصيات التي تقود المجتمع والحراك في السودان، ويعمل على اتخاذ ورقة اعتقال الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان، كوسيلة ضغط على الحراك الشعبي. فهذه السيدات قادرات على تحريك قوّة الشعب ضد النظام بتخطيط وتنظيم دون ملل وخوف وتعب.
وعلى الرغم من جميع المخاطر، لاتزال السيدات ينخرطن في الإحتجاجات ويلعبن دورهن، كاسرات للقيود ومتخطيات التهديدات. فالسيدات في السودان والناشطات فيها، يدركن تماماً المخاطر التي تواجههن ويعرفن من تجاربهن السابقة المؤلمة الثمن الذي يدفعنه، وهو وضع أنفسهن وعائلاتهن على المحكّ من اجل الدفاع عن حقوق الإنسان و حقوق المواطن السوداني منذ ثلاثين عاماً. فهنّ يعملن دون ايّ وجود آليات حماية قانونيّة تسمح لهنّ بالحصول على المساعدة القانونية والنفسية والطبية، على الرغم من تعرضهن المتكرر والمتزايد للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي جهاز الامن عند إلقاء القبض عليهن أو في الطريق أو عند الوصول إلى مراكز الإعتقال، كحال الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان آيات مجدي التي نشرت شهادتها عن التحرش الذي تعرضت له من قبل عناصر أمنية، على صفحتها الشخصية على فيسبوك: “عايزة اتكلم عن طريقة اعتقالي من سوق امدرمان واللضرب لانه دي ضريبة اي زول بنادي ب الحرية ف البلد دي. عايزة اتكلم عن التحرش الاتعرضته ليهو كان لفظي ولا بدني بتمنى اي بت اتعرضت للحاجة دي تتكلم عشان نعرف ناخد حقنا كيف.
الساعة كانت واحدة ونص اول حاجة لما قضبوني مسكني واحد من شعري واتلصق ب وراي ف اللحظة دي انا كوركته فيهو وبقيت ازح منو لزاني ل واحد تاني عشان يركبني العربية مسكني من صدري لما زراير القميص اتفكت وجاريني بقيت بزح فيهو واضربو لما فكاني لحظة انا بركب لمسني ب يدو ب وره لما بقيت اشتم فيهو انهال علي وضربني تخيلو ف السودان وف بلدي تحصل حاجة زي دي طبعاً ده غير الالفاظ والضرب ب اليدين وبعديها البنات المعاي بقو يبكو ويقولو نحنا م جينا ل المظاهرات ف قالو لينا خلاص بنزلكم قدام لما جو ينزلونا انا انا جيت عشان انزل ف ملازم قال لي ماشه وين ي شر**وبقى يقول للأمنجي خليها لي ويضحكو انا اللحظة ديك حسيت ب نفسي عايزة اقتلو واشرب من دمو بقينا انا والولد برانا ف التاتشر لما وصلنا نهاية السوق جابو متظاهرين تاني ووقفو هناك الملازم مشى اتكلم مع واحد وبعدها جاء وقف ف باب العربية وقال لي انزلي”.
وأضافت آيات: “وانا بنزل لمسني من ورا قادرين تتصرو كمية التافهه والانحطاط وقلة الأدب عاينت ليهو ووقفته طوالي ف امنجي بخرطوش قال لي اتحركي ي زوله الملازم بقى يقول ليهو خليها تجري عايزين نشوفها وهي بتجري وكلهم بقو يضحكو. انا م هاميني الضرب ولا اي شي بس مشكلتي مع التحرش لما عسكري م بسوى جنيه يعمل فيني كدة انا تاني ح انتظر شنووو انا حقي م بخليهو ولا حق اي وحدة عملو معاها كدة اذا فاكرين كدة ح نخاف ب العكس قلبنا بقوى اكتر وم في حاجة بتوقفنا تاني”.
وحسب التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أّنّه منذ انطلاق الحراك الشعبي في السودان، تعرضت نحو المئة مدافعة للإحتجاز التعسفي، بينهنّ الأستاذة هاديا حسب الله، ولاتزال أكثر من 35 مدافعة خلف القضبان كالدكتورتين إحسان الفقيري و آمال جبرالله و الأستاذة عديلة الزئبق والمحاميات هنادي فضل وحنان حسن القاضي والمدافعات أماني عثمان وعزيزة عوض وهويدا محمد الحسن التي تعرضت للإعتقال مرتين.
كما تمّ تلفيق العديد من التهم الكاذبة للمعتقلات و غيرهن من اللواتي دُعين للتحقيقات. بالإضافة لتلقيهن التهديدات بطرق مختلفة، إما عبر الهاتف أو بقصف منازلهن واستهدافها بقنابل الغاز وغير ذلك من الاسلحة بهدف ترهيبهن وتخويفهن. ومن المؤكد أنّ المدافعات اللاتي يقمن بنشاطهن السلمي بعيداً من مناطق التجمعات الحاشدة كالعاصمة يتلقين تهديداً أوسع وتصلهنّ رسائل بأنهن “وحدهن” كونهن بعيدات جغرافيا عن المركز، مما يبرز لعب السلطات على وتر عزل المدافعات بشكل قصدي.
فيما اُستشهد 57 شخصاً منذ بدء الإنتفاضة السودانية بينهن ثلاث سيدات. أنصاف موسى التي قُتلت في تظاهرة في القضارف بشرق السودان، وبعدها بثلاثة أيام مريم محمد عبدالله التي قضت بالرصاص الحيّ أثناء مشاركتها في تظاهرة عطبرة السلمية. ومؤخراً السيدة عاكفة خاطر حيث تسكن في بيت المال، واستشهدت اختناقاً بغاز القنابل التي أطلقتها قوات الأمن على المظاهرة.
الجدير بالذكر أنّ الناشطة والمدافعة هاديا حسب الله نشرت آخر كلماتها على مواقع التواصل الإجتماعي قبل اعتقالها بـ19شباط/فبراير: ” قد يتمّ اعتقالي لفترة أطول. و إن حدث، سأكون واثقة أن نهارات الشوارع التي لاتخون، ستظل تبرّ الثورة…ّ وستظلّ زغاريد البنات العاشقات للبلاد تحلق بنا لفضاءات الحريّة” .
خاص شبكة المرأة السورية