Search
Close this search box.

خلف الشمس

خلف الشمس

ياسمينا بنشي – تركيا

عانت النساء في الثورة السورية من انتهاكات عديدة طالت الكثيرات منهنّ خاصة ممن كان لهنّ نشاطات خلال تلك الفترة، ومنها جريمة الاختفاء القسري التي تعتبر جريمة ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أما في القانون الدولي لحقوق الإنسان؛  فيحدث الاختفاء القسري عندما يتم اختطاف شخص ما أو سجنه من قبل دولة أو منظمة سياسية أو من قبل طرف ثالث بتفويض أو دعم أو موافقة من الدولة أو منظمة سياسية، يتبعه من خلال رفض الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، بقصد وضع الضحية خارج نطاق حماية القانون، ثم يوصف المفهوم العام للاختفاء القسري على أنه الاحتجاز أو الاختطاف، أو أي عمل يحرم الإنسان من حريته، على يد جهة تابعة لسلطة ما أو أشخاص يتصرفون بدعمها أو إذنها، ولا تعترف تلك الجهة بحرمان المختفي أو المختطف من حريته، بل تنكر معرفة مصيره ومكان وجوده، أي أنها تنكر احتجازه عندها بالمطلق.

وصفت أم وليد اللوعة والألم الذي سببه لها اختفاء ابنها وليد منذ ما يقارب الخمس سنوات، وعبرت قائلة: “ذهب إلى عمله بعدد تردد لعدة أيام خشية الاعتقال وبعد دخوله الى المنطقة التي يعمل بها بالقرب من دمشق والتي يسيطر عليها النظام اختفى ولم يعد، ورغم المراجعات المتكررة للشرطة العسكرية وأفرع الأمن إلا إنهم كانوا يقولون ليس لدينا شخص بهذا الاسم وكانوا ينعتوني دائماً بالألفاظ السيئة، ويطلبون مني مغادرة باب الفرع وإلا سيضعونني داخل السجن”. بعد صمت للحظات استدركت قائلة: “قبل سنوات لم أكن أعاني من أي مرض ولكن اليوم وبسبب الألم والحزن على ولدي أصبحت أعاني من السكري وارتفاع ضغط الدم. كل ما أتمناه أن يخبروني هل ولدي حي أم ميت… إذا كان ميتاً أعلم أنه قد ارتاح من التعذيب وأنسى جزءً من ألم فقدانه وهو ألم الانتظار”.

– أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، تقريراً أشار إلى مسؤولية نظام الأسد عن 85.09% من عمليات الاختفاء القسري في البلاد، وأكَّد التقرير أنّ النظام هو الطرف الأول والرئيس الذي بدأ بممارسة عمليات الإخفاء القسري ضد معارضيه منذ آذار/ مارس 2011 واستخدمها بشكل مُمنهج ضد جميع أطياف الشعب السوري كسلاح حرب مرتبط بعمليات القتل والعنف الجنسي والابتزاز المادي، وذكر التقرير أن عمليات الإخفاء القسري توسَّعت مع انتشار المجموعات المسلحة غير الرسمية التي تُقاتل إلى جانب قوات الجيش والأمن السوريين، كالميليشيات الإيرانية، وحزب الله اللبناني، وغيرها، التي أنشأت مراكز احتجاز خاصة بها وقامت بعمليات اعتقال وخطف حمل معظمها صبغة طائفية وحصلت بشكل جماعي.

كما وثَّق التقرير ما لا يقل عن 95056 شخصاً ما زالوا قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ مارس 2011 حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. نظام الأسد مسؤول عن إخفاء ما لا يقل عن 81652 شخصاً بينهم 1546 طفلاً و4837 امرأة، فيما ما لا يقل عن 8349 شخصاً، بينهم 321 أطفال و237 امرأة مختفون لدى تنظيم الدولة، وما لا يقل عن 1645 شخصاً، بينهم 7 أطفال و12 سيدة، لدى هيئة تحرير الشام، بينما أخفت قوات الإدارة الذاتية ما لا يقل عن 1523 شخصاً، بينهم 41 طفلاً و63 امرأة، وفصائل المعارضة المسلحة كانت مسؤولة عن إخفاء ما لا يقلّ عن 1887 شخصاً، بينهم 208 طفلاً و411 امرأة.

أما حالات المعتقلات السابقات في سوريا التي وثقتها الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان فتكشف عن خضوعهنّ لمحاكمات جائرة من قبل النظام السوري ونزع اعترافات كاذبة وكذلك استخدامهنّ كورقة ضغط في عمليات تبادل الرهائن. وكنظرائهنّ الذكور، غالباً ما تخضع المعتقلات لظروف اعتقال مزرية وسوء معاملة وتعذيب جسدي ونفسي وتعنيف. كما أن النساء أكثر عرضة للعنف والتعنيف الجنسي اللفظي والجسدي.

يُحرَم المختفون من أي اتصال بالعالم الخارجي ومن أي رعاية طبية أو مساعدة قانونية، حيث يوضعون خارج منظومة الحماية تماماً وتشكل النساء بوجه عام أقلية بين المختفين قسراً، إلا انهن أكثرية بين أفراد الأسر والأقرباء الأشدّ معاناةً من الغبن الاجتماعي والاقتصادي والقانوني والنفسي طويل الأمد.

– في حالات الاختفاء القسري، يتم الاعتراف بالمختفين وأقربائهم كضحايا بحسب القانون الدولي. وبالتالي من المهم التحقيق والاعتراف والتصدي للمظالم المركّبة التي تواجهها النساء، وضمان وجود آليات تراعي الاعتبارات الجنسانية للتعامل مع هذه المظالم. لا ينبغي أن يكون التعويض مشروطاً بإعلان الوفاة، فقد يدفع ذلك الزوجات إلى اتخاذ قرار صعب عاطفياً له عواقب اجتماعية ونفسية طويلة الأمد، بما في ذلك الشعور بالذنب نتيجة التخلي عن الأمل، ولوم أقرباء الزوج، وفقدان المكانة الاجتماعية إثر الترمّل وفقدان المعيل.

ذكرت بعض النساء أنهنّ تعرّضن لضغوط اجتماعية من قبل أفراد أسرهنّ حالت دون قيامهنّ بدور نشط ومباشر في البحث عن أقربائهن المختفين. ومع ذلك فإن أغلبية النساء شرعن رغم تقلّب ظروف النزاع في البحث عن أقربائهن بمفردهنّ ما أنْ عرفن باختفائهم. ورغم حصولهنّ على المساعدة أحياناً من قبل أقربائهن أو أسلافهن الذكور، إلا أن هذه المساعدة تبقى محدودة وقاصرة نتيجة خطر الاختفاء الذي قد يواجه الرجال الباحثين عن معلومات، وقد تأسس هذا الخوف وتنامى نتيجة كثرة الحوادث التي اختفى فيها أقرباءٌ ذكور أثناء بحثهم أو دفعهم فدية لذويهم المختفين.

إن فهم معاناة النساء المباشرة والمديدة بسبب الاختفاء القسري أمر ضروري لتحليل كيفية صوغ هذه الانتهاكات لوضعهن، وتأثيرها على حياتهن في ظروف ما بعد النزاع. والأهم من ذلك أن على تقصّي البعد الجنساني لوضع الاختفاء القسري أن يستكشف التغييرات في أدوار الجنسين، وعلاقاتهما وهويّتيهما الناجمة عن النزاع، وحيوية وتنوع الأدوار التي تلعبها النساء. إن المشاركة المباشرة وغير المباشرة في النزاع، والقيام بأدوار اقتصادية واجتماعية متزايدة أو جديدة، والمشاركة في الحركات السياسية والاجتماعية، كل هذه العوامل ساهمت في صوغ تجارب النساء أثناء النزاع.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »