Search
Close this search box.

رغم استمرار التمييز، غياب الذكور يدفع السوريات نحو سوق العمل

رغم استمرار التمييز، غياب الذكور يدفع السوريات نحو سوق العمل

جمانة علي

عند زيارتها لدمشق قبل شهر، كتبت كلوي كورنيش، مراسلة صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، حول عدة أشياء لمستها هناك. وكان أكثر ما لفت انتباه المراسلة تواجد السوريات في أماكن العمل، في كل مجال تقريباً، على غير ما اعتاد عليه المجتمع السوري منذ أن خرجت المرأة إلى ميدان العمل، حيث اقتصرت مشاركتها، في معظم الحالات، على مجالات التعليم والطبابة والتمريض، أو الخياطة وتصفيف الشعر، أو بيع المستلزمات النسائية في محلات وورش وصالونات خاصة. وبالفعل شاركت السورية أباها وأخاها، ومن ثم زوجها في تحمل أعباء الحياة، فضلاً عن حصولها على شيء من استقلاليتها الاقتصادية والاجتماعية.

والتقت المراسلة البريطانية، داخل مخبز، يقع في قبو شبه معتم، بهيام حشاش التي انهمكت في غسل أطباق بلاستيكية، فيما انشغل زملاؤها الذكور في قلي كرات من العجين ومن ثم غمسها في الدبس أو سائل سكري لصنع حلوى لذيذة يعشقها معظم السوريين، ويقبلون على تناولها، خاصة في فصل الشتاء، ويسمونها” لقم”.

أول مرة

وقالت  تلك المرأة الأربعينية بأن هذه أول مرة تخرج فيها للعمل خارج بيتها، وهو أمر لم تتخيل سابقاً بأنها ستضطر للقيام به. ولكن حياتها انقلبت رأساً على عقب بعدما قُتل زوجها وابنها البكر عندما كان يقاتلان في صفوف مقاتلي المعارضة. وقالت هيام، التي كانت تضع حجاباً أسود اللون: ” كل شيء كان على ما يرام، ولكن بعدما فقدت ابني، لم أجد من يمد لي يد العون، وكان علي أن أبحث عن عمل”.

تحول جذري

وتشير المراسلة إلى هيام كونها تعيل بمفردها ثلاثة أطفال، وهي واحدة من عديد من السوريات اللاتي يعشن وسط تحول اجتماعي جذري في توزيع الأدوار بين الجنسين في مجتمع محافظ في غالبيته، وقد مزق العنف نسيجه الاجتماعي.

وحسب المراسلة، في ظل ادعاء نظام بشار الأسد بأنه حقق انتصاراً بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية، تراجعت حدة القتال، ولكن عنفاً عشوائياً ما زالت تشهده معظم المناطق السورية.

أزمة ديموغرافية

وتشهد المراسلة على أن الحملة العسكرية التي تشنها الحكومة السورية، ومحاولات تجنيد معظم الشباب السوريين، خلفتا أزمة ديموغرافية. فقد كشف المركز السوري للأبحاث السياسية ( SCPR ) بأنه 80٪ من بين قرابة 500 ألف قضوا خلال الحرب، كانوا من الذكور. كما كشف SCPR بأن العمر الافتراضي للرجل السوري انخفض من 70 عاماً في سنة 2010 إلى 48 سنة بحلول عام 2015. وقد شهدت الفئة العمرية من الذكور السوريين، ما بين 24-15، أكبر انخفاض في معدل متوسط العمر.

ويضاف إليه، كما تلفت المراسلة، هروب ملايين الشباب السوريين، وبحثهم عن ملاذات آمنة في دول مجاورة وفي أوروبا، وهم يخشون العودة خوفاً من سوقهم للخدمة العسكرية، أو الانتقام. وقد كان لذلك تبعات اقتصادية واجتماعية هائلة. ولذا، وحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أصبحت النساء السوريات مصدراً رئيسياً لمعيشة أسرهن، وراعيات لقرابة ثلث العائلات السورية.

أين العرسان؟

وهذا ما يعبر عنه وائل، 42 عاماً، هو يحاول بيع أثواب أعراس في سوق دمشقي: “حقاً أين هم الرجال؟ فإن أراد أحدهم أن يتزوج سيجد عشر فتيات مناسبات”. وقال محي الدين، 48 عاماً، صاحب محل لبيع ملابس العرائس في نفس السوق: “تتزوج الآن بعض الفتيات بدون حضور العريس، لأنه يقيم في بلد آخر، ولذا تقيم العروس حفلة صغيرة، وترتدي فستاناً أبيض ٠٠٠ إنه يرمز لبداية حياة جديدة”. ويتابع العريس الحفلة عبر رابط فيديو.

والأهم منه، حسب كاتبة المقال، أدى غياب الرجال لحدوث تغيير جذري في سوق العمل. فقبل الحرب، كانت خمس النساء فحسب يعملن في وظائف عامة أو خاصة، وفق احصائيات المنتدى الاقتصادي العالمي.

لا خيار

وتشير كاتبة المقال إلى أن بسبب نقص العمالة من الذكور، ليس من خيار آخر أمام أرباب العمل سوى الاستعانة بالإناث.

ونتيجة له، بدأت مريم توفيق غنوم، 51 عاماً، أول عمل لها كمصممة ديكور. فقد انتقلت مريم إلى دمشق في عام 2012 هرباً من القتال في بلدتها عين ترما.  وأرادت تحصيل دخل إضافي بعدما خرج زوجها على التقاعد بسبب مشاكل صحية، ووجدوا بأن معاشه التقاعدي لا يغطي حتى قيمة فواتيرهم الشهرية.

قالت مريم، وهي جالسة في شقتها الضيقة المستأجرة المكونة من غرفتين في ضواحي دمشق” أردت تعلم كيفية طلاء المنازل لأني عندما غادرت بيتي في عين ترما، كنت لتوي قد صممته، وكانت رائحة الدهان ما زالت تملؤه”.

ورغم جهودها وعملها، تقول مريم بأنها لم تستطع تأمين وجبة من اللحوم لأسرتها، منذ هروبهم من بيتهم في عام 2012.

وحسب أبحاث أجرتها منظمات إنسانية منها كير إنترناشونال، يعتمد حصول النساء على فرص عمل في سوريا على مناطق تواجدهن، وتتفاوت المواقف حيالهن من منطقة لأخرى. وحتى في دمشق، ما زالت النساء يعانين من التمييز على أساس الجنس. وبالفعل قال صاحب مصنع، طلب عدم ذكر اسمه : “أكره العمل مع النساء، فهن يحملن ومن ثم يتغيبن عن العمل”.

مبادرات

ولكن تلك المواقف لم تمنع سارة قطاف، 32 عاماً، مصممة برامج كمبيوتر، من تنفيذ رغبتها ببدء “ثورة تطبيقات في سوريا”. فبعد إقناع أبيها لدعمها مالياً، بدأت شركتها للتطبيقات في تموز (يوليو)، وقد أطلقت لتوها تطبيقاً يساعد سكان دمشق على إيجاد صيدليات مناوبة ليلياً.

تقول سارة: “بالرغم من تعرض النساء لضغوط للعمل في مهن تعتبر نسائية كالخياطة وتصفيف الشعر، إلا أني عادة ما أُقابل بدهشة وليس بتمييز. تتابع: “عندما تدرس الفتاة شيئاً يدرسه فقط الرجال، وتفتتح شركة يقوم بها عادة الرجال، ذلك ما يبعث على الدهشة، وحسب”.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »