رهادة عبدوش
منذ عقود والحركات النسائية في سورية، تطالب بإلغاء القوانين التمييزية ضد النساء والتي يطالها قانون الأحوال الشخصية الصادر منذ عام 1953، وهو من أحد أهم القوانين في المجتمع السوري، وأهميته تبرز كونه اللصيق بالحياة اليومية للأسرة السورية، وهو يؤثّر سلباً على حياة النساء في نقاط كثيرة منها الطلاق بالإرادة المنفردة التي تحقّ للرجل متى يشاء، الشروط التعجيزية عند التعويض في الطلاق التعسفي، تعدد الزوجات إن وجد مسوّغ شرعي، اشتراط الذكورة في الولاية والوصاية والقوامة، عدم وجود بيت للحاضنة، سحب المحضون من أمّه عند زواجها، اشتراط توافق الدين بين الحاضن والمحضون، شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين ولا تقبل الشهادات الشرعية دون رجل على الأقل، إعطاء الإناث نصف حصّة الذكور من الإرث وعدم حجب الأنثى للإرث، المرأة الناشز وحرمانها من النفقة في حال عملت دون أذن الزوج أو إمتنعت عنه، وغير ذلك من تفاصيل ترهق النساء ولا تتوافق مع التغييرات الحديثة في الحياة الإقتصادية والإجتماعية والظروف العالمية المتغيّرة، وظهرت المأساة في النزاع المسلّح الذي كانت النساء والأطفال أبرز ضحاياه.
ومن هنا كانت التعديلات ضرورة حتميّة، ليخرج من مجلس الشعب الإقرار على مشروع تعديل القانون ومن ثمّ يصدره رئيس الجمهورية بعد ثلاثة أيام من طبخه في مطابخ تفتقر للطباخين المهرة.
لكن هذه التعديلات- التي لم تكن الأولى على قانون الأحوال الشخصية- جاءت مخيبة للآمال لكل الأطراف، المتمسكين بالشريعة الاسلامية والأطراف المطالبين بقانون الزواج المدني أو بقوانين خالية من التمييز.
السيرة الشخصية لقانون الأحوال الشخصية
تحكم قانون الأحوال الشخصية السوري مصادر متنوعة بدءاً من قانون حقوق العائلة الصادر بأواخر العهد العثماني عام 1917 و الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لمحمد قدري باشا وانتهاءً بالمذهب الحنفي الذي يرجع إليه في كل مشكلة لا نص لها في القانون، لكنها لا تتوافق أبداً مع الإتفاقيات الدوليّة التي صادقت عليها سورية بدءاً من إتفاقية حقوق الانسان وإنتهاء بإتفاقيتي السيداو (إزالة جميع أشكال التمييز ضد النساء) وإتفاقية حقوق الطفل.
علماً أنّ هذا القانون يطبّق على كل الطوائف والأديان في سورية بإستثناء بعض الأحكام الخاصة المتعلقة بأهلية الزواج وتعدد الزوجات واللعان والرضاع والمهر والطلاق والوصية والميراث لأتباع الطائفة الدرزية وبعض الأحكام التي تتعلّق بالطوائف المسيحية واليهودية فيما يخص الخطبة وشروط الزواج وعقده ، والإرث والوصية بما يخص الطوائف المسيحية بحسب القانون الصادر عام 2011-2012
وكل ما عدا ذلك يلحق بقانون الأحوال الشخصية الإسلامي، كالنفقة والحضانة والولاية والوصاية وذلك كون الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع في سورية.
التعديل الوحيد الذي طرأ على القانون قبل الآن هو قانون الأحوال الشخصية رقم 34 لعام 1975 الذي عدل بعض أحكام القانون رقم 59 لعام 1953 ليعدّل بتعديلات لا محلّ لذكرها لضاءلتها، وتعديل طرأ على سن الحضانة للأم ليصبح 16 للبنت و13 للصبي، وذلك بعد حملة قامت بها جمعية المبادرة الاجتماعية في سورية تطالب برفع سن الحضانة عام 2007 ، وبقي مبتوراً دون بيت للحاضنة.
الشارع السوري ينتظر التوضيح
تساؤلات كثيرة عبر وسائل التواصل الإجتماعي والإعلامي طالبت بتوضيح تلك التعديلات وخصوصاً ما أشيع عن مسؤولين بأن الولاية ستصبح للنساء كما الذكور وأن العصمة ستصبح بيد المرأة أيضًا وبحق المرأة بطلب الطلاق في حال هجرها زوجها عن الفراش مدّة تزيد عن الثلاثة أشهر.
لتأت الإجابات مخيّبة للآمال وبعيدة عن تطلعات الناس وبعيداً جداً عن مطالبات الجمعيات المناهضة للتمييز ضد النساء في سورية والتي كانت تعمل منذ عقود في ظل الأحزاب والمستقلة التي عملت منذ عام 2003 مطالبةً بإلغاء أشكال التمييز في القوانين .
التعديلات ومطالبات في مهبّ الريح
إقتصرت التعديلات التي وصلت لسبعين مادّة على جزيئات لا تعني شيئاً سوى المزيد من التكريس للتمييز، فبدلاً من إلغاء تعدد الزوجات، طالبت بتوفير بيت آخر للزوجة الجديدة، وبدلاً من تأمين بيت للحاضنة في حال الطلاق كرّست التمييز بين الأديان عندما طالبت بوحدة الدين بين الحاضن والمحضون بعد عمر الخمس سنوات، وحرمت المرأة التي تتزوج من حضانة ابنها أو ابنتها بالرغم من أنه قد تم رفع سن الحضانة للذكر ليصبح للذكر والأنثى 15 عاماً ، وغيّرت مجرى الحاضنة ليصبح الأم ثم الأب ثم أم الأم ثم أم الأب وهكذا بدلاً عن أن يصبح مفهوم الحضانة متعلقاً بمصلحة الطفل الفضلى وليس بحسب جنس الوالدين.
وبدلاً من منع الطلاق بالإرادة المنفردة اكتفت بالتخفيف من الشروط التعجيزية للتعويض في الطلاق التعسفي إن كان الزوج متعسّفاً ليصبح هنالك شرط وحيد للتعويض هو التعسّف بعد أن كانت الشروط تعجيزية منها الفقر والفاقة وعدم وجود قريب.
وبدلاً من إعطاء المرأة والرجل حقاً متساوياً في الولاية والوصاية جاء التعديل فقط بمنع سفر الأولاد مع أحد الأبوين دون موافقة الآخر في حال قيام العلاقة الزوجية أو في حال الإنفصال وهذا تعديل جيد لكنه غير كاف.
وأبقى على شرط وجود الولي في حال زواج المرأة فهي لا تستطيع تزويج نفسها دون ولي ولو كانت تشغل منصب رئيسة القضاة!!
لم يتطرّق إلى المساواة بين البنت والأبن في الارث من والدهم ولم يتطرّق إلى موضوع حجب البنت للإرث إن كانت وحيدة بل عدّل بجزيئات غير مهمّة على الصعيد العام.
بالنسبة لسن الزواج بالرغم من أنّه رفع سنّ الزواج إلى 17 للبنت و 18 للصبي إلاً انّه أبقى على السلطة التقديرية للقاضي في زواج الطفل أو الطفلة بعمر ال 15 عاماً.
المحامون-ات بين التمسّك بالشريعة وبين القانون المدني
مجموعة من المحامين رأوا بأنه لا داعي لتعديل سن الزواج وأنّ هذا التعديل سيدخل المحاكم في دوامة لا تنتهي سأبرز بعضها:
- “لا يوجد عيباً ولا نقصاً في القانون إن لم يحدد سناً للزواج أو بقي على حاله دون تعديل لهذه الناحية، ولا مشكلة في وجود زواج مبكر، وإن وجدت حالات فهي متناثرة هنا وهناك ولا تشكل خطراً ولا تهديدا ولا ظاهرة، وإن وجدت فيجب إحصاءها ونشرها وتسليط الضوء عليها ودراستها دراسة واقعية ووضع الحلول المناسبة لها وللمشاكل التي ترتبت عليها حسب الدراسة”
- “إن سن الزواج وإن كان غير محدد في الشريعة الإسلامية ، ومحدداً بسن معينة في قوانين الأحوال الشخصية ، إلا أن الواقع والدراسات العلمية يؤكدان أن الزواج قليل ونادر في بعض المناطق تحت سن العشرين بالنسبة إلى الفتاة ، وغير موجود بالنسبة إلى الشاب”
- “الزواج المبكر أو زواج الصغيرات كما يسمى هو الزواج الذي يتم قبل سن البلوغ ، أي هو وسطياً الزواج الذي يتم قبل سن الخامسة عشر للزوجين ،أما الزواج الذي يتم بعد تلك السن فلا يعتبر مبكراً حتى عند أصحاب نظرية الزواج المبكر”
- “نحن لدينا مشكلة نقيضة أهم وأخطر وهي مشكلة إرتفاع سن الزواج ووجود العراقيل والصعوبات في وجه المقبلين على الزواج وعزوف الشباب عن الزواج وتوجههم بدلاً منه للعلاقات العابرة “
- ومنهم رأى ان في تعديل الحاضن ليصبح الأم ثم الأب بدلاً من أم الأم سيدخل الأسر في متاهات لا حصر لها فالأب سيسعى جهده لاثبات عدم صلاحية زوجته للحضانة.
- منهم وجد بعض التعديلات اللافتة للنظر مثل المادة 54 حيث اعتبرت عند استيفاء المهر معيار القوة الشرائية له وقت عقد الزواج شرط ألا يتجاوز مهر المثل عند الاستحقاق، وهذا بدون شك تعديل إيجابي يرفع الظلم الفاحش الذي لحق بالزوجة جراء تضخم النقد.
- وأن هناك تعديلات نوعية في مسائل الخطبة والطلاق والإرث نتطرق لها عند إقرار المشروع.
أما من طالب بالزواج المدني اعتبر أن كل هذه التعديلات لا مكان لها إن لم تكن تعديلات جذرية في كل مناحي الحياة المتعلقة بالأحوال الشخصية لتتبع فقط الاتفاقيات الدولية والحياة المدنية التي تستحقها الأسرة السورية بعد معاناتها الشديدة في الحرب، التي أثبتت أن تلك القوانين مهترئة ولا تتأقلم مع الظروف.
ولا يزال المجتمع السوري وخاصّة مجتمع القانونيين-ات يتجادل حول أهمية البقاء بحسب الشريعة الإسلامية في قوانين الأحوال الشخصية لأن الإسلام يجد الحلول دائماً، وبين أهمية إلغاء تحكّم التشريعات الدينية ليخضع كل السوريين-ات لقانون مدني عصري واحد تحميه المواثيق الدولية ويحترم الاتفاقيات والمعاهدات الدوليّة.
خاص “شبكة المرأة السورية”