لجين العرنجي
يلحظ الواقع السوري، أو بصورة أدق التواجد السوري في أي بقعة في الفترة الراهنة الممتدة منذ 8 سنوات حتى الآن، تغييرات كثيرة فيما يتعلق بدور المرأة ودور الرجل في العائلة والمعيشة والمجتمع والوظائف. ينشأ هذا التبدل عن هيمنة واقع جديد مفروض وناتج عن خسارة العديد من الشرائح بيوتها ومصالحها وهجرتها أو نزوحها وفقدان أحد أفرادها وخاصة إذا كان معيل العائلة.
بدأت هذه التغيرات تظهر من أصغر دائرة مجتمعية وهي العائلة، فقد اضطرت المرأة للعمل في حالة فقدان الرجل المعيل اقتصادياً للعائلة (موت، اعتقال، اختفاء، سفر) وبالتالي اضطرات النساء اللواتي كن بنسبة كبيرة ربات بيوت من بيئات محافظة في الوضع الجديد إلى العمل خارج المنزل والاختلاط مع الرجال والمجتمع كي تؤمنّ أساسيات العيش الضرورية، وكذلك في بعض حالات النزوح، اضطرت المرأة إلى أن تكون معيل العائلة بوجود الرجل، داخل سورية أو في لبنان، وذلك عند عدم توفر فرص عمل للرجال مقابل توفرها للنساء في البيئة المضيفة.
أخبرتنا سماهر، 38 سنة، نازحة من الغوطة: “أودى بي النزوح إلى العمل في البيوت، بعد حالة مادية جيدة للعائلة في السابق، وأنا أتعب لأؤمن لقمة العيش حالياً بعد استشهاد زوجي، أعاني من مشاكل كثيرة في التواصل مع الآخرين والتعامل مع الغرباء، ليس هناك راحة أبداً في الوضع الجديد، أتمنى أن أعود إلى المنزل وأجد معيلاً لي ولأولادي، أو أن أتدبر عملاً داخل المنزل وأصدره للخارج كغيري من النساء اللواتي أعرفهن”.
أما نسرين، 37 سنة، نازحة من الغوطة فتقول: “لم أكن أعرف سوى المطبخ وجدران المنزل وأطفالي، كنت أسرف وقتي وطاقتي على هذه الشؤون فقط، أما الآن فأنا أعمل في مشغل كبير، أتولى إدارته تقريباً، غاب عني زوجي سنوات كثيرة وعاد في العام الماضي، حاول أن يجد عملاً ليعيدني إلى القوقعة السابقة، إلا أني سعيدة بإنجازاتي وبتحرري وتعاملي مع الناس خارج المنزل، هددني بالطلاق لفترة، ثم انصاع لحريتي الجديدة بالنسبة له، صحيح أني أكره الحرب وكل ما حصل، لكن حياتي الشخصية تغيرت كلياً وصرت أعرف أن طاقاتي أكبر بكثير من جدران منزل ومطبخ، ولدي رأي وقرار بما يخص كل شيء يمسني أو يهمني”.
تقول مزنة، 40 سنة، نازحة مع عائلتها الى لبنان: “تدبرت أمري بعد فترة ليست بقصيرة من النزوح ببعض الأعمال اليدوية التي أبيعها ونعتاش منها، لكن زوجي لا يفلح بإيجاد عمل مستمر، فأصبحت بناتي تساعدنني بهذه الأعمال لإنتاج كم أكبر، لست معتادة على وضعي الجديد، أحياناً أشعر بالأسى من الاختلاف الكبير في حياتنا، وغالباً أشكر الله على أنني فكرت وعملت لنجد قوت أيامنا، وأتساءل دائماً، كيف كنت أقضي وقتي سابقاً عندما كانت الأحوال جيدة وعمل زوجي جيد؟”.
أما ناهدة، 45 سنة، نازحة إلى لبنان، فتقول:” منذ قدومنا إلى لبنان كان زوجي يمنعني عن أي شيء كما في السابق، وكلما منعني كانت أحوالنا تزداد سوءاً، حتى التحقت سراً بورشات عمل وتوعية مع إحدى المنظمات ومن ثم شاركت معهم في تنظيم لقاءات بدوري، وتدريجياً صرت أعمل معهم، طلقني زوجي عندما عرف بكل ذلك وأخذ الأطفال الأربعة، لم أتراجع عن تقدمي في العمل برغم مرارتي، وبعد عدة شهور أرسل لي الأولاد بسبب سوء أحواله المادية، وها هم في حالة جيدة من المعيشة والتعليم، ويحاول زوجي السابق بعد ثلاث سنوات العودة لي بشتى الوسائل وأنا أرفض هذه العلاقة مجدداً وأرفض البنية الفكرية لديه، وأربي بناتي وصبياني على حرية العمل والقرار والمساواة في كل شيء، فنحن كنساء نملك طاقات مثل الرجال وأكثر وخاصة فكرياً، واليوم أنا ناشطة معروفة من قبل عدة منظمات ومن غالبية النازحين في المخيم”.
من خلال الآراء التي أدلتها النسوة لشبكة المرأة السورية، نجد أن هناك بعض النسوة اللواتي ما زلن ممتثلات للواقع الذي تربين عليه، بينما عاندت أخريات الواقع السابق المفروض واجتهدن على إثبات أنهن قادرات على العمل والتميز وأن يكن أنداداً للرجال في المجالات التي يرغبن العمل فيها. ونجد أن الأدوار الجديدة التي فرضت على المرأة لم تكن صعبة التنفيذ ولم تكن خطيرة أو غريبة، وإنما هي ناتجة عن فرضٍ اجتماعي متحكم بماذا تعمل المرأة وماذا يعمل الرجل في كل بيئة. يفرض ذلك هيمنة ذكورية سيطرت في الوضع السابق (دينياً، اجتماعياً، قانونياً، اقتصادياً) بينما أثبتت المرأة أنها تستطيع الدخول في كثير من المجالات التي كانت محظورة عليها فقط من باب الفرض برغم سهولة خوضها من قبلها، هذا كله تابع للتنشئة المغلوطة منذ الصغر.
هذا الوضع الجديد للأدوار الجندرية أثر على علاقة ثنائي (رجل/امرأة) وأصبحت الحاجات فيما بينهما مختلفة وتبنى على أسس مغايرة للسابق، كما غيرت من أدوار الرجل الجندرية بدورها بعد نيل المرأة حرية اختيارها لأدوارها، وبالتالي سيضطر الرجل إلى اختيار أدواره بما يتناسب مع أدوارها، ومن الممكن أن يبدو ذلك صعباً للوهلة الأولى في تاريخ الهيمنة الذكورية، إلا أنه بالطبع أفضل للجنسين وليس للمرأة فقط.
السيدة والباحثة صباح الحلاق، مسؤولة الجندر في رابطة المواطنة السورية، تؤكد في أغلب ورشات العمل التي تديرها: “لا بد من التنشئة الصحيحة منذ اليوم الأول للولادة، من أبسط الأمور حتى أعقدها، فاللون الزهري للفتيات والأزرق للأولاد عند استقبال المولود سيفرض سيرورة الفصل على طول خط التربية، أي سيبقى التخصيص قائماً في كل مفصل من مفاصل الحياة في العائلة والمجتمع ومجالات العمل والخوض بأمور الشأن العام حسب جنس الإنسان. أصبح من الضروري التخلي عن باليات الأفكار المتعلقة بجنس المولود/المولودة والامتناع عن فرض الألوان والألعاب (كالباربي للفتيات كي يبقين ضمن جدران المنزل والدراجة للأولاد كي ينالوا مساحات أكبر من الحرية) والهدايا (كعدة المطبخ للفتاة، والسيارة للولد) والانتماءات (كالمطبخ والمنزل للفتاة، والحديقة والشارع والملعب للولد) ، بل يجب إزالة هذه الشوائب من أفكار الأهل في عملية التربية كي لا تكرس في أفكار الأجيال القادمة، ومن الهام ترك حرية الاختيار في كل شيء لأطفالهم وطفلاتهم دون التأثير عليهم بأنه يجوز أو لا يجوز حسب الجنس، هكذا تكون التنشئة قائمة على بناء أدوار جندرية حرة من التقييد، مختارة من قبل أصحابها وحاجاتهم ومسؤولياتهم بعيداً عن الفرض المرتبط بتقاليد العائلات والمجتمع والدين، وبالتالي سينتج لدينا جيل جديد من أي جنس كان، قادر على اختيار دوره في المجتمع بما يناسبه ويرغبه، فأصبح من البديهي بالنسبة لنا أن تخرج المرأة من المطبخ لتعمل في مجال الكهرباء أو المقاولات أو قيادة للمواصلات العامة إن هي أرادت ذلك ومن البديهي أيضاً أن يعمل الرجل في الأعمال اليدوية والمطبخ والأعمال المنزلية إن أراد ذلك أيضاً، وهذا ما نحاول دائماً في ورشاتنا التنويه إليه والتدريب عليه، التربية الصحيحة جندرياً على طريق المساواة”.
بعد كل التغيرات الحاصلة على أدوار المرأة والرجل في أغلب المجالات، لا بد من التفكير والاقتناع بأن التربية السليمة بما يخص الأدوار في المجتمع، هي التي ستعطي كلاً من الجنسين حقوقه/ها، وهي التي ستسند المرأة أو الرجل عند أي محنه أو شدة طارئة، كما أنها ستجعل الدوائر الاجتماعية والإنسانية أكثر انتاجية لأن كل دور يتم فيها ناتج عن اختيار صاحبه/صاحبته.
خاص “شبكة المرأة السورية”