عبير محمد
في كثير من الأحيان تفرض الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية تغييراً في أدوار كل من الرجل والمرأة، الأمر الذي حدث في سوريا خلال السنوات الثمانية الماضية، سنوات نتج عنها تقسيمها إلى دويلات، وذلك حسب نفوذ القوى المسيطرة على كل منطقة، مما فرض على كل منطقة اختلافات جديدة في واقع البنى الاجتماعية.
يمكننا البدء من الشمال السوري، الذي كانت تحكمه القبائل أو العشائر، مع وجود المسيطرين على الأرض من الأكراد، ففي ظل السنوات الماضية كانت الفتاة الكردية تحمل السلاح لتأخذ دور الرجل في الدفاع عن وجودهم، وقد اشتهرت الكثيرات منهن بتفوقهن على الرجال في الرماية، وفي قيادة بعض الفصائل، وأحياناً الطبيبة تأخذ دور المقاتلة والطبيبة الميدانية، في الوقت الذي كانت النسبة الكبيرة من الشباب إما مختفين أو هاربين من النظام لأجل التجنيد، كما الشباب العرب.
أما بالنسبة لمناطق سيطرة النظام، فقد حملت بعض النساء أيضاً السلاح إلى جانب الرجال، وذلك في القطاعات التي تسمى (الدفاع الوطني)، وكثيرات منهن كن من البعثيات، اللاتي تركن أدوارهن التي اعتدن عليها سابقاً.
وكانت المناطق التي سيطر عليها الجيش الحر محاصرة اقتصادياً، لذا انحصر هدف الرجل والمرأة فيها في تأمين قوتهم اليومي، وذلك بشق النفس، حيث كان الرجل والمرأة يعملان في مؤسسات الإغاثة وفي تأسيس بنية تحتية للخدمات الطبية كالمستشفيات الميدانية، وكانت الظروف صعبة من حيث قلة الأدوية والمستلزمات الإسعافية، بالإضافة إلى عمل كثير من النساء في رعاية الأطفال الأيتام، وكان سعيهن الدائم هو تأمين الغذاء في ظل الظروف الصعبة من حيث انقطاع الكهرباء والماء والتدفئة.
وربما تلخص قصة أم أسامة كل ما تقدم. أم أسامة امرأة من منبج أضطرها سفر زوجها إلى تحمل مسؤولية العائلة على عاتقها بمفردها، وذلك بالعمل في الأرض التي كانت تشارك زوجها العمل فيها في قريتهم الواقعة بمنطقة منبج، وتحملت أيضاً ما كان يفرضه تنظيم داعش عليهم وقتها، عندما كان يسيطر على المدينة وأريافها.
أم أسامة واحدة من النساء التي اضطر زوجها للذهاب، وقد يكون للهروب، من بطش داعش إلى تركيا، وخصوصاً بعد أن أُغلقت المدارس حيث كان يعمل مدرساً لمادة الفلسفة. حين وجد أن لا عمل له، ذهب هو ومجموعة من رجال القرية لإيجاد عمل في تركيا، ومن بينهم زوج خولة ابنة أخت أم أسامة، الذي هرب من داعش لأنه كان مطلوبا لديه ولدى النظام، فلم يجد أمامه سوى تركيا، والمفارقة أن من ادعى عليه لدى داعش هم من أقربائه. وهكذا بقيت أم أسامة وخولة في بيت واحد بالقرية، كانتا تعملان بالأرض وتعودان مساء لإعداد الطعام.
جاء يوم تهجم فيه رجال داعش على أم أسامة وبناتها وخولة بحجة أنهن لا يلبسن الخمار، فصرخت أم أسامة بوجههم: “كيف تريدونا أن نرتدي الخمار ونحن نعمل هل أنتم مجانين!”. ولحسن حظها، صرخوا عليها مهددين دون أن يعتقلوها، كما اعتادوا أن يفعلوا مع الآخرين. كان لدى خولة ابنة مريضة اعتادت تركها برعاية ابنتها الكبرى التي لا تتجاوز العاشرة من عمرها، وتذهب للأرض وبعد عودتها للمنزل تطعم ابنتها المريضة ثم تطعم بقية أولادها. وكان النظام قد اعتقل أخيها الصغير عندما كان هو وأخوته ووالدهم بالسيارة قرب دوما في دمشق، اعتقلوه وعمره 13 سنة فقط، سألتها عنه قالت لي: “كان يبكي كالطفل الصغير، أخذوه ومن وقتها لم نعلم عنه شيئاً”.
كانت أم أسامة تذهب في منبج إلى الأسواق لتبيع المحاصيل وتتسوق منها للأولاد، وكانت تؤّمن موسم الزيتون فتبيعه، وقسم منه تبيعه كزيت بعد عصره. وكانت تحطب لأجل التدفئة، وتقوم بكافة الأعمال المعتادة للرجال كشراء المازوت وتشغيل المولدة، وسقاية الأرض، وكان أبو أسامة يرسل لهم بعض المال لأجل ذلك وكمصروف أيضاً. وخلال ذلك لم تنفك عن القيام بزيارات شبه دورية إلى منزلهم في منبج للإطلاع على أحواله، وخوفاً من أن تأخذه داعش.
أذكر أيضا جارتنا أم عرفان التي كانت رئيسة قسم الممرضات في المستوصف، بينما كان زوجها بالمنزل لا يعمل، حيث تذهب يومياً للعمل وتترك الأولاد مع والدهم ليقوم بإطعامهم وتدريسهم، ومرة رأيتها آتية من العمل وهي متعبة فقالت لي: “أريت؟ الدنيا انقلبت … المرأة تخرج للعمل والرجل يجلس بالبيت ويربي الأولاد”.
خاص “شبكة المرأة السورية”