د. صباح ضميراوي
قد يكون لكتاب سيمون دي بوفوار “الجنس الآخر”، الدور الأكبر في بداية تبلور مفهوم الجندر، وذلك في مقولتها الشهيرة: “لا يولد الإنسان امرأة، إنما يصبح كذلك من خلال التربية والثقافة المجتمعية”. هذا المفهوم الذي أسس له إبن رشد بقوله إن حالة العبودية التي أنشأنا عليها المرأة غيبت قدرات النساء الخلاقة لتبدو المرأة وكأنها صالحة للحمل والإنجاب وحضانة الأطفال فقط كما ورد في كتابه “جوامع سياسة أفلاطون”.
وقد تبلور مفهوم الجندر بعد أن غيبته عصور الانحطاط، في المؤتمرات النسائية والتي أهمها كان في وثيقة بكين عام ١٩٩٥ (بعد أن ورد المصطلح في وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان ١٩٩٤) ودارت نقاشات وخلافات كبيرة في تعريفه، إلى أن ظهر المصطلح في وثائق مؤتمر روما ١٩٩٨ وتعريفه على “أنه كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر يعتبر جريمة ضد الإنسانية”. أما منظمة الصحة العالمية فتعرف الجندر على أنه يعبر عن الخصائص المجتمعية لكل من المرأة والرجل، وليس له أي علاقة بالاختلافات البيولوجية.
مما سبق توصلت النسويات إلى أن الهدف من توظيفه هو السعي إلى إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة في القوانين وغيرها وهو يشير إلى الأدوار الاجتماعية لكل من الذكر والأنثى بغض النظر عن الفروقات البيولوجية بينهما، والتي تتجلى فقط في الجهاز التناسلي فقط مع تشابه في بقية أجهزة الجسم من جهاز الدوران، والتنفس، والهضم وغيره، والتي بالتأكيد لا تعني بأي شكل من الأشكال تفضيل جنس على آخر، بل هناك وظيفة محددة لكل منهما وثابتة على عكس بقية خصائص النوع الاجتماعي التي تتغير بتغير المكان والزمان والموروث الثقافي والعادات والتقاليد، والتي عندما يسود فيها مفهوم التمكين وليس القوة لإنجاز شيء ما، يؤدي إلى المساواة الفعلية وعدم التمييز بين الجنسين. هذا التمييز الذي يتجلى بمجتمعاتنا منذ الولادة حيث يتم تحديد لون الأنثى باللون الزهري والذكر باللون الأزرق، لتبدأ رحلة التمييز بالأدوار، وهي اكثر من أن تحصى
- فرصه التعليم للذكر أكبر من الأنثى في المجتمع وليس في القانون ويتجلى هذا في الريف اكثر من المدينة لتدني الوعي والمستوى المعيشي
- الزواج المبكر للأنثى لها حظ اكثر من الذكرين بكثير وخاصة في البيئات المحافظة في المدن
- فرص العمل اكبرللرجل من الأنثى واكثر الإعلانات تحدد انها تريد ذكرا وليس أنثى
- المواقع الإدارية لاتعطى حسب الكفاءة والذكور النصيب الأكبر
- والحرية النسبية التي يتمتع بها الذكر اكبر من الأنثى في الخروج من المنزل والتأخرفي العودة والتدخل في اللباس من قبل الاهل
- المشاركة السياسية والمدنية في حدودها الدنيا للنساء،وحتى نسب الكوتا النسائية لم تصل للنسب الموضوعة في أغلب الأحيان (نسبة الكوتا النسائية المقررة بسورية ٣٠٪ وفي مجلس الشعب لم تتجاوز ال١٢٪ في احسن الحالات)
- التمييز في قانون العقوبات بين الجنسين واعتبار شهادتها نصف شهادة في بعض المحاكم
- عدم وجود قانون أسرة عادل يعطي الحقوق متساوية للجنسين والى ما هنالك من الكثير من التمييز الذي يحدد الأدوار الاجتماعية.
إن ما يقودنا إلى الخوض في مفهوم الجندر هو الرغبة في تحرير شعوبنا والذي لن يكون إلا بتحرير طاقات المجتمع كاملة نساء ورجال وحصول كل فرد على حريته وحقوقه وبالتالي ربط مفهوم الجندر بعملية التنمية والتي لن تتحقق بدون الاستماع إلى مطالب النساء المحقة وفهم أدوارهن الاجتماعية الحقيقية وإلغاء كافة القوانين التمييزية ضدهن وتمكين المرأة للوصول إلى مواقع صنع القرار في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمدنية.
في الحرب تتغير الأدوار الإجتماعية التي تعطى للمرأة، حيث تصبح الأكثرية من النساء معيلات لاسرهن سواء كنّا متعلمات أم لا، لكن العنف الأكبر يقع على النساء غير المتعلمات وغيار المتمكنات من مهنة ما وهذا ماقد يعرضهن إلى عنف داخل المنزل لأن عملها خارج المنزل سينعكس مهما حاولت على واجباتها المنزلية، عدا عن تعرضها خارج المنزل لعنف من نوع جديد، التحرش الجنسي الذي يمكن أن تتعرض له من صاحب العمل أكبر، وكم اضطرت نساء معيلات لترك عملهن لهذا السبب، وكم رضخت نساء لتحمل هذا العنف تحت ضغط الظروف المعيشية والحاجة إلى لقمة العيش لها ولأسرتها، في زمن الحرب تكتشف النساء حاجتها لتكون متعلمة للتخفيف من العنف الذي يمكن أن يمارس عليها، لأن دورها الاجتماعي لم يعد في المنزل بعد أن فقدت أغلب النساء المعيل بسبب الإعتقال او الإستشهاد أو السفر، وأصبح دورها خارج المنزل ضرورة ملحة.
خاص “شبكة المرأة السورية”