أمل العلي
غالباً ما يُنظر إلى المرأة على أنها النوع الاجتماعي الوحيد الذي يحتاج إلى تعديل دوره الاجتماعي، وذلك باعتبارها العنصر الاضعف، وتُلصق بها ادوار محددة فقط لأنها انثى، فهل تقع مسؤولية تغيير الأدوار الجندرية على كاهل المرأة فقط؟
يُعرف الجندر على أنه مجموع الصفات المتعلقة والمميزة ما بين الذكورة والأنوثة، واعتماداً على السياق يمكن أن تشمل هذه الصفات الجنس الحيوي المعيّن (أي كون الإنسان تشريحياً ذكراً أو أنثى أو ثنائي الجنس)، وتشمل البنى الاجتماعية المعتمدة على الجنس (بما فيها من أدوار جندرية وأدوار اجتماعية أخرى)، أو الهوية الجندرية.
ففي الحياة الاسرية، تبقى المرأة في المنزل ويتحدد دورها بالاعمال المنزلية و في رعاية شؤون الأسرة من تنظيف وترتيب وطبخ …إلخ، لتحرم بذلك من الادوار الاخرى التي من الممكن ان تقوم بها وتكون ناجحة فيها.
وحرم المجتمع من طاقات بناءة ومفيدة له لا لشيء فقط بسبب الثقافة السائدة ان النساء موقعهن في المنزل، وأثرت التربية على النساء لدرجة قناعة بعضهن بهذه المقولة.
وفي حال سُمح للمرأة بالعمل خارج المنزل، بعد مطالبات كثيرة، بقي العمل المخصص لها يدور في نفس فلك الأم المربية، أعمال نمطية تليق بالأنثى، حسب تعبيرات البعض، ممرضة، معلمة، لتبقى أعباء المنزل على كاهلها، وتدخل دوامة العمل خارج المنزل وداخله، مما زاد من أعباء الحياة على النساء بدلاً من ان يكون مساعداً لهن، وذلك بسبب نمطية تفكير المجتمع عموماً والرجال خصوصاً، ومع ذلك اثبتت المرأة نجاحها وقدرتها على تحدي الضغوط التي تتعرض لها.
أما في مجال السياسية، فقد أرادت بعض الانظمة أن تصدر صورة جميلة عنها مغايرة لحقيقتها، لذلك اشركت النساء في بعض مؤسسات الدولة، لكن كان اشراكا صورياً الهدف منه ليس فتح باب السياسة لمشاركة النساء بفعالية في ادارة شؤون الدولة او في الاحزاب، فهي أنظمة ديكتاتورية استبدادية اقصائية استغلالية، والنساء من وجهة نظرها مجرد سلعة او اداة تستغلها لتجميل صورتها فتبدو للعالم انها تساير ركب التطور والحضارة وتهتم لحقوق الانسان.
لكن في ظل تطور وسائل الاعلام والانفتاح على الآخر، لم يعد هناك مجتمعات مغلقة على ذاتها، وأصبحنا نرى اليوم تطور الحركة النسوية ولو بشكل متفاوت من دولة إلى أخرى، بحسب الظروف المحيطة التي تحكم المجتمعات والقوانين الناظمة للعلاقات والحامية للفرد، فبات العمل على رفض تنميط الأدوار الملصقة بالإنسان على اساس جنسه، والأخذ بعين الاعتبار قدرات ورغبة وكفاءة هذا الانسان بعيداً عن جنسه البيولوجي، ضرورة من ضرورات تطور المجتمعات وإطلاق الحريه للإنسان دون اي تمييز عنصري قائم على الجنس.
وبالعودة إلى ضرورة تغيير الادوار الاجتماعية النمطية الملصقة بالنساء يبقى هذا الحديث لا معنى له إذا لم تتغير أدوار الطرف الآخر، أو بالأحرى النوع الاجتماعي الاخر وهو الرجل، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، من سيد ووصي ومسيّر، إلى شريك.
إن دور المرأة في المنزل لن يتغير إلا اذا مارس الرجل دوره كشريك وليس مسؤول عن الاسرة مادياً فقط، بل يجب ان يكون شريكاً حقيقياً في بنائها، فيأخذ على عاتقه مثلا تعليم الاطفال والاهتمام بهم ومشاركة الزوجة في اعمال المنزل، ليتسنى لها أن تأخذ دورها الآخر في العمل خارجه لكي لا تقع النساء في مطبات قاسية عندما تعمل من اجل تلبية حاجتها وحاجة اسرتها في ظل غياب المعيل، كما حدث ويحدث مع الكثير من النساء السوريات في ظل الحرب، فبتنا نسمع عن تزويج القاصرات بحجة الفقر، إضافة إلى التحرش والإستغلال الجنسي والتنمر على النساء من قبل بعض ضعاف النفوس.
اما بعد انتهاء الحرب، التي فُرضت على النساء، حيث عايشت القهر والخوف والذل والحرمان والاضطهاد طوال سنينها، لن يكون لهن دور في تقرير مصير بلدهن لأنهن مستبعدات من مراكز صنع القرار، لا لشيء فقط لأنهن نساء والسياسة وإدارة البلاد حكراً على الرجال، وستأتي القوانين ناقصة قاصرة قائمة على ذكورية صانعيها فقط.
لذا بات من الضروري تغيير دور الطرف الآخر من متسلط أناني إلى شريك يؤمن بحق الآخر فاسحاً المجال أمامه للمشاركة الحقيقية والفعلية في المراكز القيادية المؤثرة في بناء الدولة والمجتمع.
بقي أن نقول أخيراً إنه عندما نريد تغيير الأدوار الاجتماعية ليس المقصود أبداً أن تصبح الأنثى ذكراً، ولا الذكر أنثى، بل نريد تغير المفاهيم الخاطئة السائدة والتي على أساسها أًلصقت أدوار بالإناث والذكور منها القيادة للذكر والتبعية للأنثى.
خاص “شبكة المرأة السورية”