Search
Close this search box.

تأنيث كرة القدم!

تأنيث كرة القدم!

كندا سالم

كعادة الشعب السوري الحي، يتناسى السوريون مآسيهم، ويضعون همومهم جانباً، ليتابعوا مباريات المنتخب السوري. تغص المقاهي بالمتفرجين ولتتمكن من الحصول على مقعد للمشاهدة عليك الحجز مسبقاً قبل عدة أيام من موعد المباراة، فبالرغم من نقل التلفزيون السوري لمباريات المنتخب إلا أن الانقطاع المتواصل للكهرباء يجعل من المتعذر مشاهدتها في المنازل فيتسابق الجميع للحجز في المقاهي لتشكل تلك المباريات مساحة يهربون فيها من هموم الحياة التي أثقلت كاهل المواطن السوري.

الشارع السوري المنقسم أصلاً عاد للانقسام من جديد بين من يرى أن المنتخب لسوريا كلها وبين من يصفه بمنتخب النظام السوري أو منتخب البراميل. يأتي الانقسام من اعتبار شريحة واسعة من السوريين أن “فصل الرياضة عن السياسة” أمر غير منطقي، فالقضية ملطخة بالدماء، ومئات الرياضيين السوريين قتلوا خلال السنوات الماضية، وبعضهم لا يزال مغيباً حتى الآن في سجون ومعتقلات النظام. كما أن السياسة تدخل في أصغر تفاصيل حياة السوريين فتقاسمهم لقمة عيشهم لا بل وتتسلل إلى غرف نومهم أيضاً.

ما زاد من حدة هذا الانقسام هو عودة بعض اللاعبين عن مواقفهم السابقة المؤيدة للثورة السورية مثل فراس الخطيب وعمر السومة اللذين امتنعا عن تمثيل المنتخب لسنوات منذ بداية الثورة السورية.

في ظل هذا الجدل الدائر بين مؤيدي المنتخب الوطني ومهاجمي منتخب البراميل، تغص المقاهي في دمشق بالمتفرجين وما يلفت الأنظار هو الحضور الأنثوي القوي ليكسر الصورة النمطية للمرأة التي لا تتابع الرياضة ولا تهتم بالمباريات، حيث تؤكد الكثيرات أنه بالرغم من أنهن لسن مولعات بكرة القدم في الأيام العادية، إلا أنهن يتابعن تصفيات كأس آسيا ويحضرن لتشجيع المنتخب.

إحدى الحاضرات أخبرتني همساً بأنها لم تأت لتشجيع المنتخب لا بل إنها في قلبها تشجع أي منتخب يلعب ضد المنتخب السوري. ظاهرة تشجيع النساء لمباريات كرة القدم وبشكل جماعي بدأ انتشارها منذ الصيف الماضي في مونديال كأس العالم، وقد عزاه البعض إلى خلو المقاهي أصلاً من الرجال نتيجة الهجرة والسفر أو بسبب انكفاء الرجال وبقائهم في منازلهم خوفاً من الملاحقة والتجنيد الإجباري، فحال المقاهي من حال جميع الأماكن التي باتت تزدحم بالنساء كالأسواق والأماكن العامة.

لا تشارك الفتيات الرجال في الذهاب إلى المقاهي ومشاهدة المباريات وحسب، بل أصبح لهن أيضاً دور واضح في التحليل والتشجيع والتوقعات لكل مباراة. وفيما يتعلق بالتحليل والتشجيع تقول لينا إحدى المتحمسات لكرة القدم التقيتها في أحد المقاهي: “حتى لو كانت المرأة مهتمة بهذه الرياضة فإن الرجل يشعرها بأنها لا تملك قدراً كافياً من الذكاء الرياضي لتحكم على أداء اللاعبين. فعندما يشاهدون فتاة تتحدث عن الرياضة يبدأ الجميع بالاستنكار والامتعاض وتوجيه أسئلة مثل: وهل تفهمين بكرة القدم حتى تنتقدي أو تقيمي؟ وهل تعرفين أسماء اللاعبين أصلاً؟”.

لا بد من الإشارة إلى أنه جرت العادة قبل انطلاق أية بطولة من بطولات كرة القدم أن يتم تداول النكات التي تسخر من المشجعات، مشيرة إلى أنهن لا يفهمن قواعد اللعبة حقاً، وأنهن يشاهدن المباريات فقط لإبهار أحبائهن وأصدقائهن وللحصول على الاهتمام، أو لمشاهدة اللاعبين ذوي الأجسام الرياضية والعضلات. تتضمن بعض النكات الساخرة المتداولة تلميحات جارحة حيث يدور معظمها حول الصورة النمطية التي يتبناها المجتمع للمرأة. نكات تبدو سخيفة للسامع، ليس أولها: ” كريستيانو رونالدو لم ينتقل من ريال مدريد إلى البرتغال، بطولة كأس العالم بطولة منتخبات ورونالدو بالأصل برتغالي”، أو ” الرجل الذي يرتدي الأصفر ويركض مع جميع اللاعبين هذا هو الحكم” ولا تنته بنكتة مثل: “عندما يصفر الحكم ويقول الشاب الذي بجانبك offside لا تجربي أن تسأليه ما معنى offside لأنه من الممكن أن تنتهي البطولة قبل أن تفهمي معناها”.

ومن ضمن النكات الساخرة والجارحة أن يقوم أحد الأشخاص بالنشر على حسابه في فيسبوك صورة توضيحية للنساء لشرح مفهوم التسلل تظهر الصورة رسماً للملعب على شكل مطبخ حتى تستطيع النساء الفهم.

ترافق هذه النكات بعض النصائح السخيفة من مثل: سيدتي اكسبي قلب زوجك بتحويل عش الزوجية إلى معسكر لمشاهدة المباريات، أو اكسبي قلبه في حال هزم منتخبه المفضل بعدم تفوهك بأية حماقات غير كروية. أو أجلي إخباره بأحداث مسلسلك المفضل لحين انتهاء البطولة.

التعليقات الجارحة ضد النساء في مجال الرياضة لا تأت من أشخاص عاديين حولنا فحسب فقد صدرت في عام 2011 من مذيعين بريطانيين في محطة “سكاي سبورتس” تعليقات عنصرية ضد مساعدة الحكم في إحدى المباريات حيث كانا يعتقدان أنهما ليسا على الهواء مباشرة حين قال أحدهما: “من الأفضل أن ينزل شخص ما إلى الملعب ويشرح لها قاعدة التسلل”. وقد نقل عن اليكس فيرغسون المدير الفني الأسبق لمانشستر يونايتيد  قوله مازحاً إن ممثلة النادي في الإعلام تمكنت أخيراً من “سحب نفسها من المطبخ”.

هذه الأمثلة من التعليقات صادرة من أشخاص من مجتمع غربي يفترض أنه لا يفرق بين قدرات الجنسين ولا تحكمه العادات والتقاليد. في الواقع هذه اللعبة الجميلة لم تنصف النساء بعد ولم تتقبلهن.

يفترض الرجال في كثير من الأحيان أن النساء يكرهن كرة القدم، أو أنهن يتابعن المباريات لوسامة اللاعبين ورجولتهم، حيث لا تحمل المرأة على محمل الجد خلال مناقشة أحداث المباراة على الرغم من أنها قد تكون مهتمة فعلاً.

يعتمد المجتمع في تصنيفه لشخصية وهوية الجنسين على الأدوار التقليدية والنمطية السائدة  فالرجال أقوياء جسدياً وقادرون على المنافسة، لا يتقبلون بسهولة أن ترأسهم سيدة، أما النساء فإنهن مرتبطات بالجنس الناعم الرقيق. بالإضافة إلى النظرة المتخلفة للمجتمع التي تظن بأن ممارسة الفتاة للعب الكرة ستحرمها من الزواج وإنجاب الأطفال، وتفضل معظم الأسر انشغال بناتهم بالدراسة. لا تزال اللاعبات العربيات يقاتلن ضد التقاليد الاجتماعية داخل المجتمعات المحلية الخاصة بهن من أجل الحصول على نفس التقدير الذي يحظى به الرجال.

هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فقد باتت حالياً النساء سيدات تغيير الواقع، فعالمياً شهدت الدورة الماضية لكأس العالم انتصارات للمرأة حيث أصبحت فيكي سباركس أول امرأة تعلق على الهواء مباشرة على مباراة في كأس العالم تبث تلفزيونياً في بريطانيا، كذلك نقلت في هذه الدورة مباريات تعلق عليها معلقات نساء لأول مرة في أميريكا الشمالية بحسب شبكة فوكس الأميريكية وشبكة تليموندو. كذلك تم للمرة الأولى تعيين امرأة كمعلقة في التلفزيون الألماني. وبما لا يدعو للدهشة فإن هذا التغيير لم يحظ بإعجاب الجميع حيث نقل عن لاعب كرة القدم السابق جيسون كندي، الذي لم يدع للتعليق على كأس العالم الصيف الماضي قوله إن صوت النساء عال وذو نغمة حادة لا تصلح للتعليق الكروي. كما أنه ولأول مرة تولت امرأة (سوزانا دينيدج) منصب المدير التنفيذي لرابطة الدوري الانكليزي الممتاز خلفاً لريتشارد سكودامور الذي تولى هذا المنصب منذ 19 سنة.

أما محلياً فقد أصبحت مها جنود 32 عاماً اللاعبة السابقة في منتخب سوريا للسيدات مدربة مساعدة في فريق نادي المحافظة الدمشقي لكرة القدم للرجال. وهي أول امرأة تشغل مثل هذا المنصب في منطقة الشرق الأوسط. هناك أيضاً أليسار بدور حكم الراية في مدينة اللاذقية وهناك أيضاً ربا زرقا أول سيدة عربية تعمل ضمن طاقم تحكيم مباراة كرة قدم.

إن عالم كرة القدم لم يعد عالماً رجالياً بامتياز لا مكان للنساء فيه، حيث تأنثت الفرجة الكروية والمشاركة في الملاعب أيضاً.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »