ترجمة وإعداد: عطاف عباسي
تغيرت أدوار الجنسين بشكل هائل في الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية. وما كان واضحاً للغاية- دور الرجل، دور المرأة -أصبح الآن غير محدود تقريباً، حيث لم يعد بالإمكان تحديد التنوع الكبير في الأدوار الجنسانية الحديثة بشكل ضيق وتقليدي.
كانت التغييرات التي طرأت على أدوار الجنسين صعبة من نواحٍ عدة، من أصعبها تغيير لغة الجسد المرتبطة بكل جنس، وبناء عليه ترتب على المجتمع المحيط تعديل ملاحظاته وتفسيره للغة الجسد ومعناها، وذلك مع انتقال الرجال والنساء إلى مناطق غير تقليدية لنوعيهما.
الدور المتغير للمرأة
اقتصر دور المرأة التقليدي على كونها زوجة وأم تقوم على تنشئة ورعاية الأطفال ودعم الزوج والاهتمام بالمنزل. وبينما حافظت العديد من النساء على هذا الدور، فإن اخريات اخترن أدواراً مختلفة وأكثر صعوبة وجازفن بالدخول إلى عالم الأعمال والمهن المهيمن عليه تقليدياً من قبل الذكور. وقد كافحت تلك النساء بقوة لتؤخذ على محمل الجد، وشعرن بأن عليهن استخدام لغة الجسد الذكورية ليثبتن أنهن قادرات بعيون نظرائهن من الذكور، فارتدين ملابس العمل الخشنة، وتبنين لغة جسدية أكثر قوة، ليتجنبن الظهور بشكل انثوي، كالتواصل المباشر بالعينين، والسلوك الحازم، واتخاذ وضعية جسدية ذات دلالة مسيطرة، وما إلى ذلك من لغات الجسد الذكورية.
في السنوات الأخيرة، تغير دور المرأة من جديد وتغيرت معه لغة الجسد. لكن هذه المرة اثبتت النساء أنفسهن في عالم الذكور بفرض شخصيتهن كإناث دون اللجوء إلى لغة الجسد الذكورية التقليدية. فهن يرتدين الآن ملابس مناسبة لبيئة العمل ولكن بأسلوب يتميز بالأنوثة. وخففت العديد منهن من لغة الجسد المهيمنة دون التخلي عن مفهوم السلطة والمرتبة الرفيعة.
والأكثر من ذلك، لم تعد النساء مضطرات لاختيار دور واحد، فبإمكان المرأة الواحدة أن تكون زوجة وأم وسيدة أعمال وإلى ما هنالك من أدوار في ذات الوقت. وهذا يعني أن لغة جسد المرأة متغيرة ومتكيفة بناء” على شخصيتها ونطاق راحتها.
الدور المتغير للرجل
كان الدور التقليدي للرجل هو الزوج، الأب، وإعالة الأسرة. كان عليه أن يتمتع بالقوة والصبر والمسؤولية. وبينما لا يزال العديد من الرجال يختارون هذا الدور لأنفسهم، هناك من يختار أدواراً مختلفة جداً، وقد واجه الرجال الذين تحركوا لأول مرة تجاه المجالات الانثوية العديد من التحديات، بما في ذلك الأحكام المتعلقة برجولتهم، وقوتهم، وشخصيتهم العامة كرجال. فعلى سبيل المثال، كان الرجل الأكثر انخراطاً في تنشئة أبنائه أو من دخل مجال التدريس والتمريض عرضة للاستغراب والاستهجان من المحيطين حوله.
في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من تغير دور الرجال مرة أخرى، كان هناك تساؤل: هل يتمتع الرجال بنفس حرية النساء في الاختيار من بين مجموعة واسعة من الأدوار؟ قد يختار البعض اجازة ابوة للاعتناء بالمولود الجديد أو المُتبنى، أو دوام كامل في البيت. بشكل عام زاد الرجل من مشاركته في تربية الاطفال وهذا ما نجده في الاستراحات الخاصة بالرجال في الاماكن العامة حيث تم تركيب غرف خاصة ليتمكن الرجال من الاعتناء بأطفالهم.
ماذا تعني هذه الأدوار المتغيرة؟
يعني تغيير أدوار الجنسين أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى معرفة لغة الجسد والتواصل غير اللفظي. بدلاً من الاعتماد على الصور النمطية والتعميمات حول الرجال والنساء. يجب الاقتراب من كل تفاعل بعقل مفتوح، مع الانتباه إلى لغة الجسد الفعلية وليس المتوقع رؤيته.
هناك العديد من الأوصاف النمطية للرجال والنساء. فالنساء عاطفيات واجتماعيات، بينما الرجال فرديون جامدو المشاعر ويُظهرون ميلاً لإظهار سلوكيات السلطة والهيمنة. النساء تتحدث بشكل غير مباشر وبدون الكثير من القوة. الرجال يتحدثون بشكل مباشر وقوي.
قد تكون هذه صوراً نمطية، إلا أن لها جذوراً في الاختلافات الحقيقية بين الطريقة التي يرسل بها الرجال والنساء رسائل الاتصالات ويستقبلونها. هناك أسباب حقيقية وجسدية لبعض هذه الاختلافات، في حين أن البعض الآخر يعود إلى التوقعات الثقافية والبيئية لأدوار الجنسين. وبغض النظر عن كيفية وجودها أو سبب وجودها، فإن فهم الاختلافات وتطبيق هذه المعرفة أمر بالغ الأهمية لتحسين الاتصال من خلال وبين الجنسين.
الاختلافات بين الجنسين في ارسال الرسائل
بشكل عام، يُنظر إلى النساء على أنهن أكثر دقة ومهارة في إرسال جميع أنواع رسائل التواصل وعلى وجه الخصوص الرسائل غير اللفظية. ويصدق هذا في معظم الحالات، حيث يُعتقد أنه يرجع جزئياً إلى العوامل الطبيعية.
وتميل النساء لتكون المربي الأساسي ومقدم الرعاية في بيئة اجتماعية، لذا عليهن ملاحظة الإشارات غير اللفظية للرضع والاستجابة إليها، وفهم وانجاز احتياجات الأطفال المتزايدة، وتنظيم حياة الأسرة والمجتمع. وبما أن المرأة عادة ما تكون أصغر حجماً من الرجل فإنها تلجأ لاستخدام لغة الجسد والسلوك غير اللفظي بدلا من استخدام القوة للتأثير على الآخرين.
من ناحية أخرى، يميل الرجال إلى أن يكونوا المعيلين الأساسيين والحماة في بيئة اجتماعية. وهم مُعَدون مسبقاً للتنافس على الموارد، باستخدام الجسد بشكل كبير، لذلك يعتمدون على الاتصال المباشر وسرعة التصرف. فكر في مجموعة من الرجال الذين يسعون وراء هدف ما، يجب عليهم التواصل بسرعة ودقة إذا ما أرادوا إسقاط فريستهم. لا يوجد وقت للمناقشة المطولة، وبناء الإجماع، وما شابه.
تقلصت هذه الاختلافات في عالمنا المعاصر حيث يتوفر لكلا الجنسين خيارات أكثر وفرص متكافئة، لكنها لم تختف نهائياً. هذا ما نلمسه بوضوح في مشاهدة رجل وامرة منغمسان في المغازلة، أو في تربية أبناءهما.
الاختلافات بين الجنسين في التلقي
أثبتت الأبحاث أن النساء أكثر مهارة ودقة في تلقي لغة الجسد والرسائل غير اللفظية، ومن ثم تفسير معانيها، وتحديد التضارب بينها وبين الرسائل اللفظية. قد يكون السبب أن المرأة معدة مسبقاً لهذه الوظيفة أو للاختلافات الجسدية الفعلية. يظهر ذلك في التصوير بالرنين المغناطيسي لدماغ كل من الرجل والمرأة، حيث دماغ المرأة يعالج الرسائل في أكثر من ستة عشر جزء مختلفاً ومميزاً، بينما دماغ الرجل يعالجها في ستة أجزاء. هذا يفسر ميل النساء إلى القيام بمهام متعددة، وتلقي رسائل متعددة والرد عليها في نفس الوقت أو في تتابع سريع، بشكل أفضل من الرجال الذين يميلون إلى التركيز على شيء أو شيئين حتى الانتهاء من انجازهما.
كلا الجنسين يمكن أن يتعلم من الآخر
إن وجود هذه الاختلافات الفطرية في إرسال واستقبال الرسائل غير اللفظية تُمكن الرجل من تعلم قراءة وتفسير لغة الجسد بشكل فعال، وتُمكن المرأة من ضبط التدفق المستمر للرسائل والتركيز على شيء أو شيئين بنفس الوقت وذلك مع القليل من المعرفة و امتلاك قرار واعٍ لتطبيق تلك المعرفة، وتُمكن كلا الجنسين من اكتساب المهارة في جميع جوانب ارسال واستقبال اشارات لغة الجسد.
اختلافات لغة الجسد بين الجنسين
يقال بأن الرجال والنساء من كواكب مختلفة، ولكن على الرغم من حقيقة الاختلافات بين الجنسين بما يتعلق بلغة الجسد إلا أن هذا لا يعني أن أحد الجنسين هو أفضل أو أسوأ بطبيعته أكثر من الآخر، بل يعني أن لديه ميولاً وصفات مميزة. المفتاح هو احترام الاختلافات وليس التقليل أو الحكم على أي من الجنسين على أساس قضايا الجسد. كما هو الحال مع معظم الأشياء، يتم استخدام اختلافات اللغة الجسدية بين الرجال والنساء على نحو أفضل كمبادئ توجيهية عامة. إنها نقطة بداية للمشاركة في التفاعلات وتأسيس علاقات مبنية على الألفة، والثقة، وما شابه. إنها نقطة انطلاق فقط، لأن تفسير لغة الجسد وفهمها يتطلبان قدراً كبيراً من الملاحظة وببساطة معرفة خصائص الشخص الآخر.
خاص “شبكة المرأة السورية”