جمانة علي
عند عرض إرهابيين على محاكم وجهات قضائية حول العالم، لوحظ وجود تمييز واضح عند التعامل مع النساء، اللواتي يتم غالباً التساهل معهن، وتخفيف الأحكام بحقهن بدواع عديدة.
وقد لقيت هذه القضية بحث واهتمام كل من أودري أليكساندر، باحثة لدى برنامج عن التطرف في جامعة جورج واشنطن وربيكا توركنجتون، مساعدة مدير برنامج عن النساء والسياسة الخارجية لدى مجلس العلاقات الخارجية.
من الناحية الواقعية، من الأسهل الحديث عن تحيزات بين الجنسين عند عرض إرهابيين على القضاء مما يتم تنفيذه على أرض الواقع. وفي الولايات المتحدة، تؤخذ بعين الاعتبار مجموعة من الإجراءات والعمليات اللوجيستية، ما يؤدي لتعقيد إصدار أحكام بشأن جرائم ذات طبيعة إرهابية على المستوى الفيدرالي. وتسمح تلك الظروف للنظام القضائي بأن يتحلى بشيء من المرونة في تعامله مح حالات متباينة ذات صبغة إرهابية، ولكنها تجعل من الصعوبة بمكان فرض عقوبات تتفق مع كل فرد على حدة. كما إن التطبيقات الخاطئة للقانون التي تميز دون مبرر بين الجنسين، ليست فريدة من نوعها بالنسبة لقضايا الإرهاب، وتوحي بوجود تحيز لصالح المرأة عند تعاملها مع النظام القضائي.
أحكام طويلة
ويلفت الباحثان لخلاصة بحثهما المطول حول جرائم مرتبطة بالإرهاب، ويدعوان لتسليط الضوء على قضايا تتعلق بالجندر والإرهاب، ولضرورة تحديد نقاط ضعف في النظام القضائي الأمريكي وتعامله مع التطرف العنيف في أمريكا.
ويورد الباحثان عدداً من الأمثلة التي حكم فيها على نساء متهمات بالتعاون مع داعش بأحكام مخففة، بالمقارنة مع ذكور أدينوا بتهم مشابهة. وحسب متتبع لقضايا تتعلق بالتطرف، مدون ضمن انفوغراف شهري ينتجه برنامج حول التطرف تابع لجامعة جورج واشنطن، تبين بأنه بحلول صيف 2018، بلغ متوسط مدد أحكام بحق أعضاء في داعش يقيمون في أمريكا (ذكور وإناث) ثلاثة عشر عاماً.
استدلالات
وحسب الباحثين، رغم محدودية الاستدلالات نسبة لحجم قاعدة بيانات تضم 87 حالة شملت أحكام خاصة بذكور، وست حالات لإناث، فقد كشف تحليل إضافي عن مطالبة قضاة بتخفيف العقوبات ضد مدانات بالإرهاب، وحيث حكم على جميع النساء الإرهابيات بالسجن لمدد تقل عن 13 سنة. وفيما وصل معدل عقوبة السجن بالنسبة للذكور إلى 13,8 عاماً، لم تزد مدد سجن نساء متهمات بذات التهم، وربما أشد، عن 5,8 سنة.
فرضيات
ويقول الباحثان بأن بعضهم يفترض، عن حسن نية أو عمداً، بأن النساء المتورطات في عمليات إرهابية، هي في حقيقة الأمر ساذجات، أو تعرضن لعمليات غسل دماغ من أجل دعم عمليات تنطوي على عنف سياسي وممارسات إرهابية. وقد كشف بحث أجراه مركز بريو حول الجندر والسلام والأمن بشأن قضايا تتعلق بشخصيات معروفة في أوروبا الغربية، عن وجود نمط مماثل من المحاكمات والأحكام، وحيث تتلقى متهمات عقوبات مخففة بالمقارنة مع متوسط أحكام تنص عليها قوانين بلادهن الأصلية. وهذا بدوره يشير لاحتمال وجود تحيز لصالح النساء وحيث لا تتم محاكمتهن بسبب انتمائهن لتنظم داعش بنفس القدر الذي يعامل فيه إرهابيون من أنصار ومقاتلي داعش. وعلاوة عليه، تترك آثار هذا التحيز لصالح النساء ليقلل من أثر تورط نساء في نشاطات إرهابية في أكثر من مكان حول العالم سواء كن مع داعش، أو عملن مع منظمات إرهابية أو ميليشيات عسكرية ومافوية.
إشكاليات
وتطال مثل تلك الإشكاليات دور مقاتلات ومناصرات لقضايا خارجة عن نطاق الإرهاب، وتمتد إلى حركات تمرد وحروب أهلية. وتتوفر بعض الأمثلة الصارخة حول المعاملة التفضيلية للنساء اللاتي تعاملن مع تنظيمات سياسية تقوم على ممارسة العنف، وحيث يتم تسريح نساء، أو تجريده سلاحهن، ومن ثم إخضاعهن لبرامج إعادة تأهيل، والتي تصمم خصيصاً من أجل إبعاد الناس عن الشبكات المتطرفة.
وقد تثبت قضايا كقضية هيثر كوفمان، من سكان ولاية فيرجينيا التي أدينت بجريمة تقديم بيان كاذب بشأن تورطها في عمليات إرهاب دولي، ما يثبت وجود تحيز واضح حيال النساء وتساهل عند الحكم عليهن في قضايا تتعلق بالإرهاب الدولي. وخلاصة الأمر، دعت كوفمان، عبر الانترنيت، أصدقاءها ومعارفها لدعم تنظيم داعش، وشجعت آخرين على القتال لصالح التنظيم، ومن ثم قدمت معلومات كاذبة لمحققين فيدراليين كانوا يستجوبونها بشأن سلوكها. وقد ورد ضمن مذكرة الدفاع عنها، والتي طالب فيها محاميها تخفيف الحكم بحقها: “إن ما قامت به كوفمان يعكس سلوك امرأة شابة ساذجة تورطت في قضية”. وعند مناقشة علاقتها بمتعاطفين مع داعش عبر النت، قال محاميها: “لطالما انجذبت كوفمان لبعض الأشرار”. كما برر الدفاع سلوك كوفمان بوصفها كامرأة انجذبت نحو داعش، حيث قال بعضهم منتقداً دفاع المحامي: “وكأن التنظيم تحول إلى فاكهة محرمة”، وقال المحامي” أصبحت مهووسة بداعش عندما أصبح التنظيم موضة معاصرة”.
تحليل بيانات
ويضيف تحليل بيانات جمعها المجلس الوطني لدراسة الإرهاب والتعامل معه، رؤية ثاقبة ونوعية تفيد في تأطير النقاش حول الجندر والتطرف العنيف. وتحوي قاعدة بيانات ملفات تضم لمحات لحياة قرابة 1800 من المتطرفين الأمريكيين من الذين التحقوا بمنظمات راديكالية إسلامية وغير إسلامية، ويمينية ويسارية، وكان بعضهم مسالمين، فيما مارس آخرون العنف والإرهاب. وقد سجلت تلك البيانات من عام 1948 – 2016. وتضم العينة حالات لأشخاص تطرفوا لدرجة ارتكاب جنايات بدافع إيديولوجي، والتحقوا بمنظمات إرهابية.
تناقضات
وفيما يحفل النظام القضائي بتناقضات عند التعامل مع إرهابيات، تمتد جذور هذه المشكلة إلى أبعد من نطاق محامين ومحققين وقضاة. فمن ناحية، تعمل وسائل الإعلام على نشر تقارير وروايات تستدعي التعاطف مع نساء كأن يقال بأنهن ضحايا أو ساذجات غرر بهن أزواجهن، أو أصدقائهن عبر النت أو سواه، وقد وعدوهن بحياة مرفهة وسهلة في ظل جهاديين. ومن ثم اقتنعن بوجوب الهروب نحو مناطق بعيدة عن أوطانهن، وبعضهن اصطحبن أطفالهن.
وحسب محللين وخبراء في شأن الإرهاب، تعمل وسائل الإعلام أحياناً على تضليل الرأي العام حيال إرهابيات التحقن بطوع إرادتهن بمنظمات إرهابية، ونفذن عمليات ونشاطات إرهابية عن قناعة تامة بما قمن به.
من جانب آخر، يلفت هؤلاء الخبراء إلى أن صناع سياسة من الذين يصورون جهاديات كضحايا لصراعات، غالباً ما يولدون ما يطلق عليه” نقاط عمياء” ضمن استراتيجيات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
وفي الوقت نفسه، تواجه جماعات حقوق الإنسان والمنظمات الإغاثية مشاكل وعراقيل عند سعيها لمعالجة حالات تكون فيها نساء جانيات وضحايا عنف في آن معاً.
ونتيجة لما سبق، تقع مسؤولية إيجاد أساليب أكثر إنصافاً وواقعية للتعامل مع إرهابيات، ولمعالجة التطرف العنيف، على جميع قطاعات المجتمع بما فيها القضاء والمؤسسات الرسمية.
ومن خلال فهم كيفية إنشاء ديناميكية للعمل بين الجنسين ضمن نسيج منظمات مختلفة، بما في ذلك تلك التي تكلف المرأة بمهام ثانوية لمحاربة الإرهاب، وللعمل بصورة أكثر مهارة واستدامة لمواجهة شبكات التطرف العنيف في جميع أشكالها وصورها.
دلائل
وتشير وقائع ودلائل كالاعتقال وإصدار أحكام توجب إعادة دمج إرهابيات في مرحلة ما بعد الصراع، وصولاً لتحرير إرهابيات فور تجريدهن من أسلحتهن، لميل الحكومات للتعامل بلين مع إرهابيات على خلاف المعاملة التي يلقاها إرهابيون.
ويشير خبراء في مجال القانون والقضاء إلى أن هذا التفاوت في المعاملة له عواقب عديدة بشأن تطبيق العدالة، وإحلال الأمن ومنع التطرف العنف وصراعات لاحقة.
خاص “شبكة المرأة السورية”