سنا السلام – الباب ريف حلب الشرقي
رغم مرور عدة أعوام على بدء تجربة التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد ،لا يزال التعليم يعاني من مشاكل كارثية تنذر بتدمير جيل كامل وضياعه.
إضرابات واستقالات
مضى أكثر من شهر حتى الآن من العام الدراسي الجديد ولا تزال الإضرابات والاستقالات من قبل الكوادر التدريسية شبه يومية وخصوصاً في مدن الباب ومارع وإعزاز وأريافهم. وتعود أسباب الاضطرابات، والتي يعلق بها السلك التعليمي لمهامه، لعدة أسباب برأي أستاذة اللغة العربية فاتنة أبرزها تدني أجور المعلمين وعدم تناسب تلك الأجور مع الوضع المعيشي والأسعار المتزايدة دائماً، ولا سيما أن معظم القاطنين في الشمال السوري هم من النازحين والمهجرين من عدة مناطق سورية مما يجبرهم على استئجار بيوت تتراوح أثمانها بين 50 و100 دولار أمريكي شهرياً، علماً أن مديريات التربية في تلك المناطق تقضي للمدرسين براتب قدره 500 ليرة تركية أي ما يعادل حوالي 90 دولار أمريكي شهرياً.
فشل إداري
وتضيف فاتنة: “المشاكل المادية ليست الوحيدة في مسالة الإضرابات بل هناك مشاكل أكبر كنقص الكتب المدرسية أو انعدامها مع حالة الفوضى والتسرب المدرسي والفشل الإداري المسيطر على معظم المدارس”.
وتروي أم انس عن تجربة تسجيل ابنها في المدارس العامة في مدينة الباب وهي المعلمة بذات الوقت فتقول: “إن عدد الطلاب في الصف الواحد يبلغ أحيانا 60 طالباً وهو ما يسبب آفة لبعضهم البعض كنقل الأمراض مثلاً، لا سيما حالة الفوضى التي تسيطر على الصف وعدم مقدرة المعلمين على ضبط الكم الكبير الموجود في كل صف. ينتهي دوام أنس كل يوم بوقت مختلف عن الأخر دون أي التزام من الطلاب والمدرسين لأوقات الدوام الرسمي، كما الغيت مادة اللغة الإنكليزية بشكل تعسفي من منهاج أنس وهو في الصف الأول الابتدائي”.
وتُدعم معظم مديريات التربية في مناطق درع الفرات بريف حلب الشمالي والشرقي من قبل الحكومة التركية. تقول الأنسة رنا، المطلعة على ملف الارتباط بين الحكومة التركية ومديريات التعليم: “المسؤولون الأتراك يدركون حجم انخفاض رواتب المعلمين حتى أنهم يصفون تلك الرواتب بالمساعدات مؤكدين أنهم سيحاولون رفع الأجور فور تخلصهم من الأزمة المالية التي تمر بها تركيا”.
تضيف رنا: “بعض المعلمين والمعلمات يذهبون لمدارسهم عنوة عنهم يدفعهم واجبهم الأخلاقي فقط، فلا شيء مشجع على الذهاب”.
مشكلة التسرب
ويعتبر ازدياد الطلاب الضخم هذا العام عاملاً جديداً في فشل السلك التعليمي في مناطق درع الفرات، حيث وفد في الصيف الماضي عشرات آلاف النازحين من مناطق سورية عدة إلى مدن إعزاز والراعي والباب ومارع بفعل عمليات التهجير الممنهجة التي فرضها نظام الأسد على المناطق التي انتزعها من قبضة المعارضة المسلحة ربيع وصيف العام الجاري كالغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ودرعا، كما وفد بذات الوقت عشرات آلاف المواطنين من محافظة دير الزور بفعل تقدم قوات النظام مطلع العام الجاري. مما رفع أعداد الطلاب ضعف العام الماضي، حيث لا يتسنى للجهات المعنية تحديد أعداد الطلاب الوافدين ولا اجمالي عدد الطلاب الحالي الآن ولا حتى الطلاب المتسربين، وهذا التسرب قد يكون المشكلة الأكبر في الواقع التعليمي.
وينجو بعض الطلاب الملتحقين في المدارس والمعاهد الخاصة من الآفات المنتشرة في التعليم العام، لكن أقساط تلك المدارس باهظة الثمن، حيث يُدفع لكل طالب في المرحلة الابتدائية تقريبا حوالي 25 الف ليرة سورية في الشهر الواحد، أي ما يعادل 50 دولار أمريكي بينما يَدفع طالب المرحلة الإعدادية ما يربو عن 200 دولار، فيما تصل أقساط طالب المرحلة الثانوية إلى ما يزيد عن 300 دولار في بعض المدارس. ورغم الارتفاع الكبير في ثمن الأقساط لكن الإقبال على التعليم الخاص يعتبر كبيراً إلى حد ما، حيث يوجد ما يزيد عن ثلاثين مدرسة ومعهد خاص في مناطق درع الفرات أُسس بعضها حديثاً من قبل مؤسسات تعليمية كانت موجودة في مناطق المهجرين.
تقول رجاء، المهجّرة من الغوطة الشرقية إلى مدينة الباب، إنها اضطرت لتسجيل حفيديها الاثنين في إحدى المدارس الخاصة رغم ارتفاع التكاليف، والتي زادت من مشقة التهجير. لكن رجاء تعلل ذلك بأن حفيدها ذو مستوى تعليمي أعلى مما هو موجود في المدارس العامة بريف حلب.
دروس خصوصية
وتظهر مشكلة التفاوت التعليمي بين المناطق السورية، فقد كانت غوطة دمشق متقدمة عن باقي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة من الناحية التعليمية، وخصوصاً عن ريف حلب الذي خضع لعدة سنوات لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، والذي حور المناهج التعليمية وبدلها وألغى عدة مواد وأغلق عشرات المدارس بحسب رواية الأهالي في تلك القرى والمناطق.
ويلجأ بعض الطلاب الآخرين المتواجدين في التعليم العام إلى الدروس الخصوصية لتعويض تقصير المدارس العامة حيث يعتبر هذا الحل أقل كلفةً من سابقه.
وتبقى مسألة التعليم مسالة جوهرية في الواقع السوري حيث يرى مراقبون بأن نسبة الأمية والتسرب المدرسي وعمالة الأطفال تزداد شئياً فشيئاً وهو ما يعني تجهيل جيل بأكمله عليه كل الاعتماد في إعادة إعمار سوريا بعد أن مزقتها الحرب لأكثر من سبع سنوات.
خاص “شبكة المرأة السورية”