Search
Close this search box.

أضواء على تجربة لمنظمة “أبعاد” في لبنان

أضواء على تجربة لمنظمة “أبعاد” في لبنان

غالية الريش

بتمويل وإشراف من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ( الفاو) قدمت منظمة “أبعاد” غير الحكومية في لبنان مجموعة جلسات دعم نفسي بعنوان “دورة المهارات الحياتية”، جذبت العشرات من النساء النازحات السوريات في لبنان، وكانت تتوخى من خلالها تقديم الدعم النفسي للمشاركات، وتوعيتهن بمجموعة من المواضيع ذات الصلة باللجوء وأحوالهن الخاصة في بعدها الإنساني والعاطفي. وتصدرت موضوعة الجندرة سلم الاهتمام التدريسي الذي يناسب المستوى التعليمي للمشاركات، الذي تراوح بين مستوى حالات الأمية الحرفية إلى مستوى بعض المشاركات الجامعيات “على قلتهن”، وما بينهما في تدرجات المستوى التعليمي المتدني، ومن مناطق مختلفة من سوريا “الداخل”.

ويلفت النظر أكثرية المشاركات من أصول ريفية بالمقارنة مع أقرانهن من الأصول المدينية، توزعت مشاربهن من ريف الرقة وإدلب وحلب وريف محافظة دمشق ودرعا، وهو ما فرض على المدرسات أن يقدمن أفكارهنَّ ومعلوماتهن في مستوى يقدرن على فهمه من قبل الجميع مع محاولات قصدية لتبسيط المواضيع المطروحة. ونستطيع القول بثقة إن الجلسات لاقت أثراً طيباً لدى مجموع النسوة المشاركات، وكان الجانب التفاعلي هو الأميز والأهم، حيث استند إلى قدر كبير من الصراحة والبوح في عرض المشكلات على أنواعها. كان الأسلوب المتبع في الدورة من قبل المدربات يتراوح بين سرد قصص، وتجارب وكيفية التعاطي، وإيجاد الحلول المناسبة.

وأيضاً تشجيع النساء المشاركات للحديث عن بعض تجاربهن، وذلك للإستفادة من آراء الأخريات وتجاربهن، والإطلاع على وجهات نظرهن، ولابد من الإشارة إلى أسلوب المدربات الذي كان ناجعاً، ونشأت روابط ود ومحبة بين المشاركات والمدربات.

الموضوعات  التي طرحت واستحقت الاهتمام:

  1. الجندرة والجنس.
  2. الشيخوخة وأعراضها.
  3. التخلص من المشاعر السلبية.
  4. مشاعر الغضب.
  5. الزواج المبكر.
  6. المراهقة – كيفية التعامل مع المراهق.
  7. سلس البول عند الأطفال.
  8. تمارين للتخلص من الهموم.
  9. الاهتمام بأطفال المشاركات.
  10. العنف بكافة أشكاله: الجسدي- الجنسي- السياسي.

استغرق مجموع الجلسات مدة الشهرين تقريباً من قبل مدرسات اختصاصيات –كما أشرنا أعلاه- عملن على توثيق الصلات مع المشاركات والإصغاء إلى همومهن، ومساعدتهن على الخروج من ربقة مشاكلهنّ – ماأمكن ذلك- بروح إرادة التعاون.

فيما يلي بعض من تجارب ونماذج نسوة  في جلسات الدعم النفسي:

المرأة المهمشة … نوع من أنواع العنف المجتمعي

“نجوى” بعمر السابعة عشر، يرافقها رضيعها ذو الأشهر العشرة. طوال الجلسات تتركه يحبو على أرض تطأها أقدام النساء، كأن هذه المرأة مسرنمة. أي ظرف قادها لهذه اللامبالاة تجاه رضيعها. بعد  فترة من الوقت، وبعد مزيد من التوجيهات والتفاعلات مع المدربات والحضور، تستطيع أن تراها تحتضن طفلها، ولعبة بيده، تداعبه وتلاعبه، وتخرج به أثناء الجلسة.

أضحت “نجوى” تشارك برأيها المتواضع، قالت: “لن أنجب المزيد من الأطفال، أريد لأولادي حياة كريمة ليست كالتي عشتها وخصوصاً نحن في بلد نزوح ونعاني مانعاني، لتأمين لقمة العيش والمدينة التي خرجت منها من سوريا مدمرة بالكامل (الرقة).

الصدمة بعد الحروب

جيهان المرأة الخمسينية والتي فقدت زوجها في الحرب أمية لاتقرأ ولا تكتب. تركت كروم الزيتون وبيتها جراء التدخل/ الاحتلال التركي لمدينة عفرين، اصطحبت أولادها وفرت من أتون الحرب. كانت في البداية صامتة، لاتريد التحدث عن الأهوال التي مرّت بها أثناء الحرب. رويداً وبالروح التشاركية مع المجموعة بدأت تتحدث عن معاناتها، وعن ظروفها، وعن ابنة لها أصيبت بصدمة عصبية وهي قيد العلاج.

ملف تعدد الزوجات – أثناء النزوح- وأهمية التمكين الإقتصادي

أميرة الزوجة الثانية، التي رماها أهلها في زمن السلم لرجل متزوج ادعى أنه غير سعيد بزواجه الأول. كانت في السادسة عشر وكان الزواج يعني لها أن تتخلص من ظروفها الصعبة عند أهلها، وأن ترتدي ثياب الفرح وتلبس الحلي.

وحين حلت الحرب، حمل الرجل زوجتيه وأولاده إلى لبنان، واشتغل بكافة أنواع الأعمال اليدوية. وزاد الطين بلّة أنه تزوج امرأة ثالثة. هنا ثارت ثائرة أميرة كأنها استفاقت. وعندما شاركت النساء قصتها، اقترحن عليها أن تؤمن لنفسها عملاً يناسبها، فهي بارعة في تصفيف الشعر والتجميل، لذا قررت حين عودتها القريبة إلى مدينتها أن تؤسس عملاً لنفسها.

التمكين الإقتصادي في مواجهة الفقر وأهوال النزوح

سلوى امرأة من ضحايا الحرب. انفصلت عن زوجها لأسباب عديدة منها ضيق الإمكانات المادية والفقر. رافقت أخوتها وأمها إلى بلد النزوح( لبنان) وتركت فلذات أكبادها في مدينتها حلب أثناء الحرب. عانت كثيراً فترة الحرب بسبب وضع ابنتها التي لديها إعاقة، وكانت الوحيدة التي رافقتها في رحلة النزوح، وزاد الطين بلة أمها التي أقعدها المرض أيضاً. أمست سلوى تدور على الجمعيات الخيرية، وتبحث عن عمل، وتترك الابنة والأم بعهدة بعض الصديقات والجيران.

بعد عدة جلسات ومؤازرة، تعمل سلوى اليوم في إعداد المؤن، التي يتم تسويقها من خلال الصديقات المشاركات.

تربية الأولاد والمراهقين

سهى امرأة لديها أولاد ذكور فقط. والزوج لايؤازرها في تربيتهم. تعمل منذ الصباح وحتى المساء دون كلل، لتصاب بعدها باكتئاب بحيث باتت تبكي لأتفه الأسباب.

طلبت المشورة، وكان الإجماع أن تترك حاجيات كل شخص دون ترتيب ليرى بعينيه إهمالهِ. في البداية حصلت صدامات ومشاجرات داخل البيت، وكانت النساء يدعمنها ويشجعنها على الثبات على موقفها. ثم أتت ذات يوم باسمة بأن أحد أولادها بدأ بترتيب حاجياته، وآخر يساعدهُ. كانت كلها أمل أن يشمل الترتيب وتنظيم البيت الأولاد الستة، كلٌّ حسب عمرهِ.

التعامل مع مشاعر الغضب:

منى امرأة تتجاوز العشرين. هذه زيجتها الثانية، الزوج الأول طلقها كونها لا تنجب.

تزوجت رجلاً يكبرها ب25 عاماً ولديه أولاد وأحفاد، ويغار عليها كيفما تحركت، وبناته يسببن لها المشاكل. هي عصبية وتُستفز بسرعة – هي قالت عن نفسها-

لم تستطع اكتشاف السبب بمفردها. كان زوجها يشبعها ضرباً لأنها ترد عليه – هذه حجته- وقبل نهاية الجلسات،  بدأت منى تعتاد أن تكون هادئة، وحين يثور تختفي من أمامه في أرجاء البيت ولا تتكلم ولا تعاتب إلا عندما يكون قد هدأ أو في يوم آخر. قالت: “سأجرب ذلك ولنرَ”.

العنف النفسي من قبل الأخ تجاه أخته

المرأة التي أنجبت 6 أطفال ولما تصل للثلاثين بعد، قررت وبعد المزيد من جلسات الإرشاد والدعم أن لا تدعَ ابنها الكبير بعد اليوم أن يأمر أخته التي تصغره بعام، ضعي الطعام، أعطني كأس ماء…

كانت مفاجأة للأسرة أن تقول لأبنها بكل هدوء: “لا تطلب من أختك، لستَ مريضاً،  قم اخدم نفسكَ بنفسك، بعد اليوم كل شخص قادر أن يساعدني في العمل ومسؤوليات البيت ولن أتساهل أبداً”.

الثقة بالنفس وبالإمكانات الذاتية

نجاة امرأة في الأربعين وهي جدَّة، جدّة عطوفة وزوجة محبة وأم متفانية. بدأت المأساة حينما نزحت الأسرة من مدينة حلب بكاملها. هذه المرأة يتحكم بكل تصرفاتها وتفاصيل حياتها أب الزوج ( حماها). وأكثر الأحيان يهددها بأنه يستطيع تزويج ابنه مرّة ثانية. والأشد إيلاما هو الزوج الصامت.

عند مشاركتها عرضت مشكلتها أمام المشاركات. طبعا الجميع ساندها، ولكن الخطوة الأولى كانت في الثقة بنفسها، وبمقدراتها، والتضامن مع الأولاد. وربما هي الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل.

أضفى الجو التفاعلي أثناء انعقاد الجلسات أجواءً من الحماسة والمبادرات، وجرت بعض الاستفتاءات لتبيان ردود أفعال المشاركات حين حدوث تعنيف للمرأة، وضرورة الاستعانة بالجهات المسؤولة كمركز الشرطة، أو المستشفيات، أو الإستعانة بالأصدقاء أو العائلة أو الجمعيات التي لديها أخصائيين اجتماعيين، ومرشدين نفسيين.

وتخللت الجلسات بعض الألعاب والتسالي الهادفة لتفريغ شحنات الغضب والكبت، والقيام بمشاهد مسرحية هادفة.

حقاً، يمكن فعل الكثير حتى في النزوح حالما تتوفر الإرادة والوعي الصحيح، وتعزيز روح المشاركة والجرأة في طرح المشكلات بصوت عالٍ.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »