ليلى محمود
مات زوجي منذ أربع سنوات، وتركني مع ثلاث بنات وثلاثة أبناء. تفاقم قلقي بشأن سلامة بناتي بعد أن قام الجيش السوري بتركيب نقطة تفتيش في منطقتنا في مدينة إنخل محافظة درعا.
في أحد الأيام، لم تعد ابنتا جارتي إلى المنزل. كان أهالي الحي في حالة ذعر وهم يبحثون عن الأختين، لكنهم لم يتمكنوا من العثور عليهما. شعرت بالرعب لخسارة جارتي. فجأة توصلت جميع العائلات إلى حل: نحن بحاجة إلى تزويج بناتنا على الفور لتجنب الخطف والاغتصاب. إن مكانة المرأة الاجتماعية في مجتمعنا هشة كقطعة من الزجاج: فبمجرد كسرها، لا يمكن إصلاحها.
وكتطبيق لهذا الحل، أخبرت ابنتي الكبرى نور، البالغة من العمر 16 عاماً، أن تقدم القهوة لأي شخص يزور منزلنا. وفي أحد الأيام، جاءت امرأة تطلب يد نور من أجل ابنها عادل، البالغ من العمر 38 عاماً، الذي كان مسؤولاً عن مزرعة واسعة تملكها العائلة في بلدة الصنمين. لم أنزعج من عمر العريس، وأخبرت نور، التي صُدمت وقلقت أنه لن يسمح لها بالعودة إلى المدرسة.
جاء عادل لرؤية نور وأعلن أنها أعجبته ويرغب بالزواج منها. وضعه المالي كان جيداً. نور تستحق حياة أفضل، وبالنسبة لي انخفض عدد البنات اللواتي سأقلق بشأنهن واحدة.
لقد تمت الموافقة على زواج نور من قبل رجل دين لفظياً. لم يكن هناك أي توثيق رسمي لأن العروس كانت أقل من 18 سنة. بكت نور كثيراً عندما علمت أنه لن يكون هناك ثوب زفاف أبيض. كان الحفل قصيراً وحضره عدد قليل من المدعوين. قلد عادل عروسه خاتماً ذهبياً وقلادة وقرطين، ووعدها بحفل كبير عندما تتحرر البلاد.
لم أتمكن من تقديم المشورة إلى نور في ليلة زفافها. كانت مرتبكة للغاية ومتخوفة من الاستماع أو الدردشة معي. عرضت أختي الصغرى القيام بهذه المهمة. كانت دائما قريبة جداً من نور. بعد بضعة أيام، ذهبت مع شقيقتي إلى الصنمين حيث كانت تعيش نور مع زوجها في مزرعة عائلته. ركضت نور لتعانقني وغمرتني بالقبلات، لكن بمجرد أن جلسنا وأدرت وجهي لأتحدث إليها، ركضت إلى غرفتها. أردت أن ألحق بها، ولكني شعرت بوجود حواجز بيننا. كانت لحظة مؤثرة. لم تبد نور كعروس سعيدة بعد زفافها. لقد أرسلت أختي للتحقق من المشكلة. لماذا تجنبتني نور؟
عندما عادت أختي أخبرتني أن نور في حالة صدمة. شعرت أنها قد ارتكبت خطيئة مخزية هائلة، وتساءلت إذا كنت أعرف ذلك وسأتقبله. سألت خالتها: “هل تعرف والدتي ما حدث لي؟”
ثم جاء عادل ليقول لي إن نور كانت ساذجة للغاية ولم تكن تفهم أي شيء عن الزواج. وأضاف أنها تحتاج إلى الكثير من التوجيه لتكون زوجة وتتقن إدارة الأعمال المنزلية.
كانت نور أول طفل لي، لذلك كانت غالية للغاية على قلبي. كنت أعرف أنه لو فررت من سوريا إلى الأردن، لما سمحت لها بالزواج من ذلك الرجل. كانت طفلة لطيفة قضت معظم الوقت في اللعب مع فتيات صغيرات أخريات في حقول الحبوب، وكانت عضواً في فريق كرة السلة في المدرسة.
أحضر عادل نور لزيارتي عدة مرات بعد حفل زفافهما. كان يتذمر دائماً من سلوكها الطفولي، وشعر بالغضب بعد أن أمسك بها في إحدى المرات وهي تلعب كرة القدم مع أبناء أخيه الصغار، وتقفز وتجري مثل طفل صغير. كانت هناك فجوة كبيرة في التفكير بين عادل ونور. شعرت أن نور تقوم بواجب لا تحبه ولا تستمتع به. كانت بائسة تراقب أصدقاءها وهم يتوجهون إلى المدرسة.
كانت والدة عادل غير راضية عن نور بسبب عدم أهليتها في الطهي. وظهرت بعد قليل مشكلة أخرى، فأم عادل تتوق لأن يكون لها حفيد، وأخذتها إلى العديد من أطباء أمراض النساء، الذين أخبروها أن نور بحاجة إلى مزيد من الوقت.
في نهاية المطاف، أصبح الأمن سيئاً في مدينة إنخل لدرجة أنني اضطررت للفرار إلى الأردن. أحضر عادل نور لتودعنا أنا وإخوتها في اليوم الذي قررنا فيه ترك إنخل.
كنت أهاتف نور مرتين في الأسبوع من الأردن، فقد كنت قلقة على سلامتها وعلاقتها مع زوجها. خشيت أن يضجر عادل من تعليم نور كيف تكون ربة منزل جيدة. كان هناك احتمال كبير بأن يطلقها أو يتزوج من امرأة ثانية تلد له طفلاً. لم يعترف عادل بسخطه وإحباطه بشكل مباشر، لكنني شعرت من نبرة صوته أنه ندم على زواجه من نور، فهو رجل مقتدر ويمكنه الحصول على زوجة أخرى بسهولة بمساعدة والدته والعائلات السورية اليائسة والتي تتمنى تزويج بناتهم بأي وسيلة.
كانت نور تجيب على مكالماتي وهي تبكي وتجعلني أشعر بالذنب لتركها بمفردها في سوريا. فهي لا تشعر أنها متزوجة، بل تفي بواجب فرضته عليها أنا. لا أستطيع أن أخرجها من ذهني، بحيث كنت أسأل نفسي مراراً وتكراراً ما إذا كان من الصحيح أن تتزوج نور من عادل على الرغم من أن عمرها 16 عاماً فقط. كنت أفكر بهذا الأمر يومياً، وفي كل يوم أصل إلى نتيجة واحدة: لقد أخطأت في الأمر.
خاص “شبكة المرأة السورية”