ترجمة وإعداد: نوار سعيد
عندما تدخل مدينة الرقة التي مزقتها الحرب، ووسط الأنقاض والدمار ترى مشهداً غير متوقع: النساء… في المجال العام، وفي قوات الأمن، والعودة إلى التعليم المدرسي، وإدارة المتاجر في الشوارع التي عادت إليها بعض الحياة التجارية، كانت المرأة السورية في كل مكان.
هذه هي المدينة التي تم شراء وبيع النساء في شوارعها، حيث تم أسرهن، واستعبادهن من قبل مقاتلين من أجل الدولة الإسلامية، الذين أعلنوا مدينة الرقة عاصمتها. الآن، وبعد عدة أشهر من تحريرها، تعود النساء إلى المدينة بعائلاتهن وتضطلع بأدوار جديدة في عملية إعادة البناء، عندما يستأنفن حياتهن ويفتحن متاجرهن.
النساء والتجارة
“حلمت بفتح هذا المحل”. تقول خولة، وهي صاحبة متجر في الرقة لبيع الملابس النسائية بالقرب من وسط المدينة: “هذا هو الوقت المناسب لتطبيق فكرتي”. فتحت متجرها الذي يبيع حمالات الصدر والملابس الداخلية وملابس النوم، بعد عودتها إلى الوطن عقب المعركة الطاحنة التي دارت رحاها في شهر نيسان/ إبريل الماضي من قبل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
“اعتدنا أن نرى الرجال في جميع هذه المتاجر ولكن الآن هناك نساء”. تمد خولة ذراعها نحو الشارع من نافذة أمامية، حيث تغطي النصف العلوي منها بحيث لا يستطيع الرجال رؤيتها من الرصيف، وتتحدث عما سيحدث بعد ذلك. لها ولمدينتها.
“آمل أن يكون المستقبل جيدًا بعد كل ما رأيناه؛ لقد تم كسرنا ونأمل أن يكون المستقبل أفضل”، كما تقول. “في البداية، كنت الوحيدة التي تعمل في متجر، والآن هناك المزيد من النساء. إنه أمر جديد في الرقة”.
تتابع خولة: “بالنسبة للنساء، الأمور تتغير لسببين: أولاً، عندما كان داعش هنا دفع بالنساء إلى التراجع إلى مواقع بعيدة، وتم قمعنا كثيراً. لم تستطع النساء فعل أي شيء. كانوا يقولون لنا: (عليك ارتداء النقاب والالتزام بمنزلك)، تم حظر كل شيء. هذا جعلنا نتوق للعمل. لقد ساعدنا ضغطهم على التحرر”، كما تقول عن نفسها وعن نساء أخريات في الرقة.
السبب الثاني الذي تستشهد به خولة لإصرارها هو أنه عندما فرت من الرقة أثناء معركة داعش في العام الماضي، شاهدت شيئاً غير متوقع: نساء في المناطق المحررة، اللواتي لعبن جميع أنواع الأدوار في الجيش والمجتمع المدني. تقول خولة: “بغض النظر عن كون المرأة هناك كردية ونحن عربيات، ما يهم هو ما كان لدينا من قواسم مشتركة. لا يوجد فرق بيننا وبينهن، فنحن جميعاً نساء. المهم الآن هو أن نلعب دوراً في مجريات الأمور”.
كان هناك الكثير من قصص النساء المشابهة في الرقة عن البقاء والتحمل. فالتجارب التي خبرنها على أيدي داعش جنباً إلى جنب مع تجربة رؤية نساء أخريات يلعبن أدواراً في مجتمعاتهن حفزتهن للمساهمة في إعادة الحياة إلى مدينتهن. التحديات كثيرة، والدمار مطلق وسريع، وأعدادهن، رغم صعوبة قياسها، قليلة على الأرجح. لكن لا شك في أن النساء يجمعن بعضهن ويجدن طرقاً لدفع عائلاتهن ومجتمعاتهن وأنفسهن إلى الأمام. ويعتمد نجاح هذا الأمر جزئياً على ما إذا كانت الولايات المتحدة والتحالف، الذي هزم داعش، سيختاران الاستثمار في مستقبل هذه المدينة، فالمهمة ليست بناء دول، بل هدف قابل للتحقيق أكثر بكثير، واضح بالفعل وجارٍ: الحفاظ على الاستقرار.
والقتال أيضاً
في واحدة من المناطق الشمالية الشرقية للمدينة، حي الرميلة، كان هناك اجتماع مجلس نسائي محلي، حيث بدأ أعماله في منزل مكون من غرفتين قبالة شارع هادئ، منذ عشرة أيام، حسب قول زليخة عبدي، المنظمة لهذا المجلس. أملهن هو جمع ما يكفي من المال لتمويل مصنع خياطة لتشغيل جميع النساء القادمات إليهن للعمل. في كل يوم تصل النساء إلى المركز للتسجيل للعمل مع مجلس المرأة أو قوات الأمن أو منظمات المجتمع المدني المحلية الأخرى.
“لقد عانت المرأة في الرقة كثيرا،” تقول عبدي. تميل برأسها في اتجاه نساء جالسات في دائرة في المكتب يتحدثن عن كيفية تخطيطهن لتنظيم أنفسهن والخدمات التي يرغبن في رؤيتها في منطقتهن. “هذه خطوة جديدة للجميع. تساءلنا، هل ستتمكن المرأة من القيام بدورها؟ لم تكن لدينا هذه التجربة من قبل. لكن كل هؤلاء النساء من عائلات عائدة إلى الرقة”.
ومن بين عشرات النساء اللواتي تمّ تجميعهن، كانت “براءة” وهي أم لثلاث فتيات. لقد أخذ داعش زوجها قبل ثلاثة أعوام ونصف، كما تقول، ولم تره منذ ذلك الحين. تقول خولة: “”لقد عانينا لمدة أربع سنوات، لكن ذلك أعطانا الحق في النضال من أجل حقوقنا، رأينا هؤلاء النساء في القامشلي”، كانت تتحدث عن النساء الكرديات اللاتي يشكلن جزءًا من قوات سوريا الديمقراطية والشرطة المحلية. “كنا نعرف أنهن ينظمن ويعملن من أجل حقوق النساء ورأينا أولئك النساء في المجتمع، فقلنا لأنفسنا: (لماذا لا نستطيع أن نفعل هذا؟)، كان الجواب إن العائلات العربية في شمال شرق سوريا ينظر إليها تقليدياً على أنها أكثر محافظة من الأسر الكردية، التي انضم قسم كبير من بناتهم إلى وحدات حماية الشعب الكردية كافة، في الحرب ضد داعش.
على الأرض، تقوم النساء بالتغيير، ببطء، بخطوات صغيرة، وبطرق تعيد تشكيل حياتهن: “كرهت داعش وأردت أن أفعل شيئًا”، تقول هند البالغة من العمر 22 عامًا، وهي من الرقة، وتخدم في الآسايش، أو قوة الشرطة المحلية. كانت واحدة من العديد من الشابات اللواتي شوهدن في أروقة مكاتب قوات الأمن. قالت هند: “قطع داعش رأس اثنين من أبناء عمي، وعندما عدت رغبت في القيام بشيء لمدينتي – كنت أحب مدينتي وأريد أن أكون جزءًا من إعادة بنائها. أشعر أنني أفعل شيئًا مهمًا للغاية. هناك الكثير من النساء اللواتي أعرفهن قمن بالانضمام إلى الآسايش. حلمت بأن أصبح صيدلانية، كنت في السنة الأولى من دراستي للكيمياء في الجامعة المحلية عندما تولى داعش السلطة وأغلق المدارس والجامعة. بقيت عائلتي في الرقة حتى نهاية المعركة، ثم هربوا إلى بلدة منبج الشمالية هرباً من القتال الوحشي. وبمجرد هزيمة داعش، عادت أسرتي إلى منزلها، الذي دُمر الكثير منه. في الأشهر الثلاثة الأخيرة، كنت أخدم في الآسايش. أنا سعيدة لأن الوضع أفضل. كل شيء على ما يرام الآن – لقد عدنا وعملنا يسير على ما يرام. إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالأمل لأنها المرة الأولى التي أعمل فيها”.
وتسارع هند بالرد على المنتقدين، الذين يقولون إن هذه التجربة محدودة بين النساء: “يجب أن يتخلص مجتمعنا من الأفكار التقليدية تجاه دور المرأة في المجتمع، لقد عانينا الكثير في ظل داعش، خصوصاً النساء، أريد أن أثبت نفسي بعد كل ما حدث. لذا نحن نقوم بعملنا”.
المصدر
https://www.defenseone.com/ideas/2018/05/arab-women-inspired-kurdish-join-fight/148429/
خاص “شبكة المرأة السورية”