1- السلطات المحلية العربية نموذجاً
قاسم حسن محاجنة
عقارب الساعة تقترب بسرعة نحو حدث هو الاهم في حياة الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل ، الا وهو انتخابات السلطات المحلية العامة ، والتي هي منظومة الحكم المحلي في اسرائيل . ورغم ما يعانيه الحكم المحلي من ازمات اقتصادية خانقة فأنه تعبير مباشر عن رغبات المواطنين ، سيما وأن انتخاب رئيس السلطة المحلية ، هو انتخاب شخصي مباشر .
وتأتي اهمية هذه الانتخابات لأن السلطة المحلية هي المسؤول المباشر عن تقديم الخدمات لسكانها . لذا فأننا نرى تفاوتا في جودة الخدمة بين سلطة واخرى حتى في الوسط اليهودي . والسلطات المحلية العربية تقبع في اسفل سلم جودة الخدمات ، لأسباب كثيرة ، اهمها التمييز المؤسساتي اللاحق بها ، وهذا موضوع اخر .
وانتخابات السلطات المحلية في الوسط العربي ، تحوز على مشاركة جماهيرية كبيرة وقد تصل نسبة المصوتين في هذه الانتخابات الى اكثر من 90% . ومقارنة مع الانتخابات البرلمانية (الكنيست ) والتي لا تتجاوز نسبة المشاركة فيها ال 50% في احسن الاحوال .
ان دلت هذه المعطيات على شيء ، فأنها تدل بالضرورة على اهتمام جماهيري واسع بها ، وعادة ما تكون الاجواء الانتخابية “حامية وحماسية “!!
وحسب المعطيات الرسمية فأن عدد سكان اسرائيل العرب يبلغ 1.65 مليون انسان ويشكلون 20.7 % من السكان ، ينضوون تحت 12 بلدية ،62 مجلسا محليا وثلاث مجالس لوائية عربية ، اي ما مجموعه 77 سلطة محلية . وللتنويه فهذه المعطيات لا تشمل القرى غير المعترف بها والتي يبلغ عددها ال 40 قرية !!
وتؤكد منظمات نسائية عربية على حقيقة مهمة ، وهي بأن نسبة مشاركة النساء في انتخابات السلطات المحلية تتجاوز ال 90% ، على الصعيد العام .
وبالمقابل ففي انتخابات 1993 على سبيل المثال حازت امرأتان فقط على عضوية في مجلس بلدي، وفي انتخابات 2008 اشغلت 6 نساء فقط عضوية المجالس البلدية .
والجدير بالذكر ، فأن عدد اعضاء المجالس البلدية يتجاوز عدة مئات !!
بينما وحسب ما اتذكر ، فقد اشغلت امرأة عربية واحدة منصب رئيسة سلطة محلية عربية ، على مدار ال 65 عاما !!
هذه هي الوقائع والقادم ليس بأفضل من الماضي . فجولة سريعة على اليافطات الدعائية نجد انها تخلو من وجه نسائي ، والقوائم التي طرحت نفسها للانتخابات لا تضم بين مرشحيها وجوها نسائية الا في ما ندر !!
يعتقد بعض الباحثين والباحثات الذين درسوا هذه الظاهرة ، بأن مبنى العائلة العربية في اسرائيل ما زال كما هو بطرياركيا ، الرجال يحكمون ويقررون وما على النساء سوى السمع والطاعة !! فعلى سبيل التوضيح فقط ، فأن الباحث الاكاديمي محمد حاج يحيى (1994)يقول :” أن التغييرات التي حصلت خارج العائلة (على المرأة )، هي تغيرات شكلية (التعليم والعمل )، وهي ليست تغييرات جوهرية جذرية والتي باستطاعتها ( هذه التغييرات )التأثير على مكانة المرأة داخل العائلة ” . ليس هذا رأي حاج يحيى فقط ،بل هو الرأي السائد في اوساط الباحثات والباحثين الاكاديميين العرب في اسرائيل .
وتتميز انتخابات السلطات المحلية العربية في مجملها بأنها انتخابات على اساس حمائلي وعشائري بامتياز ، فالعوائل الكبيرة تخوض هذه الانتخابات للسيطرة على موقع اتخاذ القرار ، وغالبا ما يكون مرشح العائلة شخص اكاديمي ، اذ تخلت القيادات التقليدية عن “رغبتها ” في قيادة العائلة او الحامولة ، وافسحت المجال امام ابناءها الشباب الاكاديمي ، ليمثلها ،ولكي لا تظهر بمظهر “المتخلف ” ، بل تبدو وكأنها “متحضرة ” . ومع ان الحامولة قد اعترفت بأفضلية الاكاديمي على التقليدي ، الا ان هذا الباب مغلق امام نساء الحامولة ، فليس لهن حق في الترشح ولا في اختيار ممثل العائلة لانتخابات السلطة المحلية !!
وسنحاول في مقال لاحق استعراض موقف الاحزاب والحركات النسائية ، واسباب اقصاء (وليس تهميشها )عن مواقع اتخاذ القرار.
2- الاحزاب العربية بين الاقوال والافعال
الاحزاب العربية بين الاقوال والافعال
كتبت الاستاذة عايدة توما – سليمان مقالا ، هنا في الحوار ،عن معركة انتخابات السلطات المحلية العربية في اسرائيل على وجه الخصوص ، تطرقت فيه الى اهمية هذه الانتخابات وتبعا لذلك اهمية السلطات المحلية (الحكم المحلي )، في حياة الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل .
المقال في مجمله اكثر من جيد ، لكن وبما أن الانتخابات هي “معركة على وجه ووجهة مجتمعنا ” ، كما تفضلت الاستاذة ، فهي لم تتناول في مقالها المرأة وموقعها في هذه الانتخابات .ولماذا لا تقوم الجبهة مثلا بخوض الانتخابات للرئاسة وقوائم العضوية ، وتختار قيادات نسائية لتقف على رأس القوائم ، وتطبق فعلا لا قولا ، المساواة التامة بين الجنسين !!
اجابت الاستاذة على جزء من السؤال ، وهي “المصيبة ” الاكبر التي اصابت الجبهة ومحاولاتها المتواصلة لخلق تحالفات مع قوى عائلية أو قوى محسوبة على السلطة المركزية ، للوصول الى سدة الحكم !!
وهكذا ومن دون قصد ،قامت الجبهة باضفاء “الشرعية ” على العائلية والحمائلية مسترشدة بالوصية التي تقول “اذا لم تستطع الانتصار عليه ..انضم اليه ” ، وهي مقولة عبرية تدعو من لا يستطيع التغلب على خصمه بالانضمام اليه !! اما العرب فقالوا مثلا قبيحا ،نورده للتوضيح وليس للقياس . يقول المثل بالعامية “الايد اللي ما بتقدر تكسرها ..بوسها وادعي عليها يالكسر ” ،وبترجمته للفصحى فالمثل يقول : اليد التي لا تستطيع كسرها ، بوسها وادع الله ان يكسرها !!
طبعا هناك مسوغات وتبريرات كثيرة لمثل هذه التحالفات ، والتي كانت نتيجتها خسارة الجبهة لاكثر من موقع واكثر من ذلك ، تضاؤل تأثيرها على الناخبين للسلطات المحلية !!
اطلت قليلا في الحديث عن الجبهة والتي ادعمها بصوتي وصوت من اتمكن من اقناعه ، لأنني ارى في الشراكة اليهودية العربية والنهج السياسي الذي تناضل من اجله ، خطا واقعيا وعقلانيا . واحتفظ بذكريات جميلة لها وعنها ، حينما نشطت في العمل السياسي !!
وعودة الى اقصاء المرأة من مواقع اتخاذ القرار وموقف الاحزاب العربية منها ، وخاصة بأننا نتوقع من الاحزاب ان تطبق برنامجها على نفسها ، بمعنى ان تطبقه على قوائمها الانتخابية على المستوى القطري والمحلي .
وفي مؤتمر حول مكانة المرأة العربية تحث ممثلو الاحزاب السياسية العربية الفاعلة وكلهم ودون استثناء ، القوا بتصريحات عظيمة حول نواياهم ونوايا احزابهم بتحقيق تمثيل مساو للمرأة في منظماتهم الحزبية وقوائمهم الانتخابية .
ولا حاجة بي الى القول ،بأن التصريحات شيء والواقع شيء اخر !!
واليكم ما صرح به ممثلو الاحزاب وذلك سنة 2001 ، في المؤتمر المنعقد تحت عنوان “مشاركة المرأة في اتخاذ القرار” ، قال رئيس كتلة الجبهة محمد بركة :”مشاركة المرأة ومساواتها يجب ان تُترجم على ارض الواقع ” . الدكتور احمد الطيبي – عضو البرلمان ورئيس حركة سياسية صرح بما يلي : ” على المرأة ان تأخذ زمام المبادرة وتناضل من اجل المساواة . المرأة اكثر تأثيرا من الرجل “.
عضو الكنيست عن الحركة الاسلامية حينها ، الاستاذ عبد المالك دهامشة تحدث عن دور المرأة العظيم في تربية رجال المستقبل !! اما الدكتور جمال زحالقة من حزب التجمع فأنه لا يعتقد بأن وقوف المرأة على رأس حزب سياسي سيغير شيئا من مكانة المرأة في المجتمع العربي .
وكلمة حق ، فالتجمع هو الحزب الوحيد الذي تمثله في الكنيست امرأة عربية، عضوة الكنيست حنين زعبي . واقول عربية ، لأن قائمة الجبهة سابقا، ضمت عضوة الكنيست تمار جوجانسكي والتي اعتبرها شخصيا هي وعضو الكنيست دوف حنين ، خير من مثل قضايا الجماهير عربا ويهودا في الكنيست .
لكن الروح التي امتازت بها المداخلات والتصريحات من كافة المشاركين ، كانت تدعو الى مساواة المرأة .
وعلى ارض الواقع …ما كان هو ما سيكون ، وقد اوردنا في مقالنا السابق معطيات احصائية حول عدد النساء المُنتخبات لعضوية السلطات المحلية العربية في اسرائيل .
واذا كانت معركة الانتخابات هي معركة على وجه ووجهة مجتمعنا كما قررت الاستاذة عايدة واوافقها تماما ، فأن القضية الاساسية التي تمثل وجه مجتمعنا ، هو موقفنا من مساواة المرأة فعلا لا قولا !