ترجمة وإعداد: محمد الأعسر
لو قمنا بحصر الشاعرات المتمردات في العالم، خاصة العالم الثالث، لوجدنا الكثير، فهن يسعين لمؤازرة الحرية لدى بنات جنسهن، بكل أشكال المساندة، سواءً كانت كتابةً أو تظاهرات، أو بما تصل إليه أيديهن من أنماط التمرد. واليوم، نعرض لكم واحدةً من كبرى شاعرات الهند، وهي يونيس دي سوزا.
ولدت دي سوزا في بونا، وهي مدينة في ولاية ماهارشترا، تخرّجت في بومباي، لها أربعة دواوين شعرية (اثبتي/ نساء في لوحة هولندية/ عقد من جماجم/ تعلّم من زهرة اللوز)، وأربع مجموعات قصص للصغار، وعدة كتب في الشعر النسائيّ الهنديّ، وهي خاصية تتميز بها في قصائدها الحسية نوعاً.
قال عنها أحد النقاد (إنها يمامة ساخرة، تزدهر في مساحتها الشخصية، وتعيش على أحاسيسها الدفينة، نسويتها كمشرط الجراح، سريعة وخاطفة ولا تخطئ الهدف)، ولدى صوتها غنائية عذبة تختلط بنمط من الكلام المباشر، مما يوحي بسخريتها الحادة، في معظم قصائدها.
كتبت مرة قصيدة عن والدها، تشبه قصيدة “أبي” (Daddy) التي كتبتها الشاعرة الأمريكية ذائعة الصيت سيلفيا بلاث، وهي تصور نفسها عاشقة تلتهم عشاقها، لكن مثلها مثل بلاث، ففي عمق كتابتها عن الموت، تنبثق رغبتها العارمة عن الحياة.
تقول، في قصيدتها عن أبيها:
(حضنتُ الطفلةَ عالياً في حُبورٍ.
قَضَت عليها المِروحةُ الدوّارةُ.
وهو حلمٌ.
أنا أنتَ.
في الظلامِ أُصِيخُ إلى لَعثَماتكَ.
أصحو في أَسِرّةٍ مبتلّةٍ.
مستنقعاتٌ مستَترةٌ.
أنا أنتَ.
أنتَ الريحُ الباردةُ.
الضبابُ الرماديّ.
الفجرُ الأسودُ.
الجمجمةُ المكَشّرةُ.
وأنا أنتَ.)
لكنها قالت في واحدة من قصائدها الأخيرة:
(بلّغني، أيها الموت،
متى، والزمن، والمكان.
عليّ أن أفتّش عن ملابسي
المختلطة بخطايا الحياة،
وحدّد لي موعداً
لتقليم أظفاري).
ومن أشهر قصائدها الساخرة، تلك التي كتبتها عن شاعر صادقته فترة ثم اكتشفت أنه زئر نساء يصادق الكثيرات، فراحت تخاطبه، قائلة:
(عليكَ أن تدفعَ لتصبحَ شاعراً.
لا يجبُ أن تدفعَ للعاهراتِ.
لدى ماري تصوّراتٌ روحانيةٌ.
يكتبُ لها قصيدةً عن
الروحِ الأعظم. يقولُ:
“ماري، إن لقاءاتي الجنسيةَ المتردّدةَ
تمثّلُ أكثرَ من سَعيٍ
لملاقاةِ مجرّدِ إشباعٍ جسديّ.
فهي شحنةُ الشاعرِ للتسامي بالذاتِ
والشروعُ بالاتحادِ مع العالمِ”.
.
فتلمعُ عينا ماري.
تنقَضّ شُعلٌ من عيدِ قدّيسٍ.
فالروحُ الأعظمُ ترتجفُ بباطنها.
وتخرخرُ بلغاتٍ غريبةٍ:
.
“أنتَ عاشقي الكونيُّ
في حالِ قيامٍ دائم!
خلّني أشرعُ أنا أيضاً
بالاتحادِ مع العالمٍ ـ من خلالكَ”.)
أما نزعتها النسوية، فلم تكن حادة، بل ساخرة أيضاً، حيث لا تعلن بوضوح أفكارها، بل تقوم بتسريب ما تريد ضمن أبياتها الشعرية الباهرة. من ذلك، تلك القصيدة التي تصف بها سن السادسة عشرة، وما قيل لها فيها، وما تريد أن تقوله هي الآن للأخريات الصغيرات بعد مرور زمان طويل، هكذا:
(حسنٌ، ليسَ لكِ أن تقولي:
لم يجرّبن.
لا تذكُر الأمهاتُ الحيضَ.
وتصرخُ الراهبةُ: أنتِ فتاةٌ بذيئةٌ
لا تقولي حمّالةَ الصدرِ
قولي أساورَ.
وثبّتَت أكماماً ورقيةً
بفساتينها مقوّرةَ الكِتفَينِ.
ثم أرعدَ الواعظُ:
لا تخرجي معَ رجلٍ لوحدكِ
لوحدكِ لا أبداً
وإن كنتِ مخطوبةً
مجرّدُ قُبلاتٍ حياديةٍ.
.
في السادسةِ عشرةَ، سألتني “فيبي”:
أيمكنُ أن يحدثَ، وأنتِ بصالةِ الرقصِ،
أقصدُ، كما تعرفينَ،
أن تصبحي حُبلَى وذلكَ كلّهُ، ريثما ترقصينَ؟
وأنا، في السادسةِ عشرةَ، طمأنتُها
قد يحدثُ.)
كذلك، انظروا في قصيدتها الشهيرة (نساء بلوحة هولندية)، حيث تقول:
(شمسُ الظهيرةِ في أوجهِهنّ.
كنّ راسياتٍ، لا يتغابَين،
حواملَ، غيرَ بليداتٍ.
أعرفُ نساءً على هذهِ الشاكلةِ
لا باللوحاتِ فقط ـ
خالةٌ لم تردّ على زوجها
ليسَ لأنها واضحةٌ
و”آنّا” التي تسطّر قصائدَ
وتأملُ أن تُربّي ثمراتِ
الأفوكادو، بمَطبخها.
صوتها كعصيدةِ الشوفانِ والعسلِ.)
لكنها، مع ذلك، تندم على تمردها السابق مع أمها، تندم إلى درجة طلب السماح، فقد تخلّت عنها ولم تعد تزورها في عمرها الطاعن، ومتى أحست بذلك، حين صارت عجوزاً طاعنة في مثل عمر أمها، تقول في تلك القصيدة:
(سامحيني، أمي،
أني تخلّيتُ عنكِ
وأنتِ عجوزٌ، أرملةٌ، ذاتَ
عمرٍ مديدٍ، لوحدكِ.
.
هذا يقتلُ أو يُميتُ
وقد نِلتِ مني على أيّ حالٍ:
تخثّرَ دمي عندَ لمسةِ حبيبٍ.
وتلاشَت بالغائطِ أحشائي.
.
لم أكُن قطّ شابةً.
وأنا، الآنَ، عجوزٌ، لوحدي.
.
في الأحلامِ
أُمزّقكِ إرباً.)
وفي النهاية، نقرأ قصيدتها التي تسخر بها من عالم الرجال، في شكل مستبطن من نصح النساء، تقول، وهي تخاطب المرأة، كي تتشبع من العاطفة، ولو في صورة ساخرة:
(ربِّي قططاً
لو أردتِ أن تعرفي كيفَ
تتّسقينَ معَ غرائبِ العشّاقِ.
والغرائبُ لا تُهمَلُ عادةً ـ
فالقططُ تعودُ إلى صواني نفاياتها
كلّما تحتاجُ.
ولا تُهِينُ من النوافذِ
أعداءها.
ذلكَ التحديقُ بدهشةٍ ملازمةٍ
من عينَين خضراوَين كبيرتَين
قد يُسرّي عنكِ
أن تموتي وحيدةً.)
خاص “شبكة المرأة السورية”