نبال زيتونة
إذا كانت المنظّمات النسويّة تعمل على الدفاع عن حقوق المرأة، ومناهضة العنف الممارس عليها، كما تؤكّد معظم النسويّات الغربيّات.
وإذا كانت تقوم على الدفع باتجاه المساواة وعدم التمييز بين الجنسين.
فما ماهيّة حركات الدفاع عن الرجل؟ وعلامَ تعمل؟ وما أهدافها؟
جاءت “حركة حقوق الرجال” ( Men’s rights movement)، كردّ فعل على حركات نصرة المرأة، ومناهضة الأنثويّة، وانتصاراً لقوّة الرجل وامتيازاته. متذرّعين بأن الحركات المناصرة لحقوق المرأة، قد ذهبت بعيداً في مطالبها، وبأنّها أصبحت متعصّبة ومؤذية للرجال. وخاصّة في مواضيع الأسرة ورعاية الأطفال، وتقسيم الثروات عند الطلاق. وقد التزمت معظم هذه الحركات بالمبادئ الذكوريّة والأدوار التقليديّة للجنسين.
يعود أول ظهور لمصطلح “حقوق الرجال” إلى مرحلة ما بين الحربين العالميّتين في النمسا. حيث تمّ تأسيس “اتّحاد حقوق الرجال” عام 1926، بهدف محاربة شعبيّة منظمات حقوق المرأة، وردّاً على التمييز والظلم والاضطهاد الذي لحق بالذكور حسب زعمهم. وكان بعض نشطاء هذه الحركة من كارهي النساء.
وفي أواخر سبعينيّات القرن الماضي بدأت حركة حريّة الرجال تنقسم إلى اتجاهين؛ حركة تدعم الأنثوية مع حريّة الرجل والمرأة الكاملة والمتساوية. وأخرى مناهضة للأنثويّة وأفكارها ومبادئها. وقد عارض ناشطوها التغييرات السياسيّة والاجتماعيّة التي تصبّ في مصلحة الأنوثة، ودافعوا عن التقاليد الجنسيّة والاجتماعيّة في العائلة والمدرسة وأماكن العمل. وذهب بعضهم إلى أن وجود الأنثوية مؤامرة لإخفاء حقيقة التمييز ضد الرجال.
ويعرّف خبير الذكوريات جوناثان آلان حركة حقوق الرجال بأنها؛ حركة ناشطة في معارضة النساء والأنثوية، وليس لديهم قواعد ونظريّات مشتركة وثابتة في نشاطاتهم، ويلتقون على هدف أساسيّ هو مناهضة الأنثويّة والنساء.
يزعم هؤلاء أن الحركات النسويّة تقوم على المظلوميّة الدائمة، وتعمل على بثّ الكراهية بين الرجل والمرأة، وتغيير وجهة الصراع الطبقيّ في المجتمع إلى صراعٍ بين الجنسين. وهي منعزلة عن الواقع بمشكلاته الكبيرة التي تطحن الرجال والنساء معاً. كما تنفي معظم هذه الحركات العنف المقصود ضدّ المرأة، وتعدّه قائماً على خلفيّة أيديولوجيّة تثير العنف. وآخرون يرون؛ أنّ النسويّة لا تريد حقوق النساء، بل تعمل على انتزاع حقوق “أصيلة” للرجال، وتتبنّى خطاباً تمييزيّاً ضدّهم.
في حين يرى آخرون؛ أنّ العنف ضد النساء يتصدّر اهتمامات المنظّمات والحكومات، ويحتلّ حيّزاً من جهودها لمكافحة تلك الظاهرة. وبالمقابل هناك عنفٌ تمارسه النساء بحقّ الرجال، لكن يعتّم عليه، فلا جمعيّات، ولا أصوات تطالب بحماية الرجل المعنّف.
كريستوف ريجينا في كتابه عنف النساء، لا ينكر وجود هذا النوع من العنف ويرى؛ أنّ النساء قد يمارسن بالفعل، قليلاً أو كثيراً من العنف ضدّ أزواجهن، إلا أنه لا يخضع للمقارنة، لا من حيث الأهميّة، ولا من حيث الخطورة، مع عنف الرجال تجاه زوجاتهم. ولعلّ السبب في ذلك، يعود إلى أنّ العنف ضدّ الزوجات أكثر انتشاراً، ويأتي كردّ فعل على عنف الرجال، ودفاعاً عن النفس. فيما الجزء الأكبر من العنف الذكوري، يكون بدافع السيطرة والتحكّم بالمرأة، وهو نتاج تقاليد أبويّة قديمة. ولاشكّ أن انعكاساته وآثاره البدنيّة والنفسيّة، تكون أخطر على النساء منها على الرجال. وهذا ما تؤكّده أيضاً العديد من المنظّمات الدوليّة.
وينتقد ريجينا تلك المنظّمات، بأنّها تساهم في ترويج فكرة “عولمة المرأة الضحيّة”، ويرى أنّها تكيل بمكيالين؛ فلا مراكز تستقبل حالات العنف ضدّ الرجال، ولا حملات إعلاميّة تتناولها.
ويتساءل الكاتب إذا ما كان التطرّق إلى موضوع عنف النساء ضدّ الرجال، يمكن أن يكون وسيلة لتجديد تاريخ النساء؟!. ولعلّ الكثير من المؤرّخين، وعلماء الأنتروبولوجيا والاجتماع، والفلاسفة، والأدباء، يشاطرونه فكرة تجديد هذا التاريخ. لذا ظلّ هذا الموضوع من التابوهات التي تخشاها جهات كثيرة.
ولعلّ حركات حقوق الرجال، قد لاقت صدىً في أوساطٍ فكريّة وسياسيّة، إضافة إلى الصدى الاجتماعي القائم على المحافظة على الأدوار، التي يسمّونها طبيعيّة بين الجنسين.
حيث تلتقي أفكار حركة حقوق الرجال في كثير من جوانبها مع أفكار مكافحي النسويّة، الذين يرون في تغيير أدوار المرأة قوّة تدميريّة، تعرّض الأسرة للخطر، أو تعارض الأخلاقيات الدينية.
ويعرّف مايكل كيمبل، أحد الباحثين في مجال دراسات النساء، مكافحة النسويّة بأنّها معارضة مساواة النساء بالرجال، فيقول؛ “إنّ مكافحة النسويّة تعارض دخول النساء إلى المجال العام، وإعادة تنظيم القطاع الخاص، وسيطرة النساء على أجسادهنّ، وحقوق النساء بصفة عامة”. ويضيف بأنّ مكافحي النسويّة يعدّون “التمييز التقليديّ بين الجنسين أمرٌ محتوم”.
ويرى بول جوتفريد أن التغيير في أدوار المرأة “كان بمثابة الكارثة الاجتماعية التي تستمر بإلقاء ظلالها على الأسرة، وتساهم في حدوث الانهيار والفوضى الاجتماعيّة.
كما وتلتقي حركات حقوق الرجال في أفكارها مع ما يسمّى “اليمين البديل”، الذي وُصفت أفكاره بالانعزاليّة، والتنوير المظلم، ومناهضة الأنثويّة..
فقد نجحت جمعية إيقاف تعديل حقوق المساواة (STOP ERA)، التي تم تأسيسها في الولايات المتحدة عام 1972، والتي أصبح اسمها منتدى النسر، في الضغط من أجل منع تمرير تعديل حقوق المساواة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد عملت مؤسّسة الجمعيّة فيليس شلافلي، على مدّ التنسيق والتعاون مع بعض المنظّمات المتحفّظة، وما يسمّى “اليمين الجديد” في مواجهة مدّ الموالين للنسويّة.
مهما يكن، فقد تعدّدت حركات الدفاع عن حقوق الرجل، وتنوّعت دوافعها وأهدافها.
نذكر من هذه المنظّمات “تحالف إصلاح سياسة الطلاق الأمريكيّة” التي أسّسها ريتشارد دويل عام 1971، ومنها انبثقت حركات أخرى مثل “حركة التحالف الوطني للرجال الأحرار” عام 1977. وفيما بعد أصبحت هذه الحركات تشكّل ضغطاً سياسيّاً داعماً للحركات اليمينيّة المحافظة. كما “حركة الرجال” اليمينيّة التي تأسّست عام 1990 في المملكة المتحدة..
وفي سنة 2005 تم تأسيس منظمة “أنقذوا العائلة الهندية”، التي ضمّت أكثر من ثلاثين ألف رجل، التقوا على خلفيّة رفض قانون “موت المهر”، وهو حسب زعمهم موجّه ضدّهم، ويحمي الزوجات من عدم دفع المهور لهم، كما أنّ النساء يسئن استعماله بتهديدهم بإدخالهم السجن.
وكان قانون ”حظر المهر” الذي أُقرّ في قانون العقوبات الهندي لعام 1961، يعاقب على طلب المهر أو منحه، بعد ارتفاع نسبة القتل والانتحار بين الزوجات اللواتي يتعرّضن لابتزاز الرجل في قضيّة دفع المهور. وجاء هذا القانون حصيلة لجهود ناشطين في مجال حقوق المرأة الهنديّة، استمرّ أكثر من40 عاماً.
وقد تعدّدت حركات حقوق الآباء الأستراليّة، التي أخذت بالظهور في مرحلة السبعينيات مع تأسيس منظمات مثل؛ “اتحاد الآباء الوحيدين”. “آباء من أجل المساواة”، و”آباء ضد التمييز”، و”آباء في أزمة”، و”آباء بدون حقوق”، و”أخوية الرجال”، و”مجلس الأبوة المشتركة”.
تركّزت قضاياها حول الطلاق ورعاية الأطفال وحضانتهم، وقوانين التبنّي، كما العنف المنزليّ الذي يتعرّضون له من قبل النساء، دون أيّ حماية قانونيّة.
وقد لعبت هذه الحركات دوراً مؤثراً في مجال تعديل قوانين الأسرة لصالح الرجل، والإقرار بمسؤوليّة الطرفين المشتركة فيما يخصّ الأبناء..
وفي كردستان طالب رئيس “اتّحاد الدفاع عن حقوق الرجال” الذي تأسّس عام 2007، بتنظيم يوم لمناهضة العنف ضدّ الرجال، أسوة بيوم مناهضة العنف ضدّ المرأة، للعمل على توعية الرجال بحقوقهم، والحدّ من ممارسة العنف ضدّهم.
وفي تونس تأسّست “الجمعيّة التونسيّة للدفاع عن الأزواج المعنّفين” عام 2009..
وتأسّست جمعيّة ”المستضعفون في الأرض” في مصر، للدفاع عن المقهورين من الرجال!.
وفي السعودية تأسّست جمعيّة “حماية الرجال من تسلّط المرأة”.
وأخيراً؛ بقيت حركات الدفاع عن حقوق الرجل رغم رواجها، زوبعةً في فنجان. ولم تلقَ صدىً لها في أروقة المنظّمات الدوليّة أو الحكومات، ولم تعرها أيّ اهتمام. حيث تتعارض أفكارها في كثير من جوانبها مع قوانين حقوق الإنسان المعمول بها دوليّاً. أمّا تأثيرها في إقرار بعض القوانين أو عدمه، فجاء ثمرة تحالفاتها مع جهات سياسيّة ويمينيّة متشدّدة.
خاص “شبكة المرأة السورية”