ماجدة الصباغ
لم تقتصر معاناة مدنيي الغوطة الشرقية على القصف والدمار، الذي حلّ بمدنهم وقراهم، والقتل الهمجيّ الذي طال الصغير قبل الكبير، ليزداد حجم الألم بعد تهجيرهم من أرضهم التي ولدوا وترعرعوا فيها، من قبل قوات النظام السوري وحليفه الروسي.
في الوقت الحاضر يعاني مهجرو الغوطة ظروفاً معيشيّة سيئة للغاية في مراكز الإيواء، بعد إخراجهم عنوة من أحيائهم المدمّرة، وأقبية كانوا يلوذون بها، فاستهدفتها الصواريخ والقذائف والنابالم والفوسفور، إضافة لغاز الكلور السام.
مايقارب الخمسين ألفاً من أهالي الغوطة خرجوا من الحصار، يعانون أوضاعاً متردية، وإقامة جبريّة في مراكزالإيواء، في مناطق الدوير وحرجلة وقدسيا وعدرا البلد، تفتقد جميعها لأدنى معايير الاستجابة الإنسانية. حيث قام النظام بفصل الشبان والرجال عن النساء والأطفال، وسحب الشباب دون الخمسين عاماً إلى المراكز الأمنية لتسوية أوضاعهم وسوقهم للتجنيد الإجباري. أما النساء والأطفال فما زالوا في مراكز خاصة تفتقد لأدنى مقومات الحياة، بالإضافة لنقص كبير في حليب الأطفال والمستلزمات الطبية والملابس والبطانيات.
حسن – اسم مستعار لأسباب أمنية -، هو أحد المقيمين في مدينة دمشق صرّح: “بعد خمس سنوات من خروجي من الغوطة الشرقيّة والابتعاد عن عائلتي، ذهبت إلى مركز الإيواء لرؤيتهم، فمنعتني قوات النظام، ما اضطرني لدفع مبلغ مالي كرشوة للسماح لي برؤية أفراد عائلتي، الذين لم أستطع التعرف إليهم، فقد نحلت أجسادهم، وبرزت عظام وجوههم في ظلّ سنوات الحصار الأربع”.
يذكر أن النظام السوريّ يمنع العائلات المقيمة في دمشق من زيارة ذويهم وأقاربهم، وحتى اصطحابهم من المراكز إلى بيوتهم داخل المدينة، كما يقوم عناصر النظام باستغلال الزائرين بطلب النقود لأجل السماح لهم برؤية من يودون رؤيته وكأنهم في سجن كبير. كما أن النظام يفرض قوانين صارمة على المتطوعين الذين يعملون داخل المراكز، بعدم التحدث أو الرد على أيّ تساؤل من قبل المهجرين.
تخوفات من تفشي الأمراض المزمنة
وفي تصريح لسلمى التي عانت الكثير من الإجراءات الروتينية وتقديم الطلبات للسماح لها بزيارة شقيقتها وأبنائها في (حرجلة)، تقول: “صدمني شكلهم المرعب وشحوب لونهم بسبب الحصار والجوع أولاً في الغوطة،
والأمراض التي تفشّت في مراكز الإيواء ثانياً، حيث استشرى مرض السلّ، وانتشر الجرب بكثافة نتيجة اكتظاظ النساء والأطفال في مركز ضمّ أكثر من 10 آلاف شخص، مع العلم أنه معدّ لاستقبال المئات فقط، وأن النظام يقوم بسحب أدوية الأمراض المزمنة من شاحنات الهلال الأحمر، دون معرفة السبب”.
سياسة التعتيم الإعلامي
من الجدير ذكره أن النظام السوري استخدم سياسة التعتيم الإعلامي على الوضع العام داخل هذه المراكز، ولايسمح إلا لوسائل الإعلام التابعة له لإبراز الجوانب التي يهمه نقلها، كما يقوم بتلقين بعض النازحين عبارات تمجيد النظام وقائده بشار الأسد، وإظهاره بصورة البطل المنقذ .
ويذكر أن الغوطة عانت حصاراً مطبقاً على مدى خمس سنوات مضت، وتعرّضت لكافة أشكال القصف. لكن كان أشدّها الحملة الأخيرة التي شنّها النظام منذ شهر ونصف، وتكاد تنتهي بعقد اتفاقيات مع كتائب المعارضة هناك، ووضع المدنيين أمام خيارين لاثالث لهما؛ إمّا تهجيرهم عبر الباصات الخضراء للشمال السوري، أو الذهاب لمناطق النظام. وكلاهما خياران أحلاهما مرّ.
فبعد سنوات صبرهم ومعاناتهم للبقاء في بيوتهم، أُخرجوا عنوة تحت وطأة القصف والدمار، ليعيشوا واقعاً أشدّ ألما ومرارة في معتقلاتٍ جماعيّة.
والسؤال الذي مازال يطرح؛ أين الأمم المتحدة ومنظّماتها ؟! وما ثمن صمتهم؟!
خاص “شبكة المرأة السورية”