Search
Close this search box.

الأمّ العازبة ووصمة العار التي تلاحقها في مصر

الأمّ العازبة ووصمة العار التي تلاحقها في مصر

لم تكن على الأرجح مقدّمة البرامج التلفزيونيّة دعاء صلاح تدرك أنّ إثارة موضوع الأمومة من دون زواج في شهر تموز\يوليو الماضي في إحدى حلقات برنامجها الأسبوعي “دودي شو” الذي يُعرض على قناة النهار سيكلّفها عملها وثلاث سنوات في السجن.

ظهرت صلاح في الحلقة ببطن منتفخ لتبدو وكأنّها حامل، وسألت المشاهدات بجرأة تامة إن كنّ قد فكّرن في ممارسة الجنس قبل الزواج. كما لفتت إلى زيجات قصيرة المدّة تبغي المرأة من خلالها أن تُرزق بطفل، وتأسّفت لكون التبرع بالحيوانات المنوية محظّرًا في مصر. إلا أنّ “تصريحاتها غير الأخلاقيّة” ولّدت ردود فعل شرسة.

لقد تمّ فصل صلاح نهائيًا من عملها واتّهامها بـ”التحريض على الفسق” بعد أن تقدّم أحد المحامين بشكوى ضدّها اتّهمها فيها “بخدش الحياء العام”. وفي شهر تشرين الثاني\نوفمبر الماضي، أُدينت بهذه التُهمة وحُكم عليها بالسجن لمدّة ثلاث سنوات. استأنفت صلاح قرار المحكمة وتنتظر الآن صدور حكم محكمة الاستئناف. صحيح أنّها لا تزال خارج السّجن، إلا أنّ القضيّة البارزة والحكم الصادر بحقها يشيران بشكل جليّ إلى عدم تساهل السلطات على الإطلاق مع أفكار تعتبرها “تهديدًا لنسيج المجتمع المصري”.

تُعتبر المواضيع المتعلّقة بالجنس والتّبرّع بالحيوانات المنوية من المحرّمات في مصر المحافظة التي تُقدّس الأسرة. لكن المفارقة هي أنّ الفيلم المصري “بشتري راجل” الذي تطرّق إلى الموضوع الدقيق عينه الذي أوقع صلاح في مأزق لم يحدث أيّ جلبة. يتحدّث الفيلم الرومنسي الكوميدي الذي عُرض للمرة الأولى في كانون الثاني\يناير من العام 2017 عن سيّدة أعمال ناجحة في منتصف الثلاثينات من العمر، تسعى إلى أن تصبح أمًا مستعينة بمتبرّع للحيوانات المنوية عبر “فيسبوك”. وفي الوقت الذي لم يولّد فيه الفيلم ردود فعل غاضبة من قبل المحافظين، جاءت ردود فعل المشاهدين والنقّاد متباينة. فأثنى البعض على الفيلم باعتباره مُلهمًا ويهدف إلى تمكين المرأة، بينما ندّد به آخرون مشيرين إلى أنّه يسعى إلى نشر القيم الغربيّة الغريبة عن التقاليد الثقافيّة المصريّة والمعتقدات الإسلاميّة. لم يُؤخذ الفيلم على محمل الجدّ من قبل المشاهدين لأنّه فيلم كوميديّ، غير أنّ كاتبة السيناريو إيناس لطفي أرادت من خلاله “إيقاظ” المجتمع.

قالت لطفي في مقابلة مع قناة “سي بي سي” “إنّ الجمهور المصري غير معتاد على الاستماع إلى امرأة تعبّر عن حاجاتها ورغباتها، فكيف بالأحرى أن تكون ممسكة بزمام الأمور في حياتها كما هو الحال مع بطلة فيلم”.

استوحت لطفي الفيلم من تجربة حقيقيّة لإحدى صديقاتها التي قرّرت بعد فشل تجاربها العاطفيّة بشكل متكرّر أنّها لم تعد تكترث لإيجاد زوج؛ وهي تريد طفلًا بعيدًا عن صعوبات خوض علاقة فاشلة أخرى.

الجدير بالذكر أنّ هذه الحالة ليست نادرة في مصر، فقد ازداد في السّنوات الأخيرة عدد النساء غير المتزوّجات فوق سنّ الـ35 ليتخطّى 8 ملايين في العام 2016 — أو ما يُقدّر بحوالي 40% من النساء في سنّ الزواج ، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

بدأت النظرة إلى الزواج، والطلاق والأمومة تتبدّل في مصر ذات الأغلبيّة المسلمة. ولربّما يتجلّى ذلك بأفضل طريقة في التغطية الإعلاميّة الواسعة لقضيّة هدير مكاوي البالغة من العمر 27 عامًا والتي وصفها الإعلام المصري بـ”أوّل أم عازبة في مصر”. أثارت مكاوي جدلًا في العام الماضي عندما أعلنت عن حملها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن تخلّى عنها زوجها. إنّ الزواج “العُرفي” زواج غير مسجّل لدى الدولة، وغالبًا ما يتمّ سرًّا بين الزوجين اللّذين يوقّعان ببساطة على وثيقة — في غياب أيّ شهود في معظم الأحيان — للإعلان عن زواجهما. ويتّجه عدد متزايد من الشباب إلى هذا النوع من الزيجات غير الرّسمية والسريّة، متحايلين على الشريعة التي تحرّم الزنا والجنس خارج إطار الزواج. لقد راهنت مكاوي رهانًا كبيرًا بتفضيلها الاحتفاظ بالجنين والأمومة العازبة على الإجهاض في دولة كمصر حيث المجازفة عالية جدًا، إذ يهدّد ذلك بتشويه السمعة، والتعرّض للإهانات وحتّى خطر الاعتقال.

قرّرت مكاوي الإعلان عن حملها، إيمانًا منها بأنّ الخروج إلى العلن أفضل لها من التزام الصمت. وكانت تأمل في أن تساعدها مشاركة قصّتها على الانترنت مع الناس في كسب الدعم لطفلها الذي لم يكن قد وُلِد بعد، وذلك من خلال ممارسة ضغط أكبر على الأب المزعوم لحثّه على الاعتراف بطفله. سرعان ما انتشرت صور مكاوي الحامل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فلقيت المديح والنقد في آن. وفي حين أشاد المؤيّدون بشجاعتها وصدقها، هاجمها المنتقدون الذين اتّهموها بـ”التحريض على الفساد الأخلاقي” و”الترويج للزنا”.

وجّهت هذه القضيّة انتباه الرّأي العام إلى المشكلة الجديّة المتعلّقة بالزواج العرفي الذي يحرم الملايين من المصريّات من حقوقهنّ الماليّة والقانونيّة ويعرّضهن لخطر إنكار الزوج لهذا الزواج أو إنهائه بمجرد تخلّصه من الوثيقة. وفي حالات كثيرة، لا يعترف الأب بالأطفال المولودين في إطار الزواج العرفي. وعندها، قد تلجأ المرأة إلى الإجهاض هربًا من الفضيحة، فقلّة منهنّ يملكن شجاعة مكاوي.

بالإضافة إلى ذلك، يشكّل ارتفاع نسبة الطلاق في مصر، وهي الأعلى في العالم العربي، سببًا آخر وراء ارتفاع عدد الأمّهات العازبات. تنتهي 40% من الزيجات في مصر بالطّلاق في غضون السنوات الخمس الأولى للزواج، وهذا مؤشّر على انحسار وصمة العار الاجتماعيّة المرتبطة بالطّلاق.

عزا مفتي الديار المصرية شوقي علام نسبة الطّلاق المرتفعة إلى حالات “الخلع” — وهو إجراء يسمح بالطّلاق من دون مبرّر، اعتُمد في مصر في العام 2000 ويسمح للمرأة المسلمة أن تطلّق نفسها من زوجها بسبب معاناتها في زواجها. غير أنّ مؤيّدي هذا الإجراء من الحقوقيّين ينفون ادّعاءات المفتي.

قالت المحامية الحقوقيّة عزة سليمان لـلمونيتور إنه “غالبًا ما تكون دعوى الطلاق في المحكمة عمليّة شاقّة قد تستغرق حتّى 18 شهرًا”. وأضافت، “يتعيّن على المرأة في إطار الخلع أن تتخلّى عن حقوقها الماليّة القانونيّة وتعيد المهر إلى زوجها. وفي حين قد يبدو نظريًا أنّ الخلع يوفّر للمرأة حلًا لمشاكلها الزوجيّة، هو يتطلّب في الواقع وقتًا طويلاً، ويكون أحيانًا مهينًا للمرأة التي يتعيّن عليها أن تمثل أمام المحكمة، وغالبًا ما يحثّها القاضي على الكشف عن الأسباب التي تدفع بها لطلب الطلاق”.

وفي الوقت الذي تستمرّ فيه المطلّقات في مصر في مواجهة تحدّيات كثيرة، من بينها نظرة المجتمع السلبيّة إليهنّ، يرتفع عدد الزوجات اللواتي يخترن إنهاء زواجهنّ التعيس والبدء من جديد كأمّهات عازبات.

لفتت مروة كامل، وهي أمّ تملك حضانة ولديها المراهقين، إلى أنّ “المرأة هي دومًا الملامة في الطّلاق بنظر المجتمع. أما الأصعب بالنسبة إليّ فكان أنّ جميع معارفي — حتى الأصدقاء المقرّبين — داروا ظهرهم لي بعد الطلاق”. لقد تخلّى عنها زوجها منذ سبع سنوات ليكون مع امرأة أخرى، وأنهى بذلك زواجهما الذي استمرّ 13 عامًا. وبعد أن تخطّت كامل صدمة الانفصال، اختارت أن تعيد بناء حياتها، وهي تعمل في وظيفتين لتعيل نفسها وولديها.

وعلى الرغم من ذلك، هي لا تشعر بالندم. وقالت لـلمونيتور، “إنني أكثر سعادة اليوم مما كنت عليه يومًا في زواجي”.

يحقّ للمرأة المصريّة بموجب القانون أن تحصل على حضانة أولادها إلى أن يتمّوا الخامسة عشرة من عمرهم. وينظر البرلمان حاليًا في مشروع قانون تخسر الأمّ المطلّقة بموجبه حضانة أولادها لصالح زوجها السّابق في حال تزوّجت مرّة أخرى واستطاع زوجها السّابق تأمين امرأة تقدّم الرعاية لهم؛ مع الإشارة إلى أنّ القوانين الحاليّة تنصّ على إسناد حضانة الأطفال إلى الجدّة لجهة الأم في حال تزوّجت المرأة مرّة أخرى. وقد اعتبر المنتقدون التعديل المقترح تعديلًا تمييزيًا.

رأت سليمان “أنّ [مشروع القانون] يُلزم المطلّقات على الاختيار بين الزواج مرّة أخرى والاحتفاظ بحضانة أطفالهنّ”، في حين لا يخضع المطلّقون من الرجال للقيود عينها.

وبحسب وزارة التضامن الاجتماعي، تترأس العازبات 25% من الأسر في مصر. أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقرير صادر في 8 آذار\مارس بأنّ عدد الأسر التي تعيلها المرأة في مصر فاق 3.3 مليون أسرة، أي بنسبة 14% من إجمالي الأسر. تشكّل النساء أيضًا 23% من القوة العاملة، ويعمل أكثر من ثلاثة أرباع هذه النسبة في وظائف دائمة. وتشير الأرقام إلى تحوّل باتّجاه تعزيز دور المرأة في صنع القرار داخل الأسرة وفي المجال العام. ومع استقلال الفتيات اقتصاديًا أكثر فأكثر، بتن يرفضن الخضوع للضغوط الاجتماعية، وبالتالي قلّة هنّ الفتيات اللواتي يتزوّجن لمجرّد إرضاء الأهل. يرتفع إذًا عدد النساء اللّواتي يتولّين زمام الأمور في حياتهنّ ويتّخذن خياراتهنّ الخاصّة، ولم يعد الزواج هو البوابة الثقافيّة لكسب اعتراف المجتمع والنشاط الجنسي — كما يرتفع عدد النساء المطالبات بحقوقهنّ والرافضات للممارسات الثقافيّة المسيئة.

شهيرة أمين

المصدر: موقع “المونيتور”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »