جمانة علي
قد تكون الغوطة في سوريا بعيدة جداً، لكنّ أخبارها متاحة للعالم بفضل موقع “Ghouta.com” الالكترونيّ الذي يوثّق حصار النظام السوريّ على الغوطة الشرقيّة من نهاية العام 2013 وحتّى اليوم. يوجد هناك أشخاص كثيرون ينتظرون إخلاءهم الطبيّ فيما توفّي أشخاص آخرون وهم ينتظرون نقلهم. ويتتبّع الموقع أيضاً الأيّام تحت الحصار، وتتحدّى التقارير الأخيرة الخيال، تاركة المرء عاجزاً عن الكلام.
لقي أكثر من 700 سوري حتفهم في هجمات جويّة بدأت في 18 شباط/فبراير، وأصيب أكثر من 4 آلاف شخص بين 18 و27 شباط/فبراير، بحسب أرقام المنظّمات الطبيّة الدوليّة، بما فيها “أطبّاء بلا حدود” التي دعمت 13 منشأة طبيّة محليّة تعرّضت جميعها للقصف. ويعاني السكّان يوميّاً من البراميل المتفجّرة التي يتمّ إسقاطها من المروحيّات، بالإضافة إلى القصف الصاروخي والهجمات البريّة. ووصف ناشطون في الغوطة الشرقيّة السماء بأنّها “القاتل الأكبر في سوريا”، ما دفع بالسكّان إلى البحث عن ملاجئ تحت الأرض.
أفادت تقارير عن الاشتباه بوقوع هجوم بغاز الكلور بعد يوم من دعوة مجلس الأمن الدولي بالإجماع إلى وقف إطلاق النار في مختلف أنحاء البلاد لمدّة 30 يوماً. وقد تجاهل نظام بشار الأسد وحلفاؤه المحليّون والدوليّون هذه الدعوة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا في عفرين. ومنذ بداية الانتفاضة السوريّة في العام 2011، توفّي أكثر من 465 ألف شخص وأصيب أكثر من مليون آخرين.
وفي الأشهر القليلة الماضية، عزم أفراد ومنظّمات على تعريف العالم الخارجي بالحياة اليوميّة في الغوطة الشرقيّة المحاصرة. ويشمل هؤلاء ناشطين محليّين يعمل بعضهم في مجالس محليّة، بالإضافة إلى صحافيّين مدنيّين يتعاونون مع مراكز إعلاميّة محليّة ووسائل إعلام عالميّة، ومنظّمات تابعة للمجتمع المدنيّ تعنى بتمكين المرأة، ورعاية الطفل، والإغاثة والتدريب على المهارات.
قالت الناشطة مارسيل شهوارو من حلب للمونيتور عبر “سكايب”، بالنيابة عن الحملة: “أبصرت فكرة موقع وحملة [Ghouta.com] النور في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017 مع اشتداد الحصار وارتفاع وتيرة القصف الجويّ”. وأضافت بقولها، “كان الهدف الرئيسي جمع كلّ المعلومات عن الغوطة الشرقيّة وتسهيل عثور الناس على تفاصيل عن الحصار والهجمات واختيارهم المقالات والتقارير والصور والإحصاءات. وقضى هدف رئيسيّ آخر بكسر حاجز اللغة بما أنّ معظم المعلومات المتداولة من داخل الحصار لم تكن متاحة إلا باللغة العربيّة”.
وتتألّف المجموعة التي تدير الموقع الالكتروني من نحو عشرة متطوّعين مقيمين في الغوطة وبضعة متطوّعين مقيمين في تركيا. وقد لجأت المجموعة إلى “سكايب” لإنشاء المنصّة وتنظيم عملها، ولا سيّما تحديد أدوار الأشخاص خارج الحصار الذين يتمتّعون بمهارات اللّغة والتواصل الضّروريّة، وبشبكة انترنت ثابتة، وهو أمر بالغ الأهميّة.
يقدّم أحد الرسوم البيانيّة الثمانية المتوافرة على الموقع الالكترونيّ معلومات عن النقل والاتّصالات: “قطع النظام كلّ أشكال الاتّصالات، بما في ذلك الهاتف، والهاتف المحمول والانترنت. ويعتمد الناس على مزوّدي الانترنت المحليّين الذين يعتمدون بدورهم على الانترنت عبر الأقمار الصناعيّة. ويتمكّن الناس أحياناً من التقاط إشارة من أبراج الهواتف المحمولة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بالقرب من الغوطة ويستخدمون شبكة الهواتف المحمولة لتصفّح الانترنت”. وتتناول الرسوم البيانيّة الأخرى الماء، والكهرباء، والغذاء، والصحّة، والحصار ومعلومات عامّة عن السكّان في الغوطة والإدارة المحليّة والمجتمع المدني.
ووصفت شهوارو عمليّة التواصل مع الناس في الغوطة، قائلة: “يتواجد الجزء الأكبر من الفريق داخل الغوطة، ونحاول أن نختار بدقّة المحتوى الذي سننشره – من مقالات، وتقارير وإحصاءات من مواقع الكترونيّة أخرى. قصف في الخلفيّة. قد يقول شخص في خلال أحد الاجتماعات، “عذراً، انخفضت نسبة الشحن إلى 2% يا رفاق” أو “عذراً، تعرّض المولّد للقصف البارحة”. وإنّ مصمّم المواقع الالكترونيّة الذي يعمل معنا من الغوطة يكره الطوابق السفليّة، ولذلك نشعر بقلق دائم على سلامته”.
يتضمّن الموقع الالكترونيّ أيضًا صفحة بعنوان “عشرة سبل لمساعدة سكّان الغوطة الشرقيّة”. وتشمل النقطة الأولى “البقاء على اطّلاع”، مع وجود روابط إلى تقارير، وبيانات ومقالات لكي يتمكّن الناس من المساعدة. وقالت شهوارو، “نُسأل دائماً عن سبل للمساعدة. يتّصل بنا أشخاص لطفاء من حول العالم يريدون المساعدة، لذلك وضعنا اللائحة لكي نسهّل على الناس إيجاد وسيلة للإعراب عن تضامنهم”.
ونظّم ناشطو “Ghouta.com” حدثاً لمدّة 24 ساعة بعنوان “كلّ ما تريد معرفته عن الغوطة الشرقيّة” يتيح للناس طرح أسئلتهم عبر “فيسبوك”. ودعوا الناس أيضاً إلى التحرّك من أجل الغوطة من خلال كتابة رسائل إلى الزعماء والسياسيّين المحليّين والوطنيّين من أجل إيصال أصوات المحاصرين ورفع الغوطة الشرقيّة إلى عناوين الأخبار. وهم يطلبون من الناس تنظيم مسيرات في الشوارع واحتجاجات وإضاءة الشموع مع عرض الرسوم البيانيّة والأعمال الفنيّة الموجودة على الموقع الالكتروني. ويشجّعون أيضًا الصحافيّين والفنّانين على تكريس أعمال للأشخاص المحاصرين ويحثّون الأشخاص المبدعين وغيرهم على تخصيص جزء من وقتهم ومهاراتهم، بما في ذلك المساعدة في الترجمة، والتصميم، وتحرير الفيديو والبحوث.
وبمناسبة عيد العشّاق، نشر الموقع الالكترونيّ مقالاً بعنوان “الحبّ هو: خمس قصص حبّ من الغوطة الشرقيّة”، تضمّن قصص حبّ حقيقيّة من وسط الحصار الوحشي والقصف المستمرّ. وكان الهدف التركيز على وجه من أوجه الحياة العاديّة لا يتمّ التطرّق إليه عادة في القصص الآتية من سوريا.
وقالت شهوارو، “طلبنا من أشخاص عدّة مشاركة قصصهم الغراميّة، وتولّت الفنّانة ديمة نشاوي رسمها. وكانت هذه طريقة لتكريم حبّهم في ظلّ الظروف الصّعبة. لكنّنا صدمنا جميعنا عندما علمنا بوفاة إحدى النساء في الوقت عينه الذي كنّا نتشارك فيه قصّة حبّها على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وأُرفقت إحدى القصص بالجملة الآتية، “الحبّ هو أن تضمّ شريكك إلى صدرك حتّى الرمق الأخير”. وأرفِقت قصّة أخرى عن شجرة ميلاد أدخلت خلسة وزُيِّنت بأضواء يدويّة الصنع ينيرها مولّد، بالجملة الآتية، “الحبّ هو إدخال الفرح خلسة إلى قلوب من تحبّون”.
ومع اشتداد الحصار، نشر الموقع الالكتروني في 3 آذار/مارس مقالاً يحمل عنوان، “كتاب مفتوح: على العالم التحرّك الآن من أجل سوريا”، وقّعه أكثر من مئتي كاتب ومفكّر سوريّ أغلبيّتهم في المنفى. وفي 5 آذار/مارس، دخلت قوافل المساعدات الأولى منذ أسابيع إلى الغوطة، لكنّ الجيش السوري لم يسمح بإدخال المعدّات الطبيّة.
وما زال السلام يبدو بعيداً من الأفق السوري.