Search
Close this search box.

للموت وجه آخر

للموت وجه آخر

سلوى زكزك

أشاع قرار رفع سعر الأدوية موجة سخط عارمة، دفعت  بعضهم لكتابة الشعر  العامي الساخر، فقال أحدهم: ( يا دوا طِير وعلّي   خلي المريض يولِي).

يترقب السوريون عامة هذا الخبر بعد غياب فعلي لعدد كبير من الأدوية تحت ذريعة أن كلفتها تفوق أضعاف سعرها الحالي، وكان المنفذ الوحيد لتوفر هذه الأصناف هي مخازن الأدوية التي تبيعها بأسعار مرتفعة من المصدر، لكن الصيادلة يمتنعون عن شرائها بهذه الأسعار خوفاًً من المساءلة. لكن بعد طول احتباس، اعتاد الصيادلة على مخاطبة الجمهور بالعبارة التالية: (في دوا بس بغير سعر).

الأغلب وخاصة المضطر لبعض الأدوية الدائمة أو لأدوية الأطفال يشتري وبفم مغلق والبعض يهدد ويتوعد دونما فائدة   أو أي تجاوب من الجهات المعنية والمسؤولة. والبعض   الآخر يتمنع أو يشتري أنواعاً أخرى أرخص. يقول أحد الصيادلة إن رفع أسعار الدواء حق مشروع لأصحاب معامل وشركات تصنيع الأدوية، لأن المادة الأولية تستورد بالدولار، وهذا يرفع نسب الأكلاف بصورة عالية جداً، وبالتالي فإن رفع الأسعار ليس بسبب جشع المصنعين بل بسبب كلفة المواد الأولية.

تقول صيدلانية أخرى: “عبوة شراب السعلة فارغة بسبعين ليرة فكيف سيمكن بيعها بمائة وخمسين ليرة؟ماذا عن المادة الأولية وفعاليتها وأجور العمال والضرائب والموزعين ومدراء التسويق  وأجور النقل وسواها من أكلاف فرضتها الحرب والمسافات البعيدة وازدياد عدد الحواجز؟

لكن الارتفاع الجديد ـ رغم نفي نقيب الصيادلة لخبر رفع الأسعار من أصله ورغم عدم رفع الأسعار من قبل تاميكو، وهو اسم الشركة التي تملكها الدولة لصناعة الأدوية، كان فاقعاً ومبالغاً في نسبته، مثلاً دواء الصرع كاربتيك عيار 200 كان بـ 175 ليرة اصبح سعره الجديد  ألف وخمس وعشرون ليرة ،أي أن السعر الجديد يساوي ستة أضعاف السعر القديم. وطبعا فإن الأدوية الدائمة للأمراض المزمنة مثل   ارتفاع الضغط والسكري والروماتيزم   باتت أثقل حملا من قدرة المريض الميسور على تحملها، مثلاً دواء خافض للضغط تري بلاند كان سعر عشر حبات سبعمائة وتسعين ليرة والآن أصبح سعره  ضعفي السعر الأول، والمريض يحتاج ثلاثين حبة شهرياً. فإذا كانت كلفة دواء الضغط تفوق ستة آلاف ليرة فكيف بالأدوية الأخرى؟

مع الإشارة إلى أن المريض المصاب بارتفاع الضغط الشرياني في الغالب يكون مصاباً بالسكري ويحتاج إضافة لذلك إلى مضادات الكوليسترول لحماية الشرايين. قالت لي سيدة إن كلفة الدواء الشهري لها قبل الارتفاع الحالي تتجاوز ثلاثين ألفاً، فكيف حالها الآن بعد أن بلغ متوسط الارتفاع أربعمئة بالمئة، أي أربعة أضعاف السعر القديم؟

أما أدوية الأمراض المناعية كالذئبة والساركوئيد وداء المفاصل الرسوي والصدفية والربو التحسسي الذي يصل كلفة البخاخ الموصوف لعلاجه حدود عشرة آلاف ليرة. إن  الأدوية المعالجة لهذه الأمراض أو التي تحد  وقائياً من تفاقمها تدفع  الكثيرين للانتظار على أبواب المشافي العامة  والعيادات الشاملة لتأمينها مجاناً، وفي هذا القطاع تكثر المحسوبيات والواسطة وقد لا يصل الدواء إلى كل مستحقيه الفعليين. كما أنها تدفع الآخرين إلى أبواب الجمعيات الدينية والمستوصفات الخيرية التي تقلل عدد العبوات المطلوبة فتتناقص الحصة الفعلية المطلوبة، أو تغير أنواع الأدوية من شركات ومعامل أقل سعراً لكنها أقل فعالية وجدوى. تقوم منى بتجميع ما يزيد عند أقاربها وزملائها في العمل لتؤمن ما تحتاجه والدتها لعلاج السكري وتحتال على قدم أمها السكرية بمراهم رخيصة أو يدوية الصنع لأن علاج القدم السكرية بات مكلفا جدا وفوق قدرة الكثيرين على تلقيه والاستفادة منه.

تسخر سيدة وتتهكم قائلة: “غداً سينتشر نوع جديد من التسول، لا تستغربي ربما سأقف أنا على باب الصيدليات أو المولات لأتسول حبة سيتامول أو بقايا عبوة شراب سعلة”.

أما عن الفيتامينات والمعادن والمكملات الغذائية فعدا عن أثرها غير الفعال بشهادة صيدلانية دفعها إيمانها بالدواء المحلي لاستعمال مثبت الكلس محليّ الصنع لتحصد بعدها خيبة كبيرة وتراجعاً في كثافتها العظمية  فرض عليها شراء المنتج الأجنبي وطلبه من الخارج وبأسعار نارية بالغة الأثر على النفس والجسد والجيوب، فمثلا فيتامين c مفقود منذ أواخر الصيف الماضي تحت ذريعة أن المادة الأساسية والفعالة مرتفعة والسعر المحلي لا يوفي كلفة النشرة الصيدلانية المرفقة بها.

وحبوب الكلس  التي باتت مرافقة يومية للسيدات بعد الخمسين  من العمر بعد تفاقم حالات الهشاشة العظمية لغياب الغذاء المتوازن والوعي الصحي الاستباقي  فقد باتت أسعارها عبئاً جديداً يثقل كاهل النساء اللواتي ينفقن الأقل على صحتهن جراء الفقر والتهميش. أما مرمم الأربطة والمفاصل (غلوغزامين ) وخاصة  نوعية الكولد منه  أي الذهبي والمضاف إليه  مادة فعالة للحماية  من تمزق الأربطة ونشفان المفاصل فقد تجاوزت  قيمة عبوة التسعين حبة خمسة آلاف قبل هذا الارتفاع المرعب مع الإشارة إلى أن أسعارها لم تصحح حتى اليوم من شدة الضغط اليومي لتصحيح أسعار الأدوية الأكثر تداولاً، واللافت أنه عند دخولك أي صيدلية لا تدفع ما سجل على العبوة فقد شهد سوق الدواء أربع زيادات متوالية وهذه هي الزيادة الأعنف، وترتيبها الخامسة، لذلك يلجأ الصيادلة إلى فتح هواتفهم المدون عليها الأسعار الجديدة لكل منتج وعليك أن تدفع بصمت وقهر وتخرج شبه أخرس، وإلا فلا دواء ولا شفاء . في النهاية يمكن ببساطة وصف  قرار رفع الأدوية الأخير  بالصاعقة التي لا تبقي ولا تذر، وإن كان درهم الوقاية خيراً من قنطار علاج، فإن  الامتناع عن الوقاية والعلاج  صار هو الأقسى والأوفر على جيوب أضنتها الحرب وابتلعتها  أفواه المتخلين عن مسؤولياتهم تجاه الفئات الأضعف منهم  والمستحقة للعناية والرعاية.

خاص “شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »