غالية الريش
لم يكن الحق في التاريخ إلا تعبيرا عن إرادة الأقوياء والمسيطرين مرفوعاً إلى قانون، الذي يعكس موازين قوى المجتمع وثقافته وميراثه الطويل في انزياح عدالات وضرورات إنصاف عن سياق مطالبها نحو انحياز لمواقع السلطات الاجتماعية والسياسية المسيطرة وايديولوجيتها والتي تحاول تعميمها جاهدة بالقوة الناعمة أو العنف العاري.
في مجتمعاتنا العربية مشوهة التشكيل اجتماعيا وطبقيا، والمتداخلة مع تكوينات ما قبل حديثة من تنظيمات عشائرية وطائفية، وميراث ايديولوجي من الأعراف والتقاليد الراسخة، وسلطة دينية تقيدت إما بحدود النص الديني أو السياق التاريخي الذي أنتجها، كان لا بد لمنظومة القوانين أن تتوافق مع شروط هذه البنية الاجتماعية العربية أو تلك، ورغم أهمية المقاومات الاجتماعية ومحاولات الحد من آثارها إلا أنها لا تزال تتنكر بأشكال جديدة من الاضطهاد السياسي والديني والاجتماعي.
في هذا السياق لا تزال المرأة اللبنانية على طريق تحقيق شروط مواطنتها وإنسانيتها تنزعُ إلى انتصار قانوني وإجتماعي من خلال التوصل الى إلغاء المادة 522 من قانون ” العقوبات” اللبناني التي تشرع اغتصابا بقوة القانون والتي تنص :” إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل ( الاغتصاب – اغتصاب القاصر- فض بكارة مع الوعد بالزواج- الحض على الفجور – التحرش بطفلة – التعدي الجنسي على شخص ذي نقص جسدي أو نفسي ) وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة القانونية، وإذا كان صدر الحكم بالقضية عُلِّق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه”. وتندرج هذه المادة ضمن حزمة من المواد التي بدأت لجنة الإدارة والعدل قراءتها ومناقشتها وتعديلها، منذ أيلول 2016 والبت فيها مع وعدها بحسم قرارها ــ من المادة 503 إلى المادة 521ــ مع التأكيد أنه تم التوافق المبدئي داخل لجنة الإدارة والعدل على إلغاء المادة سيئة الصيت، (522) من شموليتها، وذلك لإعادة النظر في كل الفقرات والتفاصيل المتعلقة بكل المواد إلى موعد لاحق، وكما تقول الباحثة اللبنانية ديالا حيدر” فإن قانون العقوبات اللبناني، ينص صراحة على تشريع الإغتصاب شريطة وقوعه قبل أو/ و بعد اتمام عقد الزواج: فإن وقع قبل الزواج، ألغاهُ عقد الزواج بالضحية (المادة 522). وإن وقع بعد الزواج، ألغاهُ عقد الزواج بالضحية ( المادة 503) من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على “من أكره غير زوجه بالعنف وبالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل”
وفي الواقع لن يكون إلغاء هذه المادة هيناً في مجتمع تسوده ثقافة وقانون الذكورة وتهيمن على مقدراته العقلية أثقال من الأعراف والتقاليد والسلطة الدينية، وممانعات اجتماعية، والتي لم تأت الدول وسلطة قضائها إلا على تقننيها وعكس إرادة القوى المهيمنة فيها والتي جهدت ولا تزال لتكريس تخلف اجتماعي وإنساني رغم كل التطورات العالمية المحيطة بعالمنا العربي وبلبنان على وجه الخصوص.
ليس البيت الزوجي مركز تأهيل للمغتصبة:
ما من فعل آثم يحفر في وجدان المرأة ونفسيتها وحياتها كما هو فعل الاغتصاب، والذي يعني انفلاتا للغرائز الحيوانية الكامنة في المعتدي، وفعلاً إكراهيا وعدوانيا يعاقب عليه القانون الحديث بأشد العقوبات ويرفع الغطاء الاجتماعي والقانوني عن المعتدي. تأتي القوانين العربية لتغطية أشد الجرائم فتكاً بروح المرأة والاعتداء على كرامتها وإنسانيتها والتي تتبدى في المادة 522 وما على شاكلتها، من خلال تأهيل فعل اغتصابها بالجواز لزواج المعتدي من ضحيته وكأنه فعل تبرئة من الاغتصاب كي يغتصبها من جديد تحت مظلة القانون الذي يخول له فعل ذلك.
تعفي هذه المادة المغتصب من تحمل عواقب فعلته، وبالتالي تشجع ارتكاب هذا الجرم بحق النساء، بل تمأسس للعنف الجنسي، وتسمح بممارسته على النساء ضحاياهُ مدى الحياة بغطاء شرعي ( أي الزواج) وذلك علماً أن زواج الضحية بالمغتصب لن يكون خياراً، بل حلاً سترضى به تحت تأثير المجتمع والأهل
تنضوي ضمن هذا المندرج جرائم الشرف والعذر القانوني المخفف والتي تتساوى القوانين العربية – في الغالب لإبراز الأعذار المخففة، بحق القتلة بدواعي الشرف، وكم من فتاة قتلت ويكون جزاء القاتل العفو بعد انقضاء فترة الحق العام التي لا تتجاوز ال/6/ أشهر. ومن اللافت التنويه الى أن المجلس النيابي اللبناني قد صوت في 2011 على إلغاء المادة 562 المتعلقة بجرائم الشرف. وهذا تطور قانوني يعكس درجة تقدم نضالات المرأة اللبنانية التي تكافح لاستعادة مركزها الاجتماعي والقانوني والوجودي، ولإعادة تموضع جديد وغير مسبوق في معادلات المساواة الاجتماعية والسياسية والقانونية نحو مجتمع مواطنين أحرار في ظل دولة القانون.
يبقى من المفيد التأكيد على ضرورة مواصلة المرأة اللبنانية لمسعاها الحثيث لإلغاء المادة 522 وما يتصل بها من قوانين جائرة، وتشكيل قوى ضغط اجتماعي تتجاوز المجال النسوي النخبوي نحو قطاعات نسائية واجتماعية شابة من الجنسين، وخطاب إصلاحي اجتماعي جذري عابر للطوائف. نحو دولة ومجتمع مواطنين أحرار.
المهم أن لا نقف في منتصف الطريق.
خاص “شبكة المرأة السورية”