سحر حويجة
فجّر المؤتمر الصحفي للمجلس الاستشاري النسائي، التابع للمبعوث الأممي ستيفان ديمستورا، ردود أفعال متباينة الشدة والتأثير، عبّرت عن حجم الخلافات، وأخرجت إلى السطح تراكمات مدفونة، تمثل اتجاهات سياسيّة وفكريّة وآليات تنظيميّة مختلفة، ما بين مبادرة نساء من أجل الديمقراطية، مع مكتب الأمم المتحدة من جهة ، ومن جهة أخرى داخل المبادرة نفسها، رفضاً لآليات العمل وطريقة التمثيل التي أدّت في فترة سبقت المؤتمر الصحفي، إلى انسحابات وتعليق عضوية، من قبل عشرين شخصيّة نسائيّة من صفوف مبادرة نساء من أجل السلام والديمقراطية، منهن السيدة ريما فليحان، وتعليق عضوية لاحقة للمؤتمر الصحفي للمجلس الاستشاري، مثال شبكة المرأة السورية، إضافة إلى كثير من المواقف والبيانات المستنكرة، على أساس ما جرى كان خرقاً للوثائق التأسيسيّة للمبادرة، وخرقا للتوافقات التي خرجت بها المبادرة، كما برزت مواقف أخرى مؤيّدة للمؤتمر، كلّ ذلك عبّر عن وجهات نظر مختلفة على المستوى السياسيّ والتنظيميّ بين أطياف المعارضة.
من جهة أخرى، كان للنساء المقرّبات من السلطة داخل المجلس ومن ورائهن النظام، رأيٌ آخر ومواقف مختلفة، على أن المعارضة ممثّلة بشكل أكبر من السلطة في المجلس الاستشاري، وتبيّن أن المؤتمر الصحفي، لن يرضي النظام بالدرجة نفسها كما لم يرضِ المعارضة.
أما الجهة الداعمة التي تدّعي الحياديّة وتريد تمثيلاً متوازناً، بين السلطة والمعارضة، وعلى ما يبدو أثارت حفيظتهم ردود الأفعال على البيان الصحفي, التي تشير إلى سيطرة المعارضة على المبادرة، وكان لتعليق عضوات بارزات عضويتهن، وانسحاب أخريات دور في إضعاف مبادرة سوريات من أجل السلام والديمقراطية، وفي الوقت ذاته تكشّفت هشاشة الغطاء التمثيلي للمجلس الاستشاريّ.
بعد فترة قصيرة من هذه الجلجلة، جاءت الدعوة إلى مؤتمر تحت مسمّى “سوريات صانعات السلام”، ظهر بعدها التباين بين فريقين داخل المجلس الاستشاري؛ أحدهما يمثّل المعارضة وآخر يمثّل الخطّ الرماديّ الذي يحاول الإمساك بالعصا من الوسط, للخروج بحالة جديدة من أجل توسيع المبادرة وتغيير ميثاقها بما ينسجم مع تطلعات الجهة الداعمة، وتشكيل جسد موسّع يضمّ جميع الاتجاهات، ليتوافق هذا الموقف مع رؤية الأمم المتحدة ومكتب المرأة الداعم . لكن ذلك يقود إلى إلغاء الوثائق والتوافقات السابقة، التي أنتجتها مبادرة نساء من أجل السلام والديمقراطية.
ولابد لنا من الإشارة إلى الدور الحاسم للفشل في مؤتمر جنيف الثالث بين المعارضة والسلطة، ومحاولة ممثّل الأمم المتحدة اللعب في الوقت الضائع, في توقيت الدعوة للمؤتمر.
طلبت الجهة الداعمة من المجلس الاستشاري المكوّن من ستّ عضوات من مبادرة نساء من أجل السلام والديمقراطية، وستّ أخريات يمثّلن اتجاهات أقرب للموالاة، على اعتبارهن فريقين، طلبت من كلّ واحدة من أعضاء المجلس الممثلات للمبادرة، دعوة (8) من عضوات الهيئة العامة للمبادرة على أن تقوم الستة الأخريات على دعوة عدد مماثل، من خارج المبادرة.
انعقد المؤتمر في بيروت، ما بين (20-22) أيار 2016، قيل إنّ المؤتمر جاء ضمن جهود هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بدعم جهود النساء السوريّات الصانعات للسلام، بغية إيجاد أرضيّة عمل مشتركة، وبرنامج عمل موحّد يدعم قضية المرأة السورية ودورها في صنع السلام.
حصلت فوضى وعمّ ارتباك في التحضير للمؤتمر، ولم يسمح الوقت والظروف بحضور الكثير من أعضاء المبادرة إلى المؤتمر بسبب تعقيدات الفيزا كون أغلبيتهن مقيمات خارج سوريا، والنتيجة جاءت على حساب حضور أعضاء المبادرة، لصالح تمثيل عضوات تمثّل السلطة.
كما حضر المؤتمر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا عبر السكايب، وحضور المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة فومزيلي ملامبو نغكوكا، وأعضاء المجلس الاستشاريّ النسائي، وشارك في المؤتمر 130 سيّدة سوريّة من ألوان سياسيّة مختلفة، تحت عنوان دعوة لإيقاف الحرب على سورية وبناء السلام.
وعن بيان نشرته صحيفة الوطن الموالية: «إنّنا نوجّه رسالة للعالم أجمع، ولمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بسورية ستيفان دي ميستورا، أننا متمسّكات بسير العملية السياسية السلمية، ونؤكّد استمرارنا في دفع الحلّ السياسيّ وبناء السلام المنشود في سورية».
خلف هذه الشعارات الفضفاضة، على أرض الواقع فرضت نفسها على المؤتمر ثنائية سلطة معارضة، تباينت بينهم الأهداف، ولم يجدن طريقاً للتوافق على تشكيل جسد نسائيّ واحد يجمعهم، وانتهى المؤتمر إلى فشل التوافق والتوفيق. بتمسك كلّ طرف برؤيته، وبرزت جليّة محاولة ابتلاع المبادرة من قبل شخصيّات قريبة من السلطة. بمواقف متباينة مع المبادرة ودعوة إلى تشكيل يمثلهن، في مواجهة الفريق الآخر.
شهد المؤتمر انسحابات لعدد من الناشطات المشاركات نتيجة عدم المساواة في عدد المشاركات من الطرفين، الموالاة والمعارضة، وطالبن مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة بضرورة عدم التحيز في حجم التمثيل.
لو نظرنا إلى هذه الحالة من زاوية قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالنزاع ومشاركة المرأة وفق القرار 1325 الذي يدعو إلى تعزيز دور المرأة في المفاوضات من أجل السلام، ومنع نشوب نزاعات، وبناء السلام. وعلى ضمان زيادة تمثيل المرأة في صنع القرار، على مستوى المؤسّسات الدوليّة والإقليميّة والمحليّة لمنع الصراعات وإحلال السلام، ووضع خطّة إستراتيجية تدعو لزيادة مشاركة المرأة في جميع مستويات صنع القرار، و في عمليات حلّ الصراع وإحلال السلام.
نجد أن المبادرة وما لحقها من مبادرات وإمكانيّة التوسعة، تقف لحد الآن على مستوى مشاركة المرأة في المفاوضات، وإن كان تشكيل فريقين متفاوضين يمثّلان المعارضة والسلطة هما الأساس في كلّ مراحل المفاوضات، وعليه يتمّ تقدير ومناقشة دور المرأة وأهميته في هذه المفاوضات, من خلال تمثيلها من قبل الفريقين الذي جاء خجولاً محدوداً نتيجة عوامل مختلفة تتعلق بوضع المرأة وتمثيلها المحدود, بل غيابها عن التشكيلات السياسيّة المشاركة في المفاوضات, وأسبقيّة التوازانات بين التكتلات السياسيّة والمصالح الخاصة التي تسيّرها على حساب مشاركة المرأة وفعاليتها.
أمّا المجلس الاستشاري والمجتمع المدني في المفاوضات, فدورهم مرسوم من قبل المجتمع الدولي، إلى حد كبير ، من خلال ورشات عمل وآلية عمل تقوم على توجيه أسئلة موجّهة ومحدّدة، ومحاولة نقاش الأجوبة لتشكيل توافقات أو وضعها. غاية الأمم المتحدة، إعطاء صورة مختلفة عن المنظمات التي ترعاها على أنها أكثر مرونة قياساً لفريقي التفاوض. و العمل على تهيئة ممثلين عن المجتمع المدني، والنساء، إلى مرحلة لاحقة في حلّ النزاع وإعادة البناء. أمّا بالنسبة للمفاوضات لا يشكّل المجلس الاستشاري والمجتمع المدني، سوى أوراق بيد الأمم المتحدة، عن إمكانية التوافق بين آراء مختلفة، لم تجد طريقاً لها بين فريقي التفاوض وميول المجتمع المدني والنساء، التي يعتبرها المجتمع الدولي أكثر واقعية.
غير أن تشكيلات النساء لها أهميّتها ودلالتها، فبعد الاتفاق، سوف تزداد فعاليّة المرأة وتلقى على عاتقها مهام جسام، لابدّ أن تؤخذ بعين الاعتبار، ليس على أساس سلطة وموالاة بقدر ما تكون غايتها تحقيق مهام إعادة البناء والإعمار وتشكيل دولة جديدة.
تعتبر المناطق المدمرة، التي هجرها سكانها وسكان المخيمات وأماكن اللجوء، والنازحين من هذه المناطق، أكثر المناطق تضرّراً بالأملاك، ونسبة المعتقلين والأرامل والضحايا، والشهداء والمعاقين ومن خضعن للعنف الجنسيّ، وبالتالي أهمية توجيه الأنظار إليهن، وتأهيل كوادر نسائيّة منهن, ليقمن بدور فاعل بعد انتهاء النزاع في إعادة الإعمار وحفظ السلام، وملاحقة مرتكبي جرائم العنف الجنسيّ، كما يجب العمل على تأهيل نساء متخصّصات للمشاركة في صياغة القانون وصياغة الدستور .
لكن في المرحلة الراهنة وقبل تحقيق اتفاق بين المعارضة والسلطة ووضع حجر الأساس لمرحلة ما بعد الصراع، والتأسيس لمرحلة جديدة ودولة جديدة، سنجد التوتر والمغالبة ومحاولة خلق توازنات على أساس سياسيّ، أيديولوجيّ، انعكاساً لواقع الصراع وحدّته، وكلّ توافق قنبلة موقوتة قابلة للانفجار. وإن كان التوافق على وقف الأعمال القتالية، وعدم توقف مفاوضات السلام، هي رغبة السوريّات والسوريين جميعاً، لأنه لا رابح سوى الموت والدمار.
خاص “شبكة المرأة السورية”