ريم الحمصي
ناضل الأطفال في سوريا لأخذ حقوقهم التي سُلبت منذ برهةٍ طويلة، كالغذاء والتعليم والحياة والشعور بالأمان والحماية واحترام كرامتهم. ومع استمرار الصراعات والحروب تتفاقم الأزمات النفسيّة للأطفال، ما يستوجب الرعاية والاهتمام الخاص بهم، ليس فقط من خلال المؤسسات الأهلية والتطوعية، وإنما من خلال دور الأهل والأسرة، ويرجع سبب ذلك لعدم نضج الأطفال نفسياًّ واجتماعيّاً. على حدّ قول الأخصائية النفسيّة عبير، التي ترى: “أن الأطفال الذين تعرضوا لانتهاكات الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال قصف منازلهم أو هدمها، أو اعتقال أو قتل ذويهم، أو حتى من خلال مشاهدتهم تلك الأحداث عبر التلفاز، غالباً يصبحون ضحيّة للخوف والكآبة والعنف والكوابيس، وفقدان للشهية، وشعور بعدم الاستقرار، والحزن والتردّد والتبوّل اللاإرادي، وغيرها العديد من الاضطرابات الانفعالية، التي ينتج عنها اهتزازاً بالإنسان نفسه وبالآخرين”، وتتابع حديثها: “إن الأطفال غالباً ماتسوء حالتهم النفسية في الحروب لعدم إدراك ذويهم لما يعانونه، فهم قد يعبّرون بطريقة تستفزّ الكبار كـ (الصراخ، البكاء، الشرود، العنف)، خاصة لمن ليس لديه المعرفة الكافية عن الطفولة ومشكلاتها.
إذا كانت طاقة الكبار لاتتحمّل ظروف الحرب، فكيف هي طاقة الصغار؟ كيف ينظرون للحرب؟ إلى من يشتاقون؟ وبماذا يحلمون؟
خلف تلك العيون البريئة والقلوب الصافية والنقيّة عالم ورديّ مليء بالأحلام السعيدة، وعلى الرغم من قساوة ماعاشوه، إلا إنهم لم يتخلوا يوماً عن حقّهم في الحلم والحب، والتعبير عن مشاعرهم (كالحزن والأسى والشوق والحنين) .
سؤال طرحته على أطفالٍ سوريين، جمعتهم براءة الطفولة وقساوة الغربة، والشوق لوطنهم أو ربما لأشخاص فقدوهم هناك.
وجدوا ما يعبرون به :
- أحمد ذو الخمس سنوات ونصف، طفل نشأ على حبّ وطن لايرى أجمل منه وطناً، يشتاق إليه وإلى صديق المدرسة الذي تركه منذ عام، تقول والدته : “كلّ سنة مننزل على سوريا بحاول حسّسو بالأمان والاستقرار، وبعطيه دافع قوة كبير أنو يعيش طبيعي رغم كلشي عم يصير، لأنو بنظري الطفل بأمس الحاجة للشعور بالأمان والاطمئنان، وهاد مابيستمدوا غير من الكبار. حتى لمّا نرجع من سوريا منضل عم نرسم صور ببالنا كأنها مدينة الأحلام… هاد مابيخفي أنو ابني من سنة وهو كل يوم قبل ما ينام بيدعي “يارب تحمي أوس ويضل عايش”. بالنهار بقلي دقي اطّمني عليه ليكون انخطف هو وأمو.. تغلّبت معو على هالأفكار السيئة… تعلّم ابني يكتب اسم رفيقو وبيكتبلو رسائل كتير ليقلو قديه مشتقلو..”.
- روان ٦ سنوات تشتاق إلى مدينتها، وتتسأل عن موعد الرجوع إليها، (وقت تسمع أنو في قصف على حارتها بحمص بتصير تبكي، بتخاف على بيتها ومرجوحتها، وبتضل تسأل إذا لساها موجودة أما لأ).
- أم رائد ترى أن خوف وقلق الأطفال ماهو إلا انعكاس خوف وقلق الكبار حوله، وابني بمثابة خير تجربة رأيتها أمامي، رائد يبلغ من العمر 7 سنوات عبّر عما بداخله بالرسم، فهو كان على حد قول والدته: “يرسم رسومات عن أناس يموتون وعن تفجيرات، استطعتُ تجاوز هذه المحنة بالحديث معه والتخفيف من الكلام عن سوريا وأحداثها، وخلّي أهلي دائماً يبعتولي صور للشام، هلأ صار يحباه وبس بدو ينزل”.
كبروا قبل أوانهم:
طفولة منسيّة، سكنت في أطفال عاشوا الحرب، ومازالوا يعانون منها “صدمات وكوارث تركت بصمتها في قلوبهم النقيةن مشاعر متضاربة بين حنينهم لماضٍ بذكريات مؤلمة، وخوفهم من حاضرٍ لا يستطيعون التأقلم فيه”، والأهم من هذا كلّه غياب دعم الأهل ليتجاوزوا هذه الكوارث.
- يونس قد خسر والده بالحرب، فاضطرّت عائلته للسفر مع جدته إلى الأردن، هناك حيث بدأت الجدّة باضطهاد أمه، ما دفعها إلى العودة مع ابنها الرضيع وترك طفليها مع جدتهم، هذا الطفل على حدّ قول جارتهم: “كل ماسمع قصف بينشغل بالو على أمو وأخوه الصغير، ودائماً بتحسيه ضايج وعنيف، كتير كنت حنّ عليه… لمّا عرف إني مسافرة من الأردن راح اتّصل فيني وجه الصبح، قلتلو خير خالة صاير شي؟ فقلي لأ خالة بس أنا بحبك وسكّر الخط… يمكن شاف فيني أمو يلي ماقدر يودعها قبل ماتسافر”.
- عزّام حُرم من والده الذي ابتلعته مياه البحر، وهو في طريقه إلى أوربا (يشتاقُ إليه، يرفض العيش، قليل الكلام، يصحىو على كوابيس، لا يأكل إلا عندما تجبره والدته التي ذاب قلبها على ولدها وزوجها).
- سارة ١٧عاماً تقول: “عشت الحرب بكل أنواعها، جوع وحصار وتشرّد وخوف، ووووكلشي بيخطر ببالك، وطلعنا من سوريا وأنا عمري ١٤ ونصف، بيت جدي أهل أبي ضلوا هونيك، ولهلأ بشوفون بالمنام بفيق عم أبكي، لأنو بالحرب كتير اتقرّبنا من بعض، وكتير بشوف حالي بسوريا، وعم أهرب من الضرب، وعندي عقدة من الأخبار، ما بقدر شوفها، ولا بقدر احكي مع حدا من قرايبنا بسوريا، لأني بمرض على قد ما بغص وأنا عم احكي معون يعني الحرب عقّدتنا بشكل مابينحكا…”.
و إذا الطفولة سُئلت بأيّ ذنب قتلت:
تلك هي الحرب، نلمس نتائجها المأساوية على نفوس الأطفال الأبرياء، وترافقهم طوال حياتهم (حرمان، جوع، خوف، دم ودمار، غربة)، هذا ما قد يتذكّرونه عن طفولتهم عندما تتردّد على مسامعهم مقولة “ألا ليت الطفولة تعود يوماً”.
يشكّل الأطفال نصف عدد اللاجئين السوريين، هناك أكثر من 5 ملايين طفل يعانون من آثار الحرب في سورية، ربع مليون طفل يعيشون تحت وطأة الحصار والجوع، وأكثر من مليوني طفل تتراوح أعمارهم بين السادسة والخامسة عشرة، حرموا من التعليم والدراسة بسبب الحرب والنزوح، ليكونوا جيلاً كاملاً ضائعاً، حسب تحذيرات الأمم المتحدة.
و أخيراً لابد أن نستشهد بقول لـ (ماهاتما غاندي)
إذا أردنا أن نعلّم السلام الحقيقي في هذا العالم و نخوض حرباً ضد الحرب علينا أن نبدأ بأطفالنا.