سعاد خبية
اختتم مؤخراً في فندق سميراميس في القاهرة مؤتمر خاص هو الأول من نوعه حول واقع اللاجئات بعنوان “قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية بين الواقع والمستقبل”، نظمته “منظمة المرأة العربية”، إحدى المنظمات الحكومية المصرية، بدعم كويتي ورعاية رسمية مصرية، برزت فيه قضية اللاجئات السوريات على الخصوص نظراً لعمق الأزمة واتساعها والعدد الهائل من المهجّرين على خلفيتها.
استهدف المؤتمر – بحسب الجهة المنظمة – وضع المجتمع الإقليمي والدولي أمام مسؤولياته إزاء أزمة اللاجئين في المنطقة العربية وتسليط الضوء بشكل خاص على معاناة المرأة والطفل اللذان يشكلان غالبية اللاجئين، وقد شارك فيه ممثلين عن الجهة المنظمة وجامعة الدول العربية، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى عدد من الوزراء ومبعوثي الدول العربية المعنية بقضية اللجوء، وممثلين عن الاتحاد الأوربي، والمجتمع المدني في الدول المضيفة وثلة من الإعلاميين والباحثيين.
أقيم على هامش المؤتمر معرض للصور الفتوغرافية حول واقع اللاجئات في مخيم الزعتري للمصور الصحفي أحمد هيمن، بالاضافة لسوق خيري لبيع منتجات صنعتها لاجئات سوريات وسودانيات وصوماليات (غذائية، ملابس، تريكو، ومصنوعات يدوية أخرى )، استهل المؤتمر بعرض فيلم وثائقي أعدته الجهة المنظمة من داخل إحدى المخيمات يرصد رحلة الألم والاغتراب التي تعيشها اللاجئات السوريات، بالإضافة لأفلام تعريفية أخرى عرضت في سياق المؤتمر.
فعلى إثر الأزمة السورية المتصاعدة وحالة التهجير القسري التي انتهجهها نظام الأسد فقد بلغ عدد اللاجئين المسجلين في الخارج 4,6 مليون لاجئ حسب وثائق المؤتمر، في لبنان 1,5 مليون لاجئ مسجل، في الأردن 630 لاجئ مسجل فيما يصل العدد الكلي بالاضافة لغير المسجلين مليون لاجئ، في كردستان العراق 255 لاجئ (الغالبية العظمى منهم من الأكراد السوريين لعدم منح تأشيرات دخول للعرب السوررين) بحسب معلومات خاصة، وفي مصر130 ألف لاجئ مسجل بينما يصل العدد الكلي 300 ألف لاجئ.
ضمن الصورة الإجمالية لأزمات اللاجئين تبرز أزمات المرأة اللاجئة بصورة خاصة، إذا تشكل المرأة والطفل بحسب الأرقام التي أوردتها منظمة المرأة في وثائق المؤتمر 80% من عدد اللاجئين، كثير من النساء يعشن وحيدات بلا عائل، تتحمل المرأة عبء الاستغلال متعدد الأشكال في سوق العمل، سواء الذي يقع عليها أو على أطفالها، كما تتحمل أنماط مختلفة من العنف الذي تتزايد وتيرته في ظل الأوضاع الصعبة والحروب، الفتيات هن أول من يحرم من التعليم في ظل ضيق فرص التعليم بوجه عام، وفي الغالب تدفعهن عائلاتهن إلى الزواج المبكر لتوفير نفقاتهن، وتعاني النساء من الإحباط ومن العزلة، ومن ضعف الدعم النفسي والصحي، في الوقت الذي تتحملن فيه أعباء مضاعفة في إعالة الأسرة وتسيير شؤونها ضمن هذه الرؤية تنطلق السفيرة ميرفت تلاوي رئيسة منظمة المرأة في مبادرتها لطلب الدعم الفوري والعاجل للاجئات عبر منبر المؤتمر الذي رعته ومولته دولة الكويت بحضورالشيخة فريحة الصباح رئيسة اللجنة العليا لمسابقة الأم المثالية للأسرة المتميزة في دولة الكويت عبر إتاحة المجال أمام المنظمات والهيئات المشاركة لتقديم مقترحات مشاريع تنموية لخدمة اللاجئات عموما.
يعد هذا المؤتمر الأول من نوعه في مصرخلال السنوات الأخيرة، من حيث العنوان والمحتوى وخصوصية المرحلة السياسية، ارتباط ملف اللاجئين بالملفات السياسية من حيث الظهور والتغييب واضح جدا في التعاطي مع قضية الللاجئين اعلاميا على الأقل، وفي كلمته في افتتاح المؤتمر أشار الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي إلى الارتباط مابين تردي الواقع السياسي وتفاقم أزمة اللاجئين، الزواج المبكر والاستغلال الجنسي وتجارة الرقيق الأبيض مخرجات لواقع لجوء بائس تعيشه النساء اللاجئات هو ما ركزت عليه الشيخة حصة آل ثاني المبعوث الخاص للآمين العام لجامعة الدول العربية لشؤون اللاجئين في كلمتها حول واقع اللاجئات السوريات، فيما تعاقبت المداخلات لعدد كبير من المسؤولين المعنيين في الدول العربية المعنية بقضية اللاجئات تصديرا واستقبالا (الاردن، لبنان، ليبيا، الكويت، قطر، العراق، مصر، فلسطين، اضافة لإقليم كردستان العراق، ودول غربية.. فنلندا، استرالية، كندا، صربيا، الجبل الأسود، اليابان)، ورغم فرض قضية اللجوء السوري نفسها كأس وأساس لهذا الملف وتأكيد المؤتمرين على اعتبارها أكبر أزمة لجوء في التاريخ المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية، وتركيزهم على خصوصية واقع اللاجئات السوريات واعتبارهن العنصر الأكثر ارتباطا من حيث التأثر بهذا الملف، وتركيز معظم المعلومات المثارة في المؤتمر حول منعكسات تلك الكارثة على حياة وواقع ومستقبل المرأة السورية اللاجئة خصوصا إلا أنه خلا من أي تمثيل رسمي سوري في المؤتمر (رسمي أو مدني أو مستقل) رغم حضور عدد من المنظمات النسائية السورية العاملة في مصر، ومشاركة شخصيات نسائية سورية معروفة بنشاطها في الحقل العام في أيامه الثلاث، فلم يمنح برنامج المؤتمر السوريات الحاضرات كلمة رسمية في اليوم الأول للمؤتمر كما منحها لجميع الدول المشاركة وذلك للحديث بشكل مباشر وعملي عن المشكلات العميقة التي تعاني منها المرأة اللاجئة السورية آصالة عن نفسها وعن باقي اللاجئات السوريا في الدول العربية ليترك شأن الحديث في ذلك لغير السوريين.
سيطرت قضية الاستغلال الجنسي والزواج المبكر للاجئات وخصوصا في الدول العربية على الصورة العامة للاشكالية الرئيسية التي تعاني منها اللاجئة وخاصة في المخيمات، وتقاطعت عدة أوراق مقدمة في اليوم الأول للمؤتمرمع هذه الفكرة وتم الإلحاح عليها تماشيا فيما يبدو مع التسليط الإعلامي الواسع على هذه الجزئية من معاناة اللجوء، في حين تصر اللاجئات على أن أثقال واقع اللجوء عليهن أكثر عمقا وقتامة وخطورة ولايمكن اختصارها بقضيتي الاستغلال الجنسي والزواج المبكرفقط رغم اعترافهن بوجودها كانعكاسات للفقر المدقع والحرمان من فرص التعليم، فيما رفضت لاجئات فلسطينات القالب الذي توضع فيه اللاجئات عموما من خلال حشرهن في إطار “الخياطة والتطريز وعمل الكبة” وعبرت سيدة فلسطينة ممثلة عن احدى المنظمات الفلسطينية في المؤتمر عن الفكرة بمداخلة حادة ” نعم الكبة السورية صنع النساء السوريات طيبة بس خلونا ما ننسى أنه هدلول النساء ذاتهن هن المعلمات والطبيبات والمهندسات والفناتات.. يلي علموا كتير دول وشعوب عربية وبنوا مدارسهم وطببوهن وكان ألهن دورمهم كتير بعملية التنمية والبناء العلمي والعمراني والانساني ماحدا لازم ينسا هالشي ويركز فقط بالكبة ”.
وفي تقرير منظمة المرأة العربية حول وضع اللاجئات، المعتمد كأساس نظري للمؤتمر، ركزت الباحثة المصرية – رابحة سيف علام – من مركز الأهرام للدراسات في ورقتها المقدمة على أهم المشكلات التي تعترض اللاجئات وفي مقدمها قضية ”الإقامة وعدم تسجيل المواليد” ومايتعلق بهما من اشكلات قانونية تمس العائلة عموما والمرأة على الخصوص، فيما يشكل هاجس البحث عن الأمن أولى أوليات السوريات الخارجات من أتون الحرب، هذا الجانب المرتبط بالضرورة بكافة الاشكالات الأخرى، لنصل إلى قضية السكن والواقع الاقتصادي القاهر بسبب حرمان الغالبية العظمى من اللاجئين واللاجئات اصحاب الشهادات العلمية من العمل ومنع كثيريين غيرهم من مزاولة الاعمال بحسب قوانيين بلدان اللجوء، وإذا تذكرنا بأن حجم الاحتياجات لتغطية حاجات اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية تبلغ 5 مليار دولار بحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإن المتوفر منها لا يتجاوز 28% من الحاجة فقط، لنصطدم هنا بمشكلة الحاجة الغذائية التي تعاني منها اللاجئات وخاصة عندما نعرف بأن مايقرب من 300 ألف عائلة سورية لاجئة تعيلها امرأة، كثير من تلك النساء لاتحصل على أي مساعدة أو حصة غذائية ثابتة ماينعكس بالضرورة على الصحة والتعليم والعمل ويحرّض على المزيد من العنف ضد النساء اللاجئات.
تضمن التقرير السابق والذي اعتُمد كمرجعية معلوماتية رئيسية للمؤتمر على قصص وشهادات لأكثر من 250 امرأة لاجئة عدد كبير منهن سوريات، وخلص إلى تحديد موسع لعدد كبير من الاشكالات الهامة التي تقف مواجهة للنساء اللاجئات لم تأخذ قضية ”لم الشمل” مساحتها المناسبة حسب الأهمية فيه، وهو ما ضغطت اللاجئات لأجل المطالبة به في المؤتمر بالإضافة لدعم التعليم، ليس قليل من الدول العربية أغلقت حدودها تباعا أمام دخول السوريين حتى أمام الحالات الإنسانية الأشد حرجا، أو حالات لم شمل العائلات المشتتة، وتعتبر قضية لم الشمل من أهم المشكلات الضاغطة التي تعاني منها اللاجئات السوريات عموما فلاتجد عائلة سورية إلا وقد طعنتها سكين التقسم والتشتت في عدة بلدان لاتستطيع تجميع أفرادها في مكان واحد.
ففي مصر وهي البلد المضيف للمؤتمر تعاني كثير من اللاجئات السوريات من حرمانهن من لم شمل أسرهن من الدرجة الأولى وماتلاها فغياب الأزواج وكذلك في حالات معاكسة غياب الزوجات، وفي أحيان أخرى غياب الأبناء أو الأهل، بسبب عدم تمكن هؤلاء من الحصول على تصريح دخول للأراضي المصرية (تأشيرة ) حتى بهدف زيارة عائلاتهم ضمن فترة زمنية محددة، ترك آثارا كارثية على النساء خاصة والعائلة عموما، واقع ضاغط يزيد من أعباء النساء الوحيدات المعيلات ويترك كثيرا منهن يواجهن وحدهن واقعا اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا قاسيا ستبقى ندباته راسخة في حياتهن وحياة من تعلّنه، ينسحب الأمر ذاته على حال كثير من اللاجئات في معظم دول الخليج العربي والأردن ولبنان وتركيا.
قوننة حلول جذرية لمشكلات اللاجئات بالأخذ بعين الاعتبار خصوصية وضعهن كان من الأمور الهامة التي طالبت بها النساء المشاركات في المؤتمر ليبقى التركيز ضمن التوصيات على السبب الرئيسي المولد لأزمة اللجوء وهو الحرب واستمرار القتال والعنف كعامل رئيسي في تكريس الواقع المأساوي للاجئيين وتوسيع نطاقه، فكانت أولى توصيات المؤتمر ضرورة الوقف الفوري للأعمال العسكرية واتاحة المجال لعودة اللاجئيين لديارهم، وتضمين بند النوع الاجتماعي في جميع الخطط والسياسيات والبرامج التي تستهدف حماية اللاجئين، وتصميم سياسات تتلائم مع ظروف واحتياجات ومشكلات المرأة، واحترام مبدأ لم الشمل وحشد الدعم لتمويل الأطر الإقليمية المعنية بقضية اللاجئيين..وتبقى قضية اللاجئات واللاجئين عموما بحسب أصحابها والرازحين تحت هذا العنوان بيضة القبان في ميزان الدول والسياسيين ووسائل إعلامهم وورقة للاستخدام حين الحاجة، تتناوب على استثمارها، وإلى جانب وسائل الإعلام والمنظمات الدولية، والأهلية الإغاثية، والعاملين عليها ووو التي عودتنا في تعاملها مع هذا الملف، على إزاحة الستار والتطبيل لهذه القضية الإنسانية وتسليط الضوء عليها أو تغييبها وإسدال الحجاب على تفاصيلها وأزماتها تبعا لقيمة هذه الورقة وثمنها وتأثيرها ووقت إبرازها، ومايقع بين كل ذلك من عمليات استغلال واستثمارومتاجرة علنية بهذا الملف الإنساني الهام وما يقع بين درفتيه من أوجاع لا تنتهي.
المصدر: “كلنا شركاء”