بسام خضر
يصعب على السياسي والإعلامي المتابع مقارنة قضية الاعتقال السياسي والرأي بين زمنين بينهما عشرات السنوات، خصيصاً في زاوية حضور الاعتقال وسرعة انتشاره ومعرفة المعتقل وتقديم نبذة عن حياته، فما كانت تجهد ذاتها منظمات حقوق الانسان والأحزاب السياسية العمل من أجل الحصول عليه، أصبح في متناول اليد، ومن قبل الجميع تقريباً، رغم هذا التطور النوعي الهائل في وسائل وأدوات التواصل السريعة الاجتماعية والميديا، إلا أن الاعتقال السياسي يبقى قضية اعتقال رأي تحتاج إلى عناية ومتابعة في العديد من المحافل المحلية السياسية والحقوقية والقانونية حتى وصل المعتقل إلى قوس المحكمة في البلاد التي يوجد بها قانون يحكم الجميع على أسس الدستور والقانون، أما في بلاد مثل “سوريا”، فهذا يحتاج إلى عبقريات ما فوق قانونية وحقوقية، للوصول إلى مكان وجود المعتقل خصيصاً في الأشهر الأولى من الاعتقال، حيث تحرص الأجهزة الأمنية على سرية عملية الاعتقال، وعدم اشهارها والإعلان عنها، وحتى هذا الزمن في ظل كل التطورات البصرية وأدوات الميديا الكبيرة في حياة البشر والبشرية، إلا أن هناك العديد من المحامين والعاملين في القطاع الحقوقي ينصحون أهل المعتقل وأصدقائه عدم نشر أي شيء عن المعتقل لأن ذلك قد يستخدم ضده في حال تم تقديمه إلى محاكمة. ويبقى المعتقل وفق قانون الطوارئ والأحكام الخاصة المعمول بها في سوريا رغم الإعلان عن إلغاءه على الصعيد النظري إلا أن أحكامه سارية المفعول، مع إلغاء محكمة أمن الدولة، وصدور مرسوم إنشاء محكمة الإرهاب. (وبالعودة إلى التعامل القديم مع قضية الاعتقال السياسي نجد أن حزب العمل الشيوعي في سوريا في مرحلة الثمانينات أصدر مذكرتين، الأولى في نيسان من العام 1987 بعنوان” مذكرة حزب العمل الشيوعي في سورية حول المعتقلين السياسيين الوطنيين” وكذلك مذكرة أخرى بذات العنوان في حملة (1987- 1988) الوحشية. وجاءت الأولى في أربعين صفحة من القطع الوسط، واحتوت على:
- لماذا الديكتاتورية في سوريا؟
- أهم مؤسسات القمع السياسي المتخصصة.
- أهم المعتقلات والسجون في سورية.
- شروط حياة المعتقلين السياسيين في السجون السورية.
- “مفارقات” الدستور السوري والوقائع الملموسة.
- أساليب التعذيب التي تطبق بحق المعتقلين السياسيين في سورية.
- حقوق الإنسان في سورية، وشكوى “منظمة العفو الدولية”
- أزمة الديمقراطية في سورية، ومهام القوى الوطنية والطلائع المكافحة، وقائمة بأسماء المعتقلين السياسيين الوطنيين في سجون الديكتاتورية السورية تبدأ أولاً بحزب البعث العربي الاشتراكي الديموقراطي (23شباط)، ثانياً: المنظمة الشيوعية العربية، ثالثاً: الحزب الشيوعي السوري/المكتب السياسي، أو /جناح رياض الترك/، رابعاً: معتقلون بتهمة الانتماء لاتجاهات وطنية وديموقراطية مختلفة- معتقلون بتهمة الانتماء إلى “التنظيم الحيوي”، ب – معتقلون من الضباط الوطنيين، اعتقلوا عام /1980/ ، ج- معتقلون من “اتحاد النضال الشيوعي”، د- معتقلون سياسيون من قوى وطنية أخرى، ومن تنظيمات كردية ديموقراطية. خامساً: اللجان الشعبية، سادساً: حزب العمل الشيوعي في سورية(مرحلة رابطة العمل الشيوعي)، والبيان الذي أصدرته الرابطة بعد إطلاق سراح معظم المعتقلين في شباط1980، وشهداء حزب العمل (محمد عبود، سليمان مصطفى غيبور). وقائمة بأسماء المعتقلون بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي في سورية
أما المذكرة الثانية كانت حول حملة اعتقالات العامين(1987- 1988)الوحشية، التي صدرت في تشرين الثاني من العام 1988، وتوجت بعنوان”فلنناضل لدحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية”، أولى الملفات في المذكرة هو سياسة النظام تجاه القوى الوطنية “تجسيد نموذجي لطبيعة الطبقية والديكتاتورية”، وثانياً: سياسة النظام تجاه حزب العمل (عرض تاريخي)، وثالثاً: حملة 1987/ 1988، رابعاً: محطات بارزة نحو حملة 1987/ 1988، خامساً: حرب التشويه والشائعات، سادساً: الرهائن وإرهاب الدولة، سابعاً: من وقائع المواجهة ضد القمع والديكتاتورية، وثامناً: السجون. مدارس للنضال والمواجهة، تاسعاً: النشرة الاخبارية لمنظمة العفو الدولية، ومانشرته صحيفة لوموند في 18/ تشرين الثاني 1987، ومجلة “انبريكور” التي تتصدر في باريس في تشرين الثاني 1987بعنوان “أوقفوا القمع والتعذيب” ، وبيان لجنة دعم النضال الوطني الديمقراطي حول حملة الاعتقالات الأخيرة في سورية صدر في باريس أواخر تشرين الثاني 1987، ومجلة “النشرة، أثينا تشرين أول من العام 1987″، وقائمة بأسماء المناضلين الذين تعرضوا للاعتقال خلال حملة 1987/ 1988الوحشية، وصرخات الولادة خلف القضبان، وصورة للشهيد إحسان عزو الذي استشهد في زنزانة بسجن صيدنايا بتاريخ 14/11/1987.
ومع اعتقال أعضاء لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا في نهاية العام 1991، وبداية العام 1992، جرت عملية الإجهاز على أول جمعية للدفاع عن حقوق الانسان، ومن بينها قضية الاعتقال السياسي وحرية الرأي، ولم يفرج عن أعضاء اللجان إلا في أواسط العام 2000، بعد الحكم عليهم من قبل محكمة أمن الدولة، وعادت اللجان إلى العمل في نهاية العام ذاته. ورغم انتشار ظاهرة حقوق الإنسان في سوريا في العشرية الأولى من القرن الجديد إلا أنه لم يطرأ أي تحسن في الوضع القانوني والدستوري لحماية الحريات العامة مع بداية الديكتاتورية الثانية من حكم عائلة الأسد.
وفي بداية العشرية الثانية من القرن الجديد في العام 2011، والتحول الكبير الذي شهدته المنطقة العربية في ظل الربيع العربي، رسم النظام السوري اسلوب وطريقة التعامل مع الثورة والانتفاضة السورية، ومن ضمنها طريقة وأسلوب التعامل مع قضية الاعتقال السياسي للناشطين الميدانيين والإغاثيين والسياسيين، ومدى انعكاس هذا الأسلوب في السجون السورية أثناء فترة الاعتقال، حيث ازداد الوضع سواءً عما كان عليه في مرحلة الثمانينات خصيصاً بعد الخلاص من أحداث الإخوان المسلمين في حماة.
(2)
من خلال رصد قضية التعامل مع الاعتقال في الفروع الأمنية نجد أن محاولات عزل السياسيين والنشطاء عن بقية السجناء كانت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين مستمرة. فلا حقوق بالمطلق في فترة التوقيف الأولى حيث يكون المعتقل في الفرع دون كل الحقوق إلا محاولة ابقاءه على قيد الحياة وكل ماعدا ذلك مباح.
ويصل عدد المعتقلين في المهجع الواحد إلى أرقام تفوق التصور البشري، وابتدع المعتقلين أسلوب النوم ب”التسييف” عند ساعات النوم كل يوم ( أي أن ينام المعتقل على سيف – احدى جنبيه – دون أن يتمكن من النوم على ظهره، وفي حال ضبط السجين نائماً على ظهره على شاويش المهجع أو المناوب الليلي أن يوقظه للعودة إلى النوم على سيفه).
وكذلك ظهرت في المهاجع قضية الجلوس القرفصاء بحيث تكون القدمين والجزء السفلي من الركبة إلى الأسفل مضمومين إلى الفخذين، وبذلك تقلص مساحة الجسد ككل إلى الجلوس على المؤخرة المستندة إلى الأرض، طيلة فترة النهار والضغط على السجين في البقاء، أحياناً كثيرة من خلال البقاء وقوفاً في حالة ضغط الحضور في المهاجع. أما من زاوية الطعام في الفروع يوزع المعتقلين إلى “سفرة، تضم مجموعة من الأشخاص الشبه ثابتين على هذه السفرة” بغض النظر الآن عن نوعية الطعام داخل المهجع.
أما في السجون المركزية بعد ما يفرز اليها المعتقلين مثل سجن صيدنايا أو سجن عدرا سواءً كانوا محكومين أو موقفين بشكل عرفي دون محاكمة ، تصبح الحياة أكثر سهولة ويسر حيث توجد الكتب والراديو وحمام الماء الساخن والغازات، والطعام المطبوخ المصنع في ايدي السجناء ذاتهم، بالإضافة إلى المطبخ المركزي الذي يوزع ثلاث وجبات يومياً، ليس بمعنى الوجبة القادمة من خارج المطبخ المركزي، وإنما الطعام المطهو في البللو..
ودست الرز أو البرغل، وكذلك الشاي مع الكافور في وجبة الفطور التي تأتي في البللو..
وفي سنوات الخمس الأخيرة من بداية الثورة السورية لم يختلف التعامل في الفروع الأمنية بالمطلق، بل زاد سوءً على سوء، إذ أضيفت ظاهرة جديدة في المهاجع نتيجة الضغط والأعداد الكبيرة، هي ظاهرة شهداء المعتقلات حيث يخرج يومياً عدد من المعتقلين الموتى نتيجة عدم القدرة على تحمل ضغط الحياة في المهاجع والأعداد الكبيرة للمعتقلين، وذكر عدد من الخارجين حديثاً من الفروع الأمنية، إنه كل مهجع في الفروع يخرج منه بالحد الأدنى (2-5) موتى يومياً….
ويتجمع هذا العدد في مكان محدد في الفرع ويتم نقلهم إلى مقبرة أرقام جماعية، وذكر أيضاً أنه نتيجة الأعداد الكبيرة يبقى السجناء طيلة الوقت بالحد الأدنى من الثياب “الكلسون، السليب”. وأنه للسجين المعتقل يحصل عبى (تسع حبات زيتون، مع جزء من رغيف خبز، وملعقة لبنة) أما في السجون المركزية لم يتغير الكثير عن السابق.
(3)
هذه المقارنة البسيطة للتعامل الإعلامي والإعلاني عن قضية الاعتقال السياسي منذ نهايات القرن العشرين إلى مابعد بداية الثورة السورية، والأوضاع الحياتية للمعتقلين داخل الفروع الأمنية، والاطلالة على أوضاع المعتقلين داخل السجون المركزية. توضح إلى أي حد لا يتم التركيز على قضية الاعتقال السياسي.
ويلحظ المتابع أنه لا يتم التعامل مع هذه القضية بمنهجية واضحة ومعلومة للجميع سواءً كان للقوى السياسية المجتمعية والممثلة في الهيئة العليا للمفاوضات، أو عند القوى السياسية متفرقة كهيئات وأحزاب.
إن قضية الاعتقال السياسي تحتاج إلى هيئات وقوى تعمل بمنهجية وأسلوب عمل واضح للجميع بعيداً عن احتكار المعلومات والقوائم، لكي تنتقل من حيز الخصخصة النضالية إلى حيز قضية رأي عام سوري دولي ضاغط على النظام وداعميه حتى تتمكن قوى الثورة والمعارضة من انتزاع المعتقلين جميعاً من براثن النظام. فقضية الاعتقال السياسي يجب أن تكون احدى مفاتيح الدخول للعملية السياسية وليس في صلب عملية التفاوض مثلها مثل “الهدنة، الملف الإغاثي”، قضية فوق تفاوضية.
خاص “شبكة المرأة السورية”