حذام زهور عدي
كما كثير غيري ملأتني مشاعر الغضب والاشمئزاز والألم على ماحدث للفتيات السوريات على يد الذئاب البشرية، وبكل تأكيد ستكون المشاعر نفسها لو كانت الفتيات من أيّة جنسية أخرى فما حدث، وإن كانت له علاقة بالكارثة السوريّة، إلا أنه مرفوض تماماً في مجتمع البشريّة التي في انهيارها الشرق أوسطي وصلت إلى أشد مستوى من الانحطاط والقذارة.
لكنَ الكارثة السوريّة لها مكانتها المتميزة في هذه الفضيحة، بسبب مسؤوليّة من يُفترض بهم حماية أبناء الشعب السوريّ من الانزلاق في مثل هذه المهاوي، إن اعتبر نفسه أو اعتبره من يُحيط به رئيساً بالشرعيّة القانونية أو حتى بالشرعيّة المزيفة. إذ من المدهش والغريب أن يقف نظامه وموالوه موقف الشامت الوالغ في نشر الفضيحة بتفاصيلها الدقيقة المُقرفة وبمشاعر ولغة تقول: ألم نقل لكم أن تختاروا مثل هذا الذل لكم ولبناتكم ولأولادكم أو تقنعوا وتسكتوا وتستسلموا لسلطتنا؟! وكأن لسان حالهم يرد على هتاف الأحرار “الموت ولا المذلة” بموقف”الموت والمذلة”.
لقد ردّ النظام الأسدي على صوت الكرامة والحريّة باستنفار أقصى طاقته وطاقة حلفائه بإذلال الشعب السوريّ، وما حدث للسوريات في تلك الشبكة صورة واحدة من صور ذلك الإذلال وإن تكن أشدّها سواداً…النظام الأسدي الذي شرّد وقتل وخرَب، هو المسؤول الأوّل عن وقوع السوريّات بتلك الشبكة، ومن يدري فقد تكشف التحقيقات مستقبلاً علاقة أجهزته بما حصل ويحصل!
من جهة أخرى …كان أبناء الثورة يأملون من تنظيمات مجتمعهم المدني وقيادتهم السياسية العمل على إجهاض أهداف النظام الأسدي بإذلال الشعب، صحيح أن الحمل كان أثقل من قدرتهم على حمله، وأنّ القيادات الشابّة المستنيرة استطاع القنص والاعتقال والهروب من الموت أن يشلّ تأثيرها، وصحيح أنّ الحاجة كانت أكبر من إعانات الأصدقاء دولاً كانت أم أفراداً، لكنّ ضعف الشفافية ووجود من خانهم ضميرهم فعاثوا فساداً وعمّقوا جراح الشعب المكلوم، أضعف إمكانية العمل على مشاريع تُنقذ أمثال هؤلاء السوريّات من هذا المصير.
أتمنى وآمل من تنظيمات المرأة السورية – وليست بالقليلة- ومهما كانت خلفياتها السياسية ورأيها بالثورة والحلول، عدم الولوغ في موقف شامت أو بعيد عن هذه المأساة، فمثل هذه القذارة لن تكون بعيدة عن أحد، الموالي والمعارض، أبناء الطوائف والإثنيات كافة، إذ عندما تشتعل النار تلتهم الأخضر واليابس، ولن تفرق في عُميها بين أحد منهم.
إن إنقاذ الفتيات ال75 صدفة اليوم، لايعني عدم وجود مئات من أمثالهن ولاسيما في البيئة اللبنانية، وجيد ما تفعله شبكة المرأة السورية بالاتصال مع المنظمات المدنية العالمية لتسفيرهن من لبنان، خوفاً عليهن، وإعادة تأهليهن النفسي والجسدي، لكنّ الأجود حتماً إيجاد حلّ شبه جذري لتلك المعاناة، خارج الحلّ الجذريّ في الانتقال السياسي ومحاسبة المجرمين، وهذا ليس معجزة لا تستطيع تنظيمات المجتمع المدني تحقيقها، إنّ وجود مثل تلك المنظمات بين أوساط المخيّمات والمشرّدات في الداخل والخارج، يسمح بتوعية الفتيات ورصد المحاولات الذئبيّة للتغرير بهن، وبالوقت نفسه توسيع فكرة المشاريع الصغيرة التي تحلّ نسبيّا مشكلة إنقاذهن وعائلاتهن من الحاجة التي هي أم الرذائل .
ومن أجل ذلك أقترح إنشاء صندوق باسم المرأة السورية يضع أو تضع فيه كل مغترب أو مغتربة دولاراً واحداً شهريّاً يغطي المشاريع المقترحة، ويوضع تحت إدارة ذات مصداقية مشهود لها، وبمراقبة جهة أمميّة أو لجنة مراقبة ثوريّة، يقدّم كشفاً بالمشاريع والكلفة كل شهرين أو ثلاثة، وفق ما ترى اللجنة المراقبة وتعلن للعلن بشفافيّة تامة، لتطمئن القلوب، كما يتولّى أعضاء التنظيمات المدنيّة ذات الصلة المساعدة في تسويق المنتجات.
أعتقد أن مثل هذا المشروع لا يكلّف أحداً بما لايُطيقه ولكنه يغنينا عن السؤال، سؤال المانحين وغيرهم ممّن يقدم مساعدات شحيحة ومشروطة، ويجعلنا نضع حلولاً جذريّة للمشاكل التي تسبّب النظام الأسدي بها ووقع الثوار بشراكها، إن تحقيق مثل هذا الاقتراح لايُتيح لنا وضع حلول شبه جذريّة للحالات السابقة وأمثالها فقط، وإنّما يخلق لدينا مجموعات من المتطوعين المدرّبين على أعمال المجتمع المدني المستقبلي، ويجلب احترام العالم لثورتنا وحماس القريب والبعيد لمساعدتنا عندما يرون شعباً جديراً بالكرامة والحريّة والنزوع الحضاريّ. وأظن أن بيت الشعر المشهور ينطبق أيضاً على حالتنا “ماحكّ جلدك مثل ظفرك… فتولَ أنت جميع أمرك.
بغير هذا لاتستطيع الثورة الردّ على النظام الأسدي، المسؤول الأوّل عن كل ما جرى ويجري من كوارث ومآسٍ للشعب السوري العظيم.
عن موقع “أورينت”