محمد الأعسر
نطالع أفكار ما بعد الحداثة حين نقرأ للأمريكيّ المصريّ إيهاب حسن، ونطالع أفكار ما بعد الكولونيالية حين نقرأ نقّاد العالم الثالث وبخاصة الهنديّ هومي بابا، أما أفكار النزعة النسوية فنراها عند البريطانية عرّابة تحرير المرأة جيرمين جرير، التي أصدرت كتباً عديدة توضح أفكارها، منها: المرأة المدجنة، الجنس العقبة، الجنس والمصير، الملابس التحتية للمرأة المجنونة، أبانا الذي لا نعرفك، المرأة الكاملة.
ومع التحولات العنيفة التي تدور حالياً في عالمنا المجنون، الحروب والتدمير وهواننا أمام الغرب وتسلّط الرأسمالية العمياء، تعمد النُظم العالمية الجديدة للتأثير على حياة المرأة عاطفياً ومادياً، ويبدو أنه لا توجد نهاية (منظورة على الأقل!) للعلاقة الملتبسة المعتمة بين الراحة التي تتمتع بها المرأة بالعالم الأول وعاقبتها أو أساسها استغلال المرأة بالعالم الثالث. وهي بعض سمات مرحلة يُطلق عليها “ما بعد المساواة”، بعد المماحكات والمتاعب والمظالم التي نالت المرأة وعالمها من جراء فكرة “المساواة” منذ خمسينات القرن السالف، وما تلاها.
على المرأة الآن أن تكون نفسها، فتأخذ زمام المبادرة، من واقع عقلها وضميرها، تهتم بالمزيد من الثقافة العامة، أكثر من المزيد من أدوات التجميل وجراحات التجميل. لقد قطعت المرأة شوطاً طويلاً وعليها أن تستصلح الآن أرضاً ملحية بيضاء تتعلق بثقتها بنفسها، بجسمها البكر، بمرونتها أمام الحياة، وقدرتها على التغيير بل والتكيّف.
فالمرأة تملك قدرة كبيرة على استقلالية التفكير بما يمكّنها من التخلّص من قفص فرضته على نفسها أكثر مما فرضه عليها الرجل. فقد كانت تصرخ في الماضي طلباً لمساواة لا طائل من ورائها، أما الآن فماتت هذه النزعة إلى المساواة، أصبحت هدفاً باهظ الكُلفة بل فكرة جوفاء تهدّد بتحميلها فوق طاقتها. حتى تطرفت إحداهن بمعرض كلامها عن “المساواة المزعومة”، فقالت: “الرجل مخلوق (أدنى) ولا يشرفنا نحن النساء (المساواة) به”. ودليلها أنه يتم حالياً بأوربا تأجير “رجل بالساعة” لأداء أعمال منزلية أو جلّيس أطفال حتى تعود “المبجّلة” من عملها “المَصون”.
بعيداً عن هذه المغالاة، ثمة مطالب جديدة للمرأة، خاصة بعد تلك الثورات (المغدورة)، عليها نُشدان ما يبعد عنها شبح التمييز والاستغلال الجنسي والبطالة (خاصة بعد حَمل!) أسوة بالرجل الذي صار أكثر محافظةً وتعنّتاً مقابل فردانية المرأة وشخصيتها الحرة لكن فيما يفيد من دون فوضى، إلى المزيد من حقوقها السياسية كالانتخاب والوظائف العليا كالتوزير والقضاء مما يستلزم فتح آفاق مستنيرة أمام المرأة، خاصة العربية بعدما صار ويصير، فقد نلقى بين يديها بعض الشفاء مما نعاني.
وعلى رغم أن أعداد النساء تفوق حالياً أعداد الرجال في العالم، إلا أن ثلاثة أرباع طاقة العمل النسوية لا تزال بوظائف دنيا ورواتب أدنى (فهنّ الناقصات!) ويتعرضن لتحرّشات جنسية في العمل والشارع وكلّ مكان. وقد يكون النجاح “طبيعياً” عند الرجل، أما عند المرأة فهو “استثناء”، فلا يزال عليهن بذل أضعاف ما يبذله الرجل لتحقيق ما يُعدّ “طبيعياً” و”فطرة” غير قابلة للاستفهام.
ولتنقذ المرأة ذاتها من مصير بات محتوماً، فعليها أن تُحرّر رأسها أكثر من جسمها، وتعمد إلى تنوير ذهنها أكثر من تلوين عينيها، حتى لا تعود مجرد فرس أعمى تدور بالرهان حول أهداف عبثية، حتى لا تموت وهي تدفن نفسها وأحلامها بداخلها. وفي النهاية، نقول مع جرير إنه “حين لا نعود نسأل عن جنس المولود ذكراً أو أنثى، حين نسأل عن لون عين المولود لا لون جلده، فعندئذ وحسب سيصبح الرجال والنساء معاً كائنات اجتماعية متساوية، ولا تعود ثمة حاجة للسؤال عن النوع أو كتابته أصلاً في بطاقات هويتنا”.