جمانة علي
قليلاً ما ركزت الصحافة العربية أو الدولية على دور المرأة في الثورة السورية، وتصدرها لسياسات النظام الغاشمة وتعرضها للاعتقالات والتعذيب والاضطهاد وفقد الأبناء والزوج والأقارب، والعيش في ظل خوف دائم من انتهاكات، أو تبعات اتهامات ملفقة.
كما يغيب أو يُغيب قسراً حضور المرأة وتمثيلها في صفوف المعارضة السياسية، وهذه نقطة تُعد أيضاً نقيصة بحق المعارضة السورية، والتي لاقت من دعم المرأة وصبرها ومساندتها للثوار الشيء الكثير.
وفي الواقع، يتبين من خلال جميع التقارير التي ترد من سوريا الداخل، أو من الساحات الخارجية، أن النساء يُستبعدن بشكل مقصود عن صناعة القرار السياسي. ولا تحظى النساء ولا الشباب إلا بتمثيل ضئيل جداً ضمن صفوف المجالس المحلية، أو في تشكيلات الائتلاف الوطني السوري. وبرغم ذلك كله، مارست السوريات دوراً أساسياً عبر جميع مراحل الثورة، وهو دور طرأت عليه تحولات عدة رداً على شدة العنف والتطورات المتسارعة على الأرض.
لا حقوق سياسية
وعند دراسة أوضاع النساء في سوريا، سواء الآن أو قبل اندلاع الثورة، وبدون الأخذ بعين الاعتبار البنية السياسية الحكومية، والتي تعتمد على عناصر مخابراتها، وعشرات الأجهزة الأمنية، نرى أنه لا فائدة تُرجى إن كنا نريد معرفة كيف تأثرت حقوق النساء بشكل مباشر بالسياسات الرسمية الداخلية.
تقول امرأة رفضت الإعراب عن اسمها خوفاً على ذويها الذين ما زالوا يقيمون في مناطق خاضعة لسيطرة النظام “كامرأة عشت معظم حياتي في سوريا، وأثناء دراستي الجامعية، لم أجرؤ، مثلاً، على إطلاق مجلة نسائية، دون أن تخضع لإشراف مؤسسة حكومية. وقد شكل حزب البعث الحاكم أفرعاً للاتحاد الوطني لطلبة سوريا في كل جامعة. ولم يقتصر دور ذلك الاتحاد على احتكار أية مبادرة مستقلة يتقدم بها أي طالب، بل عمل كجهاز أمني يراقب ويتابع كل طالب يحاول أن ينظم أي نشاط يتعلق بقضايا مثل الحرب في العراق أو الصراع على فلسطين. وبرغم أن الحكومة كانت تتفاخر بأنها الحامي الوحيد لحقوق الفلسطينيين، ودأبت على مهاجمة الغزو الأمريكي للعراق، إلا أن النظام أدرك تماماً أن أية مبادرة مرتجلة، وحتى لو كانت لنصرة العراق أو فلسطين، قد تمهد الطريق لتنظيم حملة داخلية معارضة، أو تنظيم مجموعات نشطة.
احتلال الفضاء الشعبي
وتتابع تلك السيدة قولها” أذكر هنا أننا نتحدث عن حكومة امتلكت واحتلت الفضاء الشعبي في البلاد، وكل ما يتعلق به، لأكثر من أربعين عاماً. ويتم، في هذا الإطار، تعليم المواطنين بطريقة تمنع عليهم تقديم مبادرات أو التفكير، أو حتى التجرؤ على الحلم بنظام مرتب وفق مستويات سياسية واجتماعية وعسكرية واقتصادية. وهنا يجدر بنا عدم نسيان أن الحكومة نشرت بين مواطنيها ثقافة الخوف عبر الترهيب والترويع كما جرى عند ارتكاب مجزرة حماة في عام 1982، واعتقال عدد من المفكرين واليساريين والإسلاميين، من سوريين وفلسطينيين، وبعضهم سُجن لأكثر من 20 عاماً دون أن تتاح لهم فرصة توكيل محامين، أو الالتقاء بأفراد أسرهم. ولذا يجب أن يكون واضحاً للجميع أن غياب الديموقراطية قد شكل العقبة الرئيسية لضمان وتعزيز حقوق المرأة في سوريا.
نفاق وكذب
وفيما تفاخر النظام السوري بأنه نصير حقوق النساء في سوريا، تشير عدة أمثلة لكذب ذلك الادعاء. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يدعم حكم بشار ذلك التحالف بين طبقة النخبة المحافظة والقبيسيات في دمشق، والذي أثمر حسب صحيفة الحياة، عن بناء 80 مدرسة في دمشق لوحدها، احتضنت أكثر من 75 ألف طالبة. ولكن النظام أخفق في إصلاح قوانين الأحوال الشخصية، وأصر على تعيين الوزيرات في مواقع غير ذات أهمية.
وربما تعطي نظرة سريعة على مواقف الاتحاد النسائي العام من تجاوزات بحق المرأة أكبر مثال على الفشل في تمكين المرأة السورية من تبوء مكانة لائقة بها. فقد أخفقت هذه المؤسسة الرسمية في طرح قضية” جرائم الشرف” بوصفها حالة أو فضيحة اجتماعية يجب التصدي لها، عوضاً عن التزام الصمت حيال سريان قانون يقضي بمعاقبة القاتل بالسجن لمدة ستة أشهر، وفقاً للمادة 548 من قانون العقوبات الذي صيغ طبقاً لقانون فرنسي صدر في عام 1810. ومما يثير السخرية أن بشار الأسد لم يقدم على تعديل تلك العقوبة بسجن القاتل لمدة أقصاها خمس سنوات، إلا بعد انطلاق ثورتي تونس ومصر في عام 2011. ويومها نظر عدد كبير من السوريين إلى ذلك القانون بوصفه محاولة بائسة لتصوير نفسه كحامٍ ومنقذٍ للنساء.
فضاءات جديدة
من الجدير بالذكر أن أول شخص تجرأ وطلب علانية من بشار الأسد التنحي عن السلطة، كان في الواقع امرأة، ومن أقلية طائفية، الدروز. فقد طالبت منتهى الأطرش، ابنة سلطان الأطرش، زعيم الثورة السورية الكبرى لعام 1925، يوم 12 نيسان/إبريل، 2011، وفي يوم عمت فيه جميع أرجاء سوريا مظاهرات شعبية نادى أصحابها بإجراء إصلاحات، وليس قلب النظام، طالبت منتهى الأطرش، عبر لقاء مع جريدة الشرق الأوسط، الأسد بترك السلطة استجابة لاحتجاجات سلمية.
وفي عام 2011، كانت الناشطة رزان زيتونة إحدى عدة أشخاص كتبوا وبعثوا إلى العالم برسائل عن الاحتجاجات في دمشق وضواحيها. وقد نزلت السوريات إلى الشوارع جنباً لجنب إخوانهن وأزواجهن وآبائهن وأقربائهن، وتعرضن للاعتقال، ومنهن ضحى حسن، فلسطينية، ونورا الغميان وهنادي زحلوط، وريما فليحان ومي سكاف، ولينا محمد، وكثيرات غيرهن.
ولا بد من الإشارة إلى استهداف النظام للرجال خاصة في حملات الاعتقال والمطاردة، ولكن تعرض النساء للسجن والتعذيب كان أقسى وأشد وطأة عليهن، فضلاً عن الوصمة الاجتماعية التي تلحق بهن بعد الخروج من السجن، والمعاناة النفسية لمن تعرض لاغتصاب أو تحرش.
تحدٍ وابتكار
وبرغم ذلك، بدأت النساء السوريات تنظيم أنفسهن، منذ عام 2012، وفق تجمعات نسوية، مثل هيئة نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية (سند). وقد تركز نشاط الهيئة الرئيسي في تقديم الدعم والمساعدات لأسر الشهداء والمعتقلين. وفي وقت لاحق، اتسع نشاط سند لدعم النشطاء والذين فقدوا وظائفهم، لأسباب سياسية، أو لأنهم أضطروا للتواري عن الأنظار بعدما علموا أنهم مطلوبون من قبل النظام. وقامت المسؤولات عن الهيئة بجمع التبرعات من الدوائر المقربة لهن، ودعم النشطاء والأطباء والممرضين الذين واصلوا تقديم خدماتهم للجرحى وللمرضى المحتاجين لأدوية وعلاج.
وكان لمثل ذلك التفاعل الاجتماعي، والبعيد عن العلاقة السائدة في الدوائر الحكومية بين الموظف والمواطن، هو الابتكار الحقيقي الذي أثمر عن القضاء على بعض الصور النمطية التي تعطى عن تلك التجمعات، ولتوضيح أشياء عديدة.
لكن، ومع تواجد مجالات جديدة للعمل والنشاط الاجتماعي خلال العامين الأوليين للثورة الشعبية السورية، بدأت تلك النشاطات بالتلاشي لاحقاً جراء ارتفاع وتيرة القمع الوحشي الذي مارسه النظام بحق النشطاء خاصة، والمعارضين عامة، مما ساهم في زيادة عسكرة الثورة. وهكذا بدأت النساء الثوريات، واللاتي عملن على جبهة سلمية وغير عنفية، يواجهن واقعاً مريراً جديداً، وهو الحرب. وكان عليهن ابتكار تكتيكات جديدة من أجل الرد على وحشية وقصف وهمجية النظام، وللإبقاء على صوت الحق والحرية مرفوعاً إلى أن تتحقق مطالب السوريين في حياة عادلة كريمة.
خاص “شبكة المرأة السورية”