هالة الحسن
يحتفل العالم في 8 آذار من كل عام باليوم العالمي للمرأة كتقدير لها في جميع مناحي الحياة، وليس فقط كونها نصف المجتمع، فقد استحقت هذا اليوم بنضالها المستمر، ولم يكن منحة لها. كان للحركة العمالية في بداية القرن العشرين آثارها التي أدت إلى الاحتفال بهذا اليوم الذي نستعرض هنا لمحة سريعة عنه. فهذا اليوم يدرج ضمن احتفاليات الأمم المتحدة ويعتبره الكثير من الدول يوم عطلة وطنية مثل روسيا وكوريا والصين وفيتنام وغيرها, ففي الوقت الذي تفصل فيه الحدود السياسية بين نساء الأمم وتفرق بينهن الاختلافات العرقية واللغوية والثقافية والاقتصادية، يجمع يوم المرأة العالمي كل نساء العالم للاحتفا بيومهن هذا.
أولى النساء اللاتي قمن بحركات احتجاجية كان هدفهن هو العمل في ظروف إنسانية. وبدأت الحكاية في 8 آذار / مارس 1857 بنيويورك حين لجأت النساء إلى الاحتجاج على الظروف غير الإنسانية وطالبن بتحديد 10 ساعات عمل يومياً. ولم تقابل تظاهرة النساء العاملات بالتأييد أو الدعم، وإنما تعاملت معها الشرطة حينها بمزيد من القمع بحيث تم تفرقة المتظاهرات سريعاً.
وبعد 51 عاماً كرر التاريخ نفسه، حيث قامت عاملات النسيج مرةً أخرى بالاحتجاج، مجددات نفس المطالب، وأضافوا عليها مطلب الحق في التصويت بالانتخابات، ووقف عمالة الأطفال، ووضع حد لاستغلال أصحاب المصانع للنساء، إلا أنهن رفعن في أيديهن الخبز والورود، وقامت الشرطة أيضا بتكرار بفض التظاهرة.
وفي عام 1910 خرج اجتماع الاشتراكيين الدولي في كوبنهاغن بتمييز يوم عالمي للمرأة تشريفاً لحركة حقوق النساء وللمساعدة في تحقيق مصادقة دولية للنساء. وقد وافق المؤتمر على هذا المقترح بالإجماع من قبل أكثر من 100 مشاركة مثلن 17 دولة وبينهن 3 من عضوات البرلمان الفنلندي، إلا أ ن المقترح لم يحدد تاريخاً احتفالياً لهذا اليوم. في عام 1911كنتيجة لقرارات مؤتمر كوبنهاغن لعام 1910، حدد يوم (19 آذار/مارس) للاحتفال بيوم المرأة العالمي في كل من النمسا والدنمرك وألمانيا وسويسرا. وقد خرجت حشود من أكثر من مليون امرأة ورجل مطالبين بمنح حق التصويت والعمل في مكاتب الخدمة العامة، وبحقوق العمل والتدريب المهني، وإنهاء التمييز في الوظائف.
وفي غضون أقل من أسبوع، في (25 مارس) أودى “حريق المثلث” الفاجع في نيويورك بحياة أكثر من 140 فتاة عاملة أكثرهن من أصل إيطالي ومن الجاليات اليهودية المهاجرة، وقد كان لهذا الحادث تأثيراً كبيراً على تحسين تشريعات العمل في الولايات المتحدة، كما احتضنت احتفاليات اليوم العالمي للمرأة التالية لهذه الفاجعة المطالبة بتحسين أوضاع العمل التي قادت إلى مثل تلك الكارثة. وفي عامي 1913 و1914 أصبح اليوم العالمي للمرأة آلية للاعتراض على الحرب العالمية الأولى.
وعلى خلفية الحروب، بدأت الروسيات بالاحتفال بيوم المرأة العالمي في العام 1917، حتى أنهن رفعن شعار “الخبز والسلام” في الأحد الأخير من شهر شباط/ فبراير وبعد 4 أيام فقط من التظاهرة تنازل القيصر ومنح النساء الحق في الاقتراع.
ومن يومها، أعتبر اليوم العالمي للمرأة كبعد جديد عالمي لتقدم النساء في كل من الدول النامية والمتطورة على حد سواء، وقد ساعدت الحركة النسوية العالمية الصاعدة، في جعل الاحتفالية بيوم المرأة العالمي كيوم للحشود النسوية لتنسيق الجهود فيما بينها المطالبة بحقوق النساء و المشاركة في العملية السياسية و الاقتصادية.
ويرى المحللون أن الثورات ساهمت في رفع حقوق المرأة منذ الثورة الفرنسية عام 1789، فقد ساعدت تلك الثورات بتحرك المرأة ومنها ثورات الربيع العربي التي كان للمرأة الدور الأبرز فيها، فهي من تصدرت المظاهرات جنباً إلى جنب مع الرجل وقالت كلمتها ملخصة بـ”حريتي هي جزء من حرية مجتمعي ووطني”. ودفعت الأثمان الباهظة، فهي المعتقلة والشهيدة وهي الأم الثكلى والزوجة المجروحة من فقدان زوجها أو طفلها أو أخيها وما عانته المرأة خلال ثورات الربيع العربي يستحق أن نقف له وقفة إجلال واحترام، فهي ستستمر بنضالها للحصول على حريتها غير منقوصة وصناعة مجتمع حر لها.
ويمثل يوم المرأة العالمي الوقت المناسب للتأثير على التقدم الذي أحرز وللدعوة من أجل التعبير والاحتفال بالأعمال الشجاعة والمصممة للنساء اللاتي لعبن أدواراً غير اعتيادية في تاريخ حقوق النساء. وفي النهاية اليوم العالمي للمرأة، هو قصة نساء عاديات لكنهن صانعات للتاريخ ، فللوهلة الأولى حين تسمع عن اليوم العالمي للمرأة، تظن أنه يومٌ ابتكرته الناشطات النسويات لدعم حقوق المرأة وطلب المساواة بالرجل، لكن هذا غير حقيقي، فهناك العديد من المعلومات حول هذا اليوم غير شائعة، وهو قصة ضاربة في عمق النضال التاريخي من أجل المشاركة في الحياة الاجتماعية على قدم المساواة مع الرجل فتحية لكن . يذكر أن منظمة الأمم المتحدة لم تعترف بهذا اليوم لعقود، ووافقت على تبني تلك المناسبة فقط في العام 1977.
وتدعو الأمم المتحدة للاحتفال بالمرأة هذا العام بمبادرة “أعدوها”، بهدف إعداد المرأة للمساواة والتمكين، وضمان تقديم التعليم الابتدائي والثانوي مجاناً والقضاء على جميع الممارسات الضارة، من قبيل زواج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري والاستغلال الجنسي بحلول العام 2030.
خاص “شبكة المرأة السورية”