نجاح سفر
يُكرّس الإعلام المحلي والدولي مساحة لا بأس بها لتناول قضايا النساء السوريات في سياق الصراع السوري. لكن الجزء الأكبر من تغطيته لقضايا المرأة السورية يذهب إلى تمجيد مشاركتها في أي مجال سياسي، خصوصاً في مفاوضات السلام الرسمية وحل النزاعات، التي ينخفض تمثيلها فيها إلى أدنى نسبه، رغم أن ذلك يعتبر خرقاً وكسراً لقرار مجلس الأمن 1325، الذي أجيز عام 2000 حول المرأة والسلام والأمن. فهناك مادة خاصة تؤكد ضرورة زيادة دور المرأة في بناء السلام والمفاوضات وحل الصراع، سواء على الصعيد الفردي من حيث مشاركتها في عمليات السلام الرسمية أو دور النساء في مجموعات المجتمع المدني كرأي استشاري للشخصيات الرئيسية في مفاوضات السلام.
لكن هذه الدعوة لم تلق آذاناً صاغية، إذ عبّر مجلس الأمن عام 2009 عن قلقه العميق لعدم مشاركة المرأة في جميع مراحل عملية السلام، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتمثيلها في الأدوار الرسمية في عمليات الوساطة، فأصدر القرار رقم 1889، معززاً الحاجة إلى تنفيذ ورصد القرار 1325.
واليوم، وبعد مرور أكثر من ست سنوات على قرار مجلس الأمن الأخير، فإن معدل مشاركة المرأة في مفاوضات السلام الرسمية، سواء كانت من المفاوضين، الوسطاء، الموقعين أو الشهود ما زال ضئيلاً. فقد استعرض تقرير للأمين العام للأمم المتحدة عام 2012 أنه في 14 عملية من مفاوضات السلام التي اشتركت الأمم المتحدة عام 2011 في إدارتها، تم إدراج أربع نساء فقط في فرق التفاوض.
المرأة تنهي الحرب
ننتظر، كما انتظر “فيكتور هوغو”، أن تنهي المرأة الحرب. فمنذ اليوم الأول للثورة السورية، كان للمرأة دور رئيس فيها، لكن عندما يستلزم الأمر مشاركتها سياسياً، تكون على الهامش، فتحضر بأعداد رمزية قد تصل لامرأة واحدة أو اثنتين، ليطبل الإعلام بتلك المشاركة مؤكداً على منح المرأة حقها في المشاركة السياسية. مما استدعى مطالبة نساء سوريات لمجلس الأمن بالضغط لإشراك المرأة السورية في عملية التفاوض للتوصل إلى حل سياسي في سوريا، والتأكيد على حضورها بنسبة 30% في كل لجان التفاوض وكل مراحل العملية التفاوضية في جنيف.
الإعلام لعب دوراً سلبياً في تغطيته مشاركة المرأة السورية في العملية التفاوضية، فضخم ذلك الدور، ودفعها للانزلاق في أفخاخ المهاترات السياسية، واستخدام حقها في خوض المعارك السياسية. فكثيراً ما نسمعهم يرددون ذكر حق المرأة ويطالبون به في مواسم معينة وظروف محددة، لكنهم يتغاضون عن ذلك إلى أن يأتي موسم جديد. كما يصور الإعلام وجود المرأة في العملية السياسية على أنه معركة ضد الرجل، لا كحق يجب أن ترعاه القوانين باعتبارها طرفاً أساسياً في الحياة المدنية والسياسية، ويحق لها ممارسة أي نشاط فكري أو سياسي.
لقد أظهر الإعلام المرأة السورية وكأنها تستجدي حريتها وحقها من الرجل، لكنها لم تنتظره منحها حقها في ممارسة العمل السياسي، بل سعت إلى هذا الحق وناضلت في سبيله بنفسها وبقدراتها الثقافية والفكرية.
ورغم التطور الإيجابي خلال السنوات القليلة الماضية تجاه صورة المرأة في الإعلام، إلا أنها لم تسهم في تغيير الصورة النمطية الراسخة في الذهنية المجتمعية لكل من المرأة والرجل، إذ يتطلب الأمر سياسات إعلامية جندرية موجهة، بعيداً عن التركيز على الدور التقليدي للمرأة مثل أمور الطهي والمطبخ والأطفال والأزياء والتجميل وصيحات الموضة، في الوقت الذي يتم فيه إقصاؤها عن الأدوار الأخرى باعتبارها كائناً منتجاً في المجتمع.
كما أن هناك تهميشاً إعلامياً لنساء على حساب أخريات، بإهمال الريفيات والعاملات، والاهتمام بالعاملات في وظائف ومهن نخبوية، ويتم استغلال ذلك في وسائل الإعلام كأداة إعلانية أو كمستهلك مقابل إغفال القيم الإنتاجية في المشاركة السياسية والإبداع والفكر. فلا صوت للمرأة الضحية في الإعلام، فيما صوت المرأة الناشطة المتعلمة النخبوية ذات الصلات مع الأوساط الثقافية عالٍ يطغى على الأصوات المتنوعة الأخرى لباقي النساء.
لا شك أن التركيز على مشاركة النساء في صنع السلام، الذي تعتبر العمليات التفاوضية جزء أساسياً منه، هو أمر شديد الأهمية ولا يحتاج إلى مناسبة، لكن الإعلام يبالغ كثيراً في إظهار النساء كمنتصرات حصلن على الكثير من المكاسب، وربما أكثر مما يستحقنه.
لذا يتعين أن يكرس الخطاب السياسي للإعلام المساواةَ الكاملة بين المرأة والرجل، وأن يجسد هذا الخطاب في الممارسات الميدانية باعتماد المعايير الموضوعية والقانونية لحق المرأة في التمثيل السياسي، المعايير التي تعتبر مشاركتها في العملية التفاوضية وحل النزاعات جزءاً أساسياً منه. بالإضافة إلى حشد الدعم لمشاركة النساء بشكل كبير في عملية المفاوضات وتمثيل النساء سياسياً في أي عملية انتقال سياسي أو عدالة انتقالية في سوريا.
مسؤولية الأمم المتحدة
تقول رئيسة تشيلي “ميشيل باشليه”: “أينما وجد نزاع يجب أن تكون المرأة جزءاً من الحل”. لذا تقع مسؤولية إدماج النساء في عملية بناء السلام على الأطراف الدولية، وبالأخص الأمم المتحدة، بحيث لا تساند أي اتفاق سلام يستبعدهن، ويجب أن تطبق آليات مُحكَمة وقواعد تضمن مشاركتهن. هناك حاجة لتخصيص حصة للنساء في قيادة الأحزاب السياسية، لذا تجب مطالبة الأحزاب بالعمل على تمكين كوادرها النسائية.
تاريخياً، بقي مجال المرأة على طاولة صنع القرار خلال النزاع غائباً أو هامشياً، لكن أعداداً متزايدة من النساء والجماعات النسائية أصبحت اليوم تدرك مغزى مشاركتها النشيطة ومساهمتها في عملية السلام، لذا تستخدم أولئك النساء الدعوة لاعتماد نظام الحصة (الكوتا) كإجراء مهم لضمان تواجدهن على طاولات المفاوضات. وقد ساعدت هذه الحصص النساء على المناداة بمطالبهن ومصالحهن خلال عمليات المفاوضات في دول مثل (كينيا، أوغندا، رواندا، ناميبيا والصومال). وهل ننسى الليبيرية “ليما غبوي”، التي ساهمت في وقف الحرب الأهلية في ليبيريا عبر ثورتها النسوية السلميّة، التي استحقت عليها جائزة نوبل للسلام، والأهم من ذلك أن جهودها وغيرها من نساء حركتها مهدت الطريق لوصول امرأة للرئاسة، كانت الأولى لذلك البلد الأفريقي.
ويرجع الفضل في اعتماد نظام الحصة في كثير من الأحوال لجهود الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، أكثر منه إلى الضغط أو جهود الدعوة للحركات والجماعات النسائية المحلية.
وفي الوقت الذي يلعب فيه المجتمع الدولي دوراً رئيساً في إقرار هذه الإجراءات في دول النزاعات، علينا الاعتراف بجهود النساء أنفسهن والمدى الذي حظيت به هذه المطالب من التأييد من القواعد ومنظمات المجتمع المدني. في المقابل، على النساء الاستفادة من الإعلام، من خلال التواصل والعمل مع مؤسساته للتأكيد على ضرورة أن تحظى جهودهن لبناء السلام بالتغطية الإعلامية.
المساواة بين الجنسين
عندما يتحدث الإعلام عن المساواة بين الجنسين، يراعي الحلول التي تركز كثيراً على وضع النساء، لكن غالباً ما يفوته أن تراعي تلك الحلول احتياجات الرجال ودورهم. وتكمن أهمية هذا الأمر في أنه لضمان نجاح واستمرارية وضع النساء على طاولة المفاوضات من الضروري أن يكون الرجال أكثر نشاطاً من النساء أنفسهن في تشجيع المشاركة النسائية. إن تركيز الإعلام في طرحه لمفهوم المساواة بين الجنسين على وضع النساء فقط هو ما سبّب الكثير من ردود الفعل السلبية، فاحتكار النساء للأمر يجعل الرجال يرفضون اعتباره أداة لتحقيق المساواة، ويوحي أن المرأة تأخذ أكثر من حقها.
لكن في البداية يجب أن تتعلم النساء العمل مع بعضهن، وأن يتواصلن للتوافق في الرأي فيما بينهن قبل مفاتحة الرجال، بحيث تستفيد النساء من عددهن، وبهذا يضطر الرجال لالتماس مساعدتهن. وهذا يستدعي تمكين النساء، حتى يكون لديهن قدر من الاستقلال الاقتصادي عندما يحاول الرجال استخدام الأموال لاستقطابهن. يجب أن تكمن قوة النساء في التزامهن بما يمثل مصلحة للرجل العادي، وفي رغبتهن الشديدة في أن تسود العدالة من خلال اتحادهن، بعدها يمكنهن التحدث على مائدة المفاوضات، بحيث يعطين أفضل ما لديهن بتقديم نساء ذكيات قادرات على الدفاع عن مواقفهن.
إدماج النساء
لكن، ورغم قرار الأمم المتحدة 1325، نرى تجاهل الأمم المتحدة وهيئات أخرى مساعدة النساء في الحصول على مكان ضمن مفاوضات السلام وفي السياسة في دول النزاعات. فهناك دائماً وعود بإدماج النساء، وعندما تجري المفاوضات يُتركن ولا يسمح لهن بالمشاركة. هذا ما حدث في معظم مفاوضات السلام في العالم، الأمر الناتج عن عقلية ذكورية تسود حتى في المنظمات الدولية. لذلك فمن الضروري إبراز أهمية إدماج النساء والدفاع عن تمثيل ومشاركة أفضل لهن. ولا بد أن يشمل كفاح النساء ضد الإقصاء إنتاج استراتيجيات تضمن لهن مشاركة جيدة. على النساء فرض أنفسهن ليس فقط كوسيطات بل كصاحبات حلول للنزاعات، وأن يصبحن طرفاً فاعلاً في عملية المصالحة، وعلى العالم أن يسمع أصواتهن.
يذكر أن الدول العربية تعد الأقل عالمياً في مشاركة النساء في العملية السياسية، نتيجة الصعوبات التي تواجه مشاركة المرأة، المرتبطة برؤية صناع القرار والثقافة الشعبية. وعند الحديث عن أوضاع المرأة العربية، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار وجود تفاوت بين المجتمعات العربية في درجة تحرير المرأة والتطوير في عملية مشاركتها وإدماجها، فالتجارب السياسية للدول ودور النخب الفكرية وتراكم عمليات الإصلاح ودرجة الانفتاح على الآخر كلها عوامل تؤثر في مستوى تطور وضعية المرأة هذا بشكل عام.
فالثقافة السائدة في المجتمعات العربية تجاه حقوق المرأة، لا تزال تعمل على مبدأ الإعلاء من قيمة ومكانة الرجل، من خلال تمكينه من تولي مختلف أنواع المسؤولية، ما أدى في الغالب إلى إقصاء المرأة عن المجال السياسي ومواقع صناعة القرار.
باختصار، تحتاج النساء لمساعدة والتزام من المجتمع الدولي بإشراكهن في مفاوضات السلام، بحيث تكون مشاركة إلزامية كضمان للمساواة في عملية السلام. ولضمان تحرر المرأة والتمثيل المتساوي، فإن تحرر الرجال هو المفتاح. ولضمان نجاح واستدامة وضع النساء على طاولة المفاوضات، فمن الضروري أن يأتي هذا التغيير من الرجال.
كما أن على النساء العمل مع بعضهن وتقديم التدريب والاستشارات والاستفادة من شبكة معارفهن ومن المنظمات للوصول إلى أفضل المرشحات لمهمة تدريب النساء على القيادة. وخلال ذلك عليهن أيضاً العمل على تغيير عقليات الرجال، وإثبات امتلاكهن لنفس القدر من الكفاءة ووجوب أن تسمع أصواتهن.