سلمى الدمشقي
بينما ينشغل العالم عبر الشاشات بمفاوضات جنيف للسلام في سورية، ينشغل السوريون في الداخل (حيث لا توجد لديهم رفاهية وجود الكهرباء ليتابعوا المفاوضات) بعالمهم الخاص … عين على السماء تراقب الطائرات وهي تقصف بشكل متواصل ليلا ً نهاراً، وعين على الحواجز خوفاً من سحب مفاجئ الى صفوف الاحتياط في الجيش السوري أو خوفا من اعتقال ما … وهمهم الأكبر تأمين قوت يومهم وإيجاد لقمه لأطفالهم لا تشبعهم ولكن تقيهم من شبح الجوع الذي بات يهدد شرائح جديدة كل يوم.
فبين أسباب “مبررة” وأخرى “غير مبررة”، تستمر أسعار مختلف السلع والمنتجات تحركها الحر نحو الارتفاع في السوق السورية، في الوقت الذي تزيد فيه الحالة الاقتصادية والمعيشية للمواطن السوري سوءاً مع انضمام العديد من العاملين إلى صفوف البطالة. ومع فقدان الليرة السورية الكثير من قيمتها على مدار خمسة أعوام من الأزمة، بات معظم أصحاب رؤوس الأموال يستخدمون الدولار كبديل لليرة السورية، إلا أن ذلك لم يمنع التقلبات المستمرة في السوق، وذلك تبعاً للتغير المستمر لسعر صرف الدولار مقابل الليرة، حيث حالياً سعر صرف الدولار يعادل اربعمائة ليرة سورية بينما كان في عام 2011 يعادل خمسين ليرة سورية. أي أن هناك ارتفاعاً في الأسعار بما يعادل ثمانية أضعاف خلال هذه الخمس سنوات. واذا أشرنا الى ضعف الموارد الحالية حيث لا توجد موارد من السياحة ولا توجد عائدات جمركية بانخفاض كميات الاستيراد والتصدير إلى الحد الادنى، كما انخفضت عائدات البترول وتكاد تصبح معدومة. واذا أضفنا الى هذا كله ارتفاع الميزانية العسكرية ارتفاعاً مخيفاً نرى أن الإيراد المتبقي الوحيد للحكومة السورية الى جانب فرق أسعار صرف تحويلات المغتربين هو الضرائب ورسوم الاستهلاك للخدمات من كهرباء وماء وبريد واتصالات ونقل .
وقد انعكس هذا كله على وضع المواطن السوري حيث أن موظفي الحكومة، وهم الافضل حالاً بين شرائح المجتمع، يتقاضون أجوراً زهيدة وبالليرة السورية، المنهارة بتسارع كبير، ولم تكن الزيادة الأخيرة على الرواتب تساوي شيئاً مقابل جنون الأسعار. حيث يعادل راتب موظف الفئة الاولى والاعلى في رواتب الموظفين حوالي خمس وثلاثين الف ليرة سورية بينما يعادل كيلو اللحمة 4000 ل س و قد تجاوز كيلو السكر 250 ليرة والبيض 1000 ليرة كما أن بعض المواد التي يحتاجها الإنسان بشكل يومي كالخضار و الفواكه ارتفعت بنحو 100% بينما ارتفعت أسعار الادوية بنسبة 150% …
والموظفون أحسن حالاً من غيرهم، فالعمال «المياومون»، في أعمال البناء و الإكساء خصوصاً، وفي بعض المهن المتعلقة بها كالتمديدات الصحية والكهربائية، يتقاضون أجوراً أقل، نتيجة استغلال أرباب العمل، وأصحاب الورش.
ولا مصادر أخرى للدخل سوى بعض تحويلات المغتربين لأهلهم في الداخل، والتي ربما تستفيد منها قلة قليلة من السوريين، ولكن بعد أن تنهب المصارف نسبة كبيرة منها حيث يتم تحويل الدولار الى الليرة السورية بما يعادل 334 ل س ، و تجبر المواطن على استلام نقوده بالليرة السورية.
في تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة الصادر في آذار (مارس) 2014، بلغ عدد النازحين السوريين 9 ملايين مواطن، منهم 6.5 مليون نازح في الداخل السوري، هؤلاء لجأوا إلى مناطق النظام كونها أكثر أمناً، من دون أن تؤمن لهم الحكومة المأوى. هذا ما اضطرهم لاستئجار المنازل. شكل هذا ضغطاً كبيراً على طلب الإيجار، في مناطق دمشق و ريفها، وبعض المناطق الآمنة المتبقية من حلب، وفي طرطوس واللاذقية والسويداء، وحتى في الأرياف البعيدة من المدن. لذلك، ارتفعت أسعار الإيجار نتيجة الطلب المتزايد بشكل مخيف ففي دمشق لا يمكن أن تجد منزلا للإجار مساحة خمسين متر بأقل من خمسين الف ليرة سورية بينما في الضواحي ارتفع ايجار المنزل الى 35 ألف ل س للمنزل العادي والمنزل المفروش يتراوح ايجاره بين 35-50 الف ل س كما انتشرت ظاهرة المنازل على الهيكل حيث تؤجر الغرفة على الهيكل بـ 15 الف ليرة كحد أدنى ، وهي طبعا غير صالحه للسكن في الظروف العادية حيث لا يوجد بها مياه او تمديدات صحية وجدرانها غير معزولة ولا يوجد بها نوافذ للتهوية ، كما أصبحت المحلات تؤجر كغرف للسكن بحد أدنى 20 الف ل س . وطبعا في كل حالات الايجار يبقى المستأجر خاضعا لرحمة المؤجر الذي يمكن له أن يطرده متى شاء حين يرفض زيادة مبلغ الايجار، ولرحمة الوسيط العقاري والذي يأخذ مع كل عملية أجار مبلغ مقطوع يعادل أجار شهر للمنزل المستأجر، ولرحمة الفروع الامنية التي أصبح لزاما على المستأجر أن يحصل على موافقتها حين توقيع عقد الايجار.
وتعد مراكز الايواء من مدارس وجوامع وحتى الحدائق والارصفة مأوى لعدد لابأس به من العائلات حتى في البرد القارص الذي نشهده في هذا الشتاء ، الذي يعد شديد القساوة.
ومع هجرة عدد كبير من الشباب الى الخارج خوفا من الاعتقال او من الخدمة الالزامية للجيش ومع استشهاد أعداد هائلة من الشباب واعتقال واختطاف الآخرين، أصبحت الأم في شريحة كبيرة من العائلات السورية هي المعيلة للعائلة. وكون أغلب الامهات لا يمتلكن تعليماً عالياً ووظائف مناسبة، حلت النساء محل الذكور في العمل في المعامل والحرف والاعمال اليدوية والمهنية. ولا يزيد راتب المرأة في أفضل الاحوال عن 25 ألف ل س، إضافة الى انتشار عمالة الاطفال بشكل مخيف وتعد ظاهرة التسول لدى الاطفال هي المهنة الاساسية لعدد كبير منهم. وكون عدد كبير من هؤلاء الاطفال والكبار أحياناً، للأسف اصبح معاقاً بفقد يد أو قدم أو عين نتيجة القصف المجنون للطائرات، أصبح التسول ظاهرة مشروعة لعدم قدرة هؤلاء المعاقين على اعالة أنفسهم بأي عمل أخر الا بالتسول.
واذا أضفنا الى هذا كله انقطاع الكهرباء المستمر ولمدة تقارب العشر ساعات متصلة في اليوم الواحد وارتفاع أسعار الوقود كالمازوت والغاز المستعملان للتدفئة، يصبح الحطب هو العنصر الوحيد المتوفر للتدفئة. وطبعاً أصبح للحطب تجاره واحتكاره حيث تعطى مناطق من الغوطة مثلا وهي بيد النظام الى تجار محددين لهم علاقات وصداقات مع شباب الحواجز الامنية يقومون بقص أشجار الغوطة وبيعها بأسعار خيالية حيث وصل سعر الطن من الحطب الى حوالي خمسين الف ل س .
وبعد هذا كله واذا عدنا الى المفاوضات السورية والتي تجري الان في جينيف، تبقى هذه المفاوضات ورغم أهميتها هي ترف لا يمكن متابعتها بالنسبة لأغلبية هذا الشعب المقهور، والتي تقلصت أحلامه من الحرية والكرامة التي نادى بها قبل خمس سنوات الى غرفة صغيرة لا تصلها الصواريخ ولا القذائف ولا يهددها شبح البرد والجوع.
خاص “شبكة المرأة السورية”