إعداد: جماعة علي
لا يمكن إنكار حقيقة أن واقع المرأة السورية لا يسر عدو لا صديق، فرغم أن نشاطها قديم وطويل، وقد حققت إنجازات طويلة عبر مسيرة نضالها من حيث حصولها على حق الانتخاب، منذ خمسينات القرن الماضي، ودخولها البرلمان ومجالس الإدارة المحلية. إلا أن هذه المشاركة كانت شكلية أو وهمية بسبب سيطرة الأجهزة الأمنية على قرارات تعيينهن بالغالب.
استعادة زمام المبادرة
وفي بداية الثورة السورية، كان لا بد من العمل لكي تستعيد المرأة زمام المبادرة من خلال المشاركة الفعالة في المظاهرات والنشاط الإعلامي، ليؤدي جنوح الثورة فيما بعد نحو حمل السلاح، لإعادة المرأة مرة أخرى إلى مكامن التقوقع والخوف، والهروب من المواجهة بسبب الاعتقال والخطف والقتل والاغتصاب، ناهيك عن أن النساء السوريات بالداخل والخارج أصبحن نازحات ولاجئات معارضات ومواليات وتحولن إلى المعيل الأساسي لأسرهن بعد فقدانهن المعيل (أب- أخ – زوج – ابن )، إضافة لمخاوفهن من نظم كسب العيش غير الشرعي في اقتصاد الحرب (تهريب – دعارة – انتماءات وانضمام لمواقع مجهولة التمويل … الخ).
كل ذلك أدى لتكريس تخلف المرأة مرة أخرى، وابتعادها عن العمل السياسي، وانتمائها لفضائها الخاص كراعية لشؤون منزلها وحسب، الأمر الذي جعل المهام المطروحة أمام المنظمات النسائية كثيرة جداً، بدءاً من تعليم النساء كيفية إعالة أنفسهن عبر أعمال شرعية، دون أن تنتهي عند تعليمهن كيفية المطالبة بحقوقهن للوصول إلى مراكز القرار أو التفاوض لوضع أرائهن وحقوقهن على مائدة المفاوضات.
محاولات على الدرب
تم الإعلان عن إطلاق مبادرة لنساء سوريات برعاية” مكتب المرأة في الأمم المتحدة” ووزارة الخارجية الهولندية، للتأكيد على حق السوريات في المشاركة في العملية السياسية، وبناء سورية المستقبل والأمل.
غير أن بعض الناشطين السوريين، ومنهم المحسوبين على المثقفين. شككوا في صحة ذلك الخبر، وربما يعود ذلك لفقد السوريين ثقتهم بأي تجمّع سوري، أو لانعدام الثقة بقدرة النساء على عمل شيء مختلف لبلادهن، يتميز عما أنجزته التجمعات السياسية ذات الأكثرية الرجالية المطلقة حتى الآن.
وقد بدأت المبادرة، والتي رعتها الأمم المتحدة قبل شهرين في اجتماع عقد في عمّان، واستكملت في جنيف خلال 11 و12 كانون الثاني (يناير) الجاري، وكانت ترجمة لقرارات عدة صدرت عن الأمم المتحدة، آخرها القرار 2122 الصادر عن مجلـس الأمـن، والذي يشـدّد على أهمية دور النـساء في عـمـلـية السـلام، مطالباً الوسطاء الـدوليـين باسـتشارة القيادات النسائية في أماكن الصراع في مرحلة مبكرة من النزاعات، مع كتابة تقرير في ذلك لأعضاء مجلس الأمن. وطالب القرار الحكومات باعتماد أسماء ناشطات ضمن وفود الأطراف المـتـفاوضـة. ويـسـتند هـذا التوجه إلى خبرات وتجارب سابقة أشـرفـت عليها الأمـم المتحدة، ومـنظـمات دولـية أخـرى، أثـبتـت فيها النساء نجاحاً في تحقيق السلام، وتهدئة صراعات، كما حصل في إيرلندا الشمالية، وفي عدد من بلدان أفريقيا مثل وكينيا وأوغندا وليبيريا وجنوب أفريقيا.
وجه الإنسانية
وهكذا تسعى الأمم المتحدة لوضع النساء السوريات في صدارة عملية السلام للاستفادة من جهودهن ورؤيتهن وخبرتهن في معايشة الأزمة، وذلك انطلاقاً من كونهن وجه الإنسانية وحارسات السلام، وفق تعبير فومزيل ملامبو – نجكوكا، المديرة التنفيذية للجنة المرأة في الأمم المتحدة في كلمتها، والتي قالت فيها«أنا على ثقة بأن النساء السوريات سيغيّرن قواعد اللعبة، وسيكنّ صانعات سلام، وسيلعبن أدواراً هامة في تطوير مجتمعهن. ولن يكون هناك سلام من دون مشاركة نصف المجتمع».
ويشار إلى تميز هذه المبادرة عن سواها من الهيئات السورية، جراء عدم تركيزها على طرف واحد في النزاع. فقد حضرت ممثلات عن مختلف الأطياف السياسية والنسوية، إضافة إلى مستقلات من داخل سورية ومن دول المهجر، وقد جلسن للتحاور حول مـصـير بـلادهـن ودورهـن في صــوغ العـملـية الســيـاسيـة للانتــقـال بسورية الى مرحلة جديدة يعـمّها الأمان والسلام والاســتقرار بعد نزاع دموي ما زال متواصلاً منذ أكثر من ثلاث سنوات اسـتهله الـنـظـام الـسـوري، وانـجرّت إلــيه قـوى مـسـلـحة اسـتـدرجت مقاتلين أجانب أيضاً.
حدة نقاشات
وقد لفت الحاضرين لتلك الاجتماعات تمسك البعض بمطالب محقة، واحتدام النقاش بشأن ضرورة رفع الحصار عن مناطق سورية عديدة، يعاني سكانها من الجوع وسوء التغذية والحرمان من وسائل التدفئة والإنارة، ومعظم مستلزمات العيش الآدمي.
وتطرقت الصحفية السورية غالية قباني في مقالة لها نشرت مؤخراً في جريدة الحياة اللندنية لتلك المبادرة، فكتبت” اجتمعت السوريات في جنيف، وقبلها في عمّان في رعاية الأمم المتحدة وبحضور منظمات نسوية ومجتمع مدني وممثلات عن بعض التنظيمات السياسية، إضافة إلى مستقلات، لدعم تمكينهن من المشاركة في صنع مستقبل سورية وشراكتهن في فض النزاع وعدم استبعادهن عن المفاوضات في أي عملية سياسية مقبلة. وتوافقن في المرتين على اعتماد «جنيف – 1» ومبادئه الستة أساساً لإطلاق مسار تفاوضي حقيقي، يهدف كما ذكرت سميرة التويجري، المديرة الإقليمية للجنة المرأة في الأمم المتحدة، إلى «بناء سلام كامل يضمن عدالة انتقالية وبناء دولة القانون والمواطنة في سورية وكتابة الدستور وتحقيق المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان في سوريـة».
ولم تـغفل المـشـاركـات عن قـضايا تخص النساء تحديداً في هذا النزاع، مثل تزويج البنات القاصرات والإتجار بالمرأة ووجود أعداد كبيرة من النساء والفتيات من معتقلات الرأي أو الإغاثة أو مختطفات رهينات لمعاقبة الرجال النشطاء من أقربائهن. وقد تم التشديد على أسماء ناشطات مثل رزان زيتونة وسميرة الخليل، وأليس مفرج التي اعتقلت عندما راجعت الجهات المختصة في شأن جواز سفرها استعداداً لحضور هذا الملتقى.
ولفتت قباني للنظرة الذكورية الدونية للمرأة والتي ما زال البعض يتمسك بها، ويشكك من خلالها بقدرات المرأة السورية، ويغفل عما حققته من إنجازات علمية يعجز عنها عدد من الرجال.
وثيقة هامة
من جانب آخر، أقر مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، وثيقة هامة هي “الاعلان الوطني للمرأة السورية”، وقد وضحت الناشطة والمعارضة مرح البقاعي، والتي شاركت في المؤتمر وساهمت في إعداد الوثيقة، الدور المستقبلي للمرأة في العمل السياسي، ومؤسسات سوريا ما بعد الأسد.
وقد حملت مرح البقاعي إلى مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، همّاً عامًا يتمثل في العمل على تجنب المحاولات المستمرة لإقصاء المرأة، والعمل على تمكينها من العمل السياسي، لأن تمثيلها سياسياً هو أولوية في سوريا المستقبل. وطالبت البقاعي بضرورة إنشاء “الهيئة النسائية الاستشارية” التي ستكون ضمن وفد المفاوضات المعارض، والتي كانت قد قدمت مشروعها للمؤتمر وتم إقرارها من الهيئة العليا للمفاوضات.
وقالت مرح البقاعي، عضو مؤتمر الرياض للمعارضة السورية” هناك أهمية كبرى لإشراك المرأة في المفاوضات ومحاولة تجذيرها في كل المؤسسات مستقبلاً”.
عبق الثورة
ومنذ أول يوم لانطلاق الثورة السورية، صدح صوت المرأة عالي،اً ووقفت إلى جانب زوجها وأخيها وابنها في المظاهرات، ومن ثم رعت بيتها عندما غاب معيلها الوحيد، بسبب الاعتقال أو القتل أو الاختطاف، وانتهى المطاف بعدد من السوريات لاجئات وحيدات، يعانين مع أطفالهن وحشة الغربة والحاجة.
كانت المرأة السورية عبق الثورة ورحيقها الشذي ولن يستقيم حال السوريين في سوريا المستقبل ما لم يكن هناك برنامج يضمن حقوق المرأة كاملة على الصعد الاجتماعية كافة، وكذا مساواتها الدستورية والقانونية التامة بالرجل في الحقوق والواجبات.
يجب أن يؤكد الدستور القادم في سوريا الجديدة، ومجموعة القوانين الديمقراطية التي ستنبثق عنه، على حرية المرأة واحترام خصوصيتها واحترام جسدها وعقلها وعواطفها، وتضمينها في القوانين والتشريعات كافة، وتمكين نفاذها عن طريق تفعيل الأدوات والمؤسسات الموازية وإنشاء الروادع القانونية والعقابية لكل من يستمر في الاعتداء على هذه الحقوق تحت أي مبرّر.
كما يجب أن ينص الدستور القادم على حق المرأة في العمل السياسي، والشراكة في مواقع القرار العليا بالترشّح لشغل أي منصب في الدولة بما فيها منصب الرئاسة والوزارات السيادية وكذا المناصب القضائية في القضاء المدني والقضاء الدستوري، فضلاً عن ضمان مشاركة المرأة في كل التجمّعات الدولية، وفي لجان التفاوض والمصالحة والسلم الأهلي، وكذا في لجان تأسيس وكتابة الدستور.
اللوحة للتشكيلية السورية “لين البطل”
خاص “شبكة المرأة السورية”