سحر حويجة
غابت المرأة، والأصح أنها غيبت قسراً، لعقود طويلة عن ممارسة حقها في المشاركة السياسية. ويعود غيابها إلى أسباب متعددة منها اجتماعية نتيجة العادات والتقاليد التي تعلي من شأن الرجل وتقلل من شأن المرأة، ونتيجة تقسيم العمل وحصر دور النساء بالإنجاب ورعاية الأطفال، حتى تحول الحيز العام خاص بالرجال، وعليه إبقاء المرأة ضمن فئة المحتاجين الفقراء التي تحتاج للدعم والمساعدة الذي يكرس تبعيتها. كل ذلك يعزز الاستبداد الاجتماعي في صورة سيطرة الرجل على المرأة، الذي يلتقي معه ويغذيه الاستبداد الديني القائم على القيم التقليدية القروسطية والهيمنة الذكورية على المرأة وفرض الوصاية عليها ومراقبتها وشلّ حركتها وتقييد حريتها، وما لذلك من تأثير على القاع الاجتماعي.
الاستبداد الديني قاد إلى تحجر الإسلام في مواجهة الإصلاح الديني بما يتوافق مع قيم العصر واستفاد الاستبداد الديني من الاستبداد السياسي، منذ أكثر من قرن ونصف شرح الكواكبي العلاقة العضوية بين الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، لتآلفهما حيث يتعايش الاستبداد الديني والسياسي ويكملان بعضهما. وقد ربط بين الاستبداد الديني والاستبداد السياسي ورفضهما معاً.
الاستبداد السياسي مازال من أكبر العقبات أمام المشاركة السياسية للمرأة فهو يقوم على تعطيل إمكانات المجتمع في المشاركة السياسية رجالاً ونساء، حيث أن آلية النظام الاستبدادي في المشاركة السياسية تتم عبر عملية تفريغ العمل السياسي من كل محتوى وقيمة وتحويل السياسي إلى طبل أجوف لدعم النظام الحاكم، أما الوصول إلى مواقع القرار، إنه يقوم على المحسوبيات والعلاقات الشخصية والولاء المطلق للنظام والتقرب عبر مسالك صعبة من السلطة لكسب ثقتها، يجعل النظام يعتمد على فئة محدودة في مواقع القرار لا تتغير، يتحولون إلى دمى يتم تحريكهم وفق أهواء ومصالح القائد الأوحد للأبد يتكلمون باسمه ولأجله، وأي تغيير لهذه الدمى ملك يده، لا أهمية لوجودهم إلا لتسيير الأعمال وواجهة سياسية لدعمه. كل ذلك يعيق مشاركة المرأة في الحياة السياسية التي هي معطلة أصلاً في ظل الاستبداد.
في المقابل تبعات المشاركة مع المعارضة السياسية للنظام المستبد، تؤدي بالمعارضين في غياهب السجون والملاحقة، يساهم ذلك في ابتعاد المرأة عن السياسية في صفوف قوى المعارضة.
هذه الأسباب وضعت المجتمع أمام مشكلة في مرحلة الثورة، في أن الحركات والقوى التي وجدت في المراحل السابقة خرجت من الحقل السياسي من عالم المجتمع وتماهت مع السلطات وفق شعارات زائفة ممانعة مقاومة، في المقابل برزت حركات إسلامية عميقة الجذور استخدم بعضها العنف والتعصب خارج عالم السياسة، أما القوى السياسية المعارضة التقليدية بقيت ذات طابع نخبوي على هامش المجتمع.
إن العمل على كشف الرابط بين الديمقراطية والمجتمع المدني من أجل وضع الديمقراطية في سياق المشروع النهضوي بوصف السياسة فاعلية اجتماعية تهدف إلى أوسع مشاركة سياسية للمجتمع رجاله ونسائه على قدم المساواة ما زالت الحلقة المفقودة في فعل القوى السياسية.
شاركت المرأة السورية إلى جانب الرجل بفعالية وزخم في الثورة من أجل التغيير وعودة الحقوق المسلوبة، ومن بينها حقّ النشاط السياسي والتحول الديمقراطي، وكان للمرأة وزنٌ في حركة الاحتجاجات، شاركت بفعالية في التنسيقيات واللجان الثورية التي شكلت أداة أساسية للمشاركة السياسية.
كما دفعت المرأة ثمناً غالياً، في السجن والنزوح والتشرد. وسجلت النساء نسبة عالية ما يقارب السبعين بالمائة مع أطفالهن من اللاجئين في مخيمات اللجوء، وأغلب هؤلاء النساء يحسبن على المناطق المعارضة، التي خرجت عن سيطرة النظام. كما أن نسبة الناشطات اللواتي خرجن هرباً من الاعتقال وانتشرن في أصقاع العالم، شكلن نسبة كبيرة بالنسبة للناشطين الذين غادروا البلاد، وقسم آخر من النساء لم يزلن في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام. كل هذا مؤشرات على استعداد هذه الفئات من النساء للمشاركة في أي عملية سياسية ديمقراطية لأنهنَّ يدفعنَ ضريبة مواقفهن من النظام.
على الرغم من هذه الوقائع، نلاحظ أن المؤسسات السياسية والقوى التي تدعي تمثيل المعارضة والثورة، من المجلس الوطني والائتلاف والحكومة المنبثقة عنه، نجد أن حضور المرأة خجولٌ ليس على مستوى القيادة فحسب بل على مستوى القاعدة، حيث أن المشاركة في الحياة السياسية، يكون على مستويين. بدأنا نتلمس مخاطر الحالة للتنظيمات السورية على العملية الديمقراطية المنشودة حيث تشكل مشاركة المرأة أحد روافعها ومظاهرها، كونها أحد مظاهر التطور والتقدم في المجتمع وكذلك في المنظمات. كما أن مشاركة المرأة أحد مهام القوى السياسية كونها مهمة وطنية على غاية من الأهمية، ويجب أن ينعكس ذلك في برامج هذه القوى وأنظمتها الداخلية التي يجب أن تدعو بما يكفل حضور المرأة في هذه التنظيمات ودعم تمثيلها المتساوي مع الرجل، وأهمية إنشاء مكاتب للمرأة من تشكيلة هذه القوى، والتأكيد الصريح على ضرورة القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة في كل المجالات الدستورية والقانونية والسياسية الاقتصادية، وإدراج هذه القضايا في صلب القضايا الجوهرية والفعاليات السياسية والاجتماعية، والثقافية لهذه القوى.
بما أن التنظيم السياسي يعبر عن مصالح قوى اجتماعية، ويطرح برنامجاً للاستقطاب الجماهيري القاعدي، حتى يصبح حزبا أو تياراً سياسياً لديه النفوذ على فئات اجتماعية يطرح مطالبها وهمومها، ويعبئها في صفوفه وتشارك في نشاطاته، يلعب التنظيم السياسي أهمية في تشكيل رأي عام حول القضايا المطروحة، ومن ثم انتخاب أعضائه ممثلين للجماهير التي يعبر عنها. غير أنه في فحص البرامج السياسية لقوى المعارضة نجد تشابها في البرامج السياسية والشعارات بين هذه القوى: ديمقراطية حقوق إنسان، مواطنة، دون تطبيقها على أرض الواقع. أما على المستوى التنظيمي تنتشر آليات عمل غير ديمقراطية حيث شكلت التوازنات السياسية نتيجة الاعتبارات والولاءات الشخصية وإرضاء للتدخل الخارجي الداعم دوراً حاسماً في تشكيل هذه المؤسسات وانتخاب قادتها، ولم تتأسس على القواعد التي تنتخب قادتها القادرين على قيادة مشروعها السياسي..
بالأرقام وضع المرأة ووزنها في أهم التشكيلات التي تمثل المعارضة: الأرقام مأخوذة من بحث أعدته الكاتبة مها قنوت.
الائتلاف الوطني لقوى المعارضة يضم كتلا سياسية تتشكل من المجلس الوطني وقيادة أركان الجيش الحر والمجالس المحلية والحراك الثوري والمجلس الوطني الكردي، وقوى أخرى إضافة لشخصيات مستقلة. يتألف من الهيئة العامة عدد أعضائها مئة وسبعة عشر عضواً، من بينهم تسع نساء. الهيئات القيادية الهيئة السياسية عدد أعضائها أربعة وعشرون عضواً من بينهم ثلاث نساء لم ترشح أي امرأة للأمانة العامة وتم قبولها نائبة.
هيئة التنسيق الوطني تتألف من عشرة أحزاب وعديد من الشخصيات المستقلة. المكتب التنفيذي يتألف من 25 عضواً بينهم ثلاث نساء.
تيار الديمقراطيين السوريين عدد النساء في صفوفه 150 من أصل ألف ومئتي عضو، أما على مستوى القيادة اللجنة التنفيذية تضم ثلاث نساء من أصل أحد عشر عضوا.
حزب الجمهورية عدد الأعضاء وقت التأسيس 87 بينهم ست نساء فقط في القيادة. الأمانة العامة 21 عضواً عدد النساء أربعة، أما في اللجنة التنفيذية يوجد سيدتان من سبعة أعضاء أي كل أعضاء الحزب من النساء في القيادة .
المجلس الوطني السوري أحد مكونات الائتلاف المعارض يتألف من عدة قوى ومكونات من بينهم الاخوان المسلمون وإعلان دمشق وكتلة المستقلين الليبراليين والكتلة الكردية أيضا ممثلين عن الحراك الثوري والكتلة الوطنية، إضافة إلى شخصيات مستقلة.
المكتب التنفيذي هيئته العليا تتألف من اثنين وأربعين عضواً من بينهم ثلاث نساء لا وجود للنساء في المكتب التنفيذي أعلى هيئة في المجلس عدد أعضائه 3.
منبر النداء الوطني عدد أعضاء الامانة العامة 17 بينهم سيدتان وسيدتان في المكتب التنظيمي من أصل سبعة أعضاء. المكتب السياسي خمسة أعضاء من بينهم سيدة واحدة.
المجلس الوطني الكردي يتألف من 11 حزباً كردياً ومن فعاليات ثقافية واجتماعية وسياسية نسبة تمثيل النساء 14 % وهو أحد مكونات الائتلاف الوطني المعارض.
حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أحد مكونات هيئة التنسيق يعتمد الحزب مبدأ الرئاسة المشتركة رجل وامرأة نسبة تمثيل المرأة 40 بالمائة. مجلس الحزب 25 عضواً بينهم 12 امرأة، اللجنة التنفيذية تتكون من 11 عضواً بينهم تسع نساء إدارة المحافظة هيئة قيادية في إدارة المناطق يتكون من 5 ـ 9 أعضاء نسبة النساء 40% شكل الحزب جناحين عسكريين وحدة حماية الشعب ووحدة حماية المرأة.
نلاحظ أنه بعد الثورة تشكلت عشرات من التيارات السياسية والتشكيلات الثورية والإعلام البديل والقوى المدنية والأحزاب في مناطق اللجوء ولها امتداد في الداخل، قوى تطالب بالحرية والديمقراطية والمواطنة.
في المقابل نمت نزعات الكراهية والانقسام الطائفي التي غذت القوى الرجعية الظلامية في الداخل ووجدت امتدادها إلى الخارج، ومع استمرار أعمال القتال نجد أن الكلمة العليا للفصائل العسكرية المسيطرة على الأرض التي تساهم في تهميش العمل السياسي وصوت المدنين، في الداخل السوري سواء المناطق المحررة أم في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام. إضافة إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش. حيث لا وجود للنساء في المجالس المحلية في المناطق المحررة. وأخذنا نلمس أزمة هذه القوى والتشكيلات بحضورها الهامشي، وعدم قدرتها على النفوذ والتمدد في الداخل السوري أو في أماكن تجمع السوريين حيث تشكل المخيمات أكبر التجمعات.
في الخلاصة إن واقع القوى السياسية والاستثناء المتمثل بحالة حزب pyd بمعزل عن مواقفه السياسية، تؤكد على بنى تنظيمية ضعيفة تضم أعداداً قليلة من الناشطين، تفتقر للقاعدة الشعبية وتبعثر القوى وتشابهها من حيث الشعارات والبرامج، تحولت إلى غطاء للزعامات والمصالح الخاصة وعدم الاهتمام بالبرامج السياسية أو النظام الداخلي، والحياة الداخلية التنظيمية.
كل ذلك يؤدي إلى تهميش دور المرأة وإقصائها عن الفعل.
اللوحة للفنان صلاح الاعسر
خاص “شبكة المرأة السورية”