هالة الحسن
بات من المألوف في وقتنا الراهن مشاهدة العديد من ممثلات الدول من النساء في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصبح ذلك ممكناً نتيجة لأمرين أساسيين، أولهما الحقوق التي اكتسبتها المرأة في نضالها نحو المساوة في كل دولة من الدول على حدة، وثانيهما التغير في نظرة المجتمع الدولي لموضوع حقوق المرأة وأهمية تمثيلها في المحافل الدولية. وقد تم دعم ذلك من خلال عدة قرارات هدفت إلى تمكين حضور المرأة، وكان أكثرها فاعلية القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2000، والذي يؤكد بشكل واضح لا يقبل اللبس الدور المهم للمرأة ومساهمتها المتكافئة ومشاركتها الكاملة في جميع الجهود الرامية إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهما، وضرورة زيادة دورها في صنع القرار.
مازال ازدياد نسبة ممثلات الدول من النساء في المنظمة الدولية بطيئاً نسبياً، لكنه مستمر بثقة في ذات الوقت، ونسبة النساء إلى الرجال في المناصب الدبلوماسية تصبح مع الوقت أكثر توازناً ومنطقية. واليوم هناك حوالي ثلاثين امرأة يمثلن بلدانهن كمندوبات دائمات، أي ما يقارب 15% من مجموع 193 بلداً عضواً. و”مجموعة الثلاثين” هذه، كما يطلق عليها في أروقة الأمم المتحدة، قد لا تبدو ذات حجم مهم، لكنها في الواقع عميقة الدلالة إذا ما أخذنا في الاعتبار السيطرة الكاملة للرجال على التمثيل في المنظمة منذ عام 1945، كما أن نسبة التمثيل في مجلس الأمن بلغت أرقاماً غير مسبوقة خلال عامي 2014 و2015، إذ بلغ عدد النساء (5) في عام 2014، هن ممثلات الأرجنتين وليتوانيا وأمريكا ونيجيريا والأردن، و(6) في العام 2015، مع وجود اللوكسمبورغ، من أصل 15 عضواً هم أعضاء مجلس الأمن، وهو الرقم الأعلى في تاريخ المجلس.
دعم عالمي
وترافق هذا التطور اللافت في نسب تمثيل المرأة مع انتخاب بعضهن لمنصب الرئاسة الدورية الشهرية للمجلس، حيث ترأست مندوبة ليتوانيا المجلس في شباط/فبراير 2014، ومندوبة اللوغسمبورغ في آذار/مارس من نفس العام، ثم ممثلة نيجيريا في نيسان/أبريل، ثم ممثلة الأردن السيدة دينا قعوار في نيسان/أبريل عام 2015، في الوقت الذي يتعامل فيه المجلس والمنظمة مع قضايا عالمية في غاية الخطورة، مثل خطر التطهير العرقي في أفريقيا الوسطى والأزمة في أوكرانيا والمأساة السورية.
ويبدو أن العالم كله بات معجباً بهذه الظاهرة، وأصبح للمرأة الكثير من الداعمين من الدول والمؤسسات من أجل تقلدها المناصب المرموقة في المحافل العالمية، فقد ارتفعت نسبة التمثيل النسائي في مجلس الأمن إلى حوالي الثلث منذ العام 2010، ويبدو أن الأمر أصبح نوعاً من أنواع العرف أو التقليد، تقليد أصبح واضحاً من خلال حجم القيادات النسائية حول العالم وفي برلمانات الدول.
ولم يكن الحال كذلك دائماً، ففي عام 1960 كان هناك ثلاث نساء فقط يترأسن حكومات دولهن، ومنذ ذلك الوقت استلمت 94 امرأة قيادة 67 دولة. وإذا نظرنا إلى الأمر من الناحية الجغرافية، فإن أوروبا تتصدر المشهد بـ39 امرأة ثم أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بـ18 امرأة، آسيا 16، أفريقيا 15، أوقيانوسيا 3، الشرق الأوسط 2 وأمريكا الشمالية بامرأة واحدة.
منصب الأمين العام
أما فيما يخص منصب الأمين العام للأمم المتحدة، فقد شُغِل هذا المنصب منذ تأسيسه عام 1945 من قبل ثلاثة أوربيين وأفريقيَّين اثنين وآسويّين اثنين ورجل من أمريكا اللاتينية، بينما لم تشغله أي امرأة. لكن يبدو أن الوقت حان لحدوث ذلك، فقد مهد اختيار إيرينا بوكوفا في تشرين الأول/أكتوبر 2009 كأول امرأة تشغل منصب رئيس منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، مهد الطريق أمام ارتفاع سقف طموح المنظمات النسائية الدولية، التي بدأت منذ ذلك الوقت تتطلع إلى أكبر منصب أممي. وحينما ينهي الأمين العام الحالي بان كي مون ولايته الحالية في نهاية عام 2016، ستتعرض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي لها القرار في النهاية بشأن المرشحين لخلافة بان كي مون، لضغوط معنوية من أجل تعيين امرأة.
وعلى مستوى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، فإن نسبة مشاركة النساء تشهد أيضاً تزايداً ملحوظاً، وتحتل النساء مناصب بارزة. مثل السيدة فاليري آموس، الوزيرة البريطانية السابقة، التي تتولى منصب منسقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، في حين ساعدت الألمانية أنغيلا كانه، الممثلة العليا للسكرتير العام للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، في تمهيد الطريق أمام نزع ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية. كما ترأست سيغريد كاج، الدبلوماسية الهولندية التي تعمل في الأمم المتحدة، مهمة المنظمة الدولية للتأكد من تدمير الأسلحة الكيماوية السورية. وتدير الدكتورة مارغرت تشان، التي سلطت عليها الأضواء في الآونة الأخيرة بسبب تفشي مرض الإيبولا، منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة. وفي آب/أغسطس 2014، أصبحت النرويجية الميجور جنرال كريستين لوند أول امرأة تقود قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في قبرص، والتي يتجاوز عددها ألف شخص.
وفي إحصائية نشرتها الأمم المتحدة عام 2012 كان عدد الممثلين الدائمين من النساء في نيويورك 30 امرأة، أي ما نسبته 16% من مجموع الممثلين الدائمين البالغ عددهم 192. وفي ذات الإحصائية بلغ عدد النساء اللواتي تقلدن مهمات كممثلين خاصين عن الأمانة العامة 12 امرأة، أي ما نسبته 11% من مجموع الحالات، خمسة منهن في بعثات إلى إفريقيا وامرأة واحدة إلى أوروبا وكذلك امرأة واحدة إلى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى خمس نساء في بعثات مهمة أخرى.
مساواة منقوصة
في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي عُقد عام 1995 في بيجين، دعت 189 حكومة إلى إعداد “آليات لترشيح النساء للتعيين في الوظائف العليا في الأمم المتحدة”. وتحدد عام 2000 بوصفه الموعد المستهدف لبلوغ “المساواة بين الجنسين عموماً، لا سيما على مستوى الفئة الفنية وما فوقها”. وها نحن الآن في عام 2015، ولم تصل الأمم المتحدة بعد إلى هذا الهدف. لن تتحقق المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام العالمي مطلقاً ما لم تصل المرأة على قدم المساواة مع الرجل إلى مواقع السلطة وصنع القرار، وما لم توجد عملية واضحة لبلوغ ذلك.
على مستوى مندوبي الدول في نيويورك، بلغ عدد النساء قبل عام 1980 تسع نساء فقط، وارتفع الرقم بين 1980 و1990 إلى 14 مندوبة (أربع إفريقيات، أمريكية، أوروبيتين وآسيوية واحدة)، وواصل الرقم الارتفاع في التسعينيات ليصل مع حلول العام 2000 إلى 23 امرأة (أربع إفريقيات، سبعة من الأمريكيتين، سبعة آسيويات وثلاث أوربيات)، ثم 48 امرأة ما بين 2000 و2010 (تسع أوربيات، تسع إفريقيات وست آسيويات)، و21 امرأة ما بعد العام 2010 (ثلاث عربيات، أربع أوروبيات، خمس آسيويات وستة من الأمريكيتين).
إحصائيات
وفيما يلي بعض الإحصائيات عن نواب ممثلي الدول من النساء في نيويورك وممثلي البعثات الدبلوماسية للدول في مكاتب الأمم المتحدة في جنيف وفيينا.
نائب ممثل الدولة:
بين عامي 1956 – 1974: 6 نساء.
بين عامي 1974 – 1980: 3 نساء.
بين عامي 1980 – 1990: 7 نساء.
بين عامي 1990 – 2000: 20 امرأة.
بين عامي 2000 – 2010: 62 امرأة.
ممثلو الدول في مكتب الأمم المتحدة في جنيف:
بين عامي 1965 – 1980: 3 نساء.
بين عامي 1980 – 1990: 7 نساء.
بين عامي 1990 – 2000: 23 امرأة.
بين عامي 2000 – 2011: 30 امرأة.
ممثلو الدول في مكتب الأمم المتحدة في فيينا:
بين عامي 1988 – 2000: 23 امرأة.
بين عامي 2000 – 2005: 20 امرأة.
أخيراً يمكننا القول إن المرأة قد حجزت مكانها بقوة وجدارة في الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة، ومازال أمامها الكثير لكي تحصل على التمثيل العادل والمتساوي مع الرجل. لكن التسارع الذي شهدته العقود الأخيرة يجعل الأمل المعقود أقرب للتحقق، تمثيل يحيل إذا ما تحقق يوماً ما إلى فرض المرأة لمقاربتها في إدارة العالم وحل الأزمات التي ما برحت تعصف بالعالم الذي يقوده الرجال.