إعداد: جمانة علي
يستغل تنظيم داعش وأنصاره وسائل التواصل الاجتماعي من أجل نشر بروباغاندته البغيضة، وتجنيد أتباعه. وقد أجرت صحيفة واشنطن بوست، الأمريكية، نظرة فاحصة حول كيفية مراقبة عدد من المؤسسات الأمنية الأمريكية لهذا النشاط، ووقوفهم عاجزين عن محاربته.
وعندما قتل إرهابي متوحد ٣٨ سائحاً في منتجع تونسي في ٢٦ يونيو (حزيران)، اتجه داعش نحو مواقع أمريكية رائدة للتواصل الاجتماعي كي يّدعي من خلالها المسؤولية عن ذلك الهجوم، وليهدد بتوجيه مزيداً من الهجمات على الكافرين في العالم.
وبعيد الهجوم الذي تم في سوسة، وهو منتجع على المتوسط يفضله الأوروبيون، نشر داعش على تويتر: “إنها لضربة موجعة ورسالة مخضبة بالدماء. وإنشاء الله سنوجه لهم ضربات أكثر إيلاماً خلال الأيام المقبلة”.
وسيلة شعبية أخرى
وقبل ثلاثة أيام من ذلك الهجوم، اعتمد داعش على موقع آخر، يو تيوب، وهو أمريكي اجتماعي شهير، من أجل الترويج لأشرطة مصورة لثلاث عمليات قتل جماعية منفصلة. فقد شوهد رجال اتهمهم داعش بالتعاون مع الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسوريا، وقد وضعوا في سيارة تم تفجيرها، وآخرون وضعوا داخل قفص تم إغراقه بمن فيه في بركة عميقة. وفي الفيلم الثالث تم ربط أعناق مجموعة من الرجال بسلاسل مفخخة ومن ثم تم تفجيرها.
وسوف تبقى تلك الأفلام القصيرة على يوتيوب، رغم أن المسؤولين التنفيذيين عن الشركة أعلنوا خلال مهرجان ترويجي دولي نظم وقت بث تلك الشرائط، في مدينة كان بفرنسا، بأن غوغل لن يخصص” قناة خاصة لتوزيع تلك البروباغاندات الإرهابية المروعة”.
وبحسب محللين في مجال مكافحة الإرهاب، فيما يواصل داعش احتلال مساحات كبيرة من العراق وسوريا، ويوجه بشن هجمات في أكثر من بلد حول العالم، أخذ يعتمد على شركات تواصل اجتماعي أمريكية من أجل الدعوة لتجنيد مقاتلين، ولنشر بروباغاندته، والدعوة لشن هجمات إرهابية.
اعتراف أمريكي
وفي يوم ٦ يوليو( تموز) قال الرئيس أوباما أمام البنتاغون: “يجب أن نقر بأن داعش أصبح أكثر كفاءة في الوصول إلى أشخاص مغفلين وسذج حول العالم، بما فيه الولايات المتحدة، وهو يقوم بتجنيدهم. ونحن بدورنا سنواصل العمل مع شركائنا لمحاربة بروباغاندات داعش الكريهة، وخاصة عبر الإنترنيت”.
ويطرح تمكن الجماعات الإرهابية من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي عدة قضايا أمام شركات إعلامية، تتلخص في كيفية الحفاظ على المنابر العالمية التي توفر منتديات للتعبير عن الرأي، مع ضرورة منع تنظيمات مثل داعش من استغلال مبادئ حرية الكلام للترويج لحملتهم الإرهابية.
استراتيجية غوغل
وفي هذا السياق، قالت فيكتوريا غراند، مديرة استراتيجية غوغل، لصحيفة واشنطن بوست” لقد واجهنا داعش بمثل تلك الصور الفظيعة واللا إنسانية، وهناك بعض الأشخاص الذين يعتقدون بأنك إن كتبت كلمة” جهاد” أو “داعش” على يو تيوب، فيجب أن لا تحصل على نتائج. ولكننا لا نعتقد بأن ذلك حل ناجع. فإن عدداً كبيراً من النتائج التي تحصل عليها من خلال يو تيوب، هي عبارة عن مواد ثقافية وتوعوية حول جذور التنظيم، وهي تعلم الناس عن المخاطر والعنف. ومن هنا يكمن الهدف في كيفية إجراء عملية توازن بين تمكين الناس من الوصول لمعلومات حول داعش ومناقشتها، وبين أن يصبح يو تيوب وسواه قناة توزيع لبروباغدات التنظيم”.
وفي الحرب الدعائية ضد داعش، حاولت الولايات المتحدة التلاعب بقواعد العدو. ويقول بعض المشرعين والمسؤولين الأمريكيين أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي لا تقوم بواجبها على أكمل وجه.
وفي مقابلة حديثة، قال مساعد وزير العدل الأمريكي لشؤون الأمن القومي، جون بي كارلين: “يستغل داعش تلك الوسائل. وأعتقد أن هناك حالياً اعترافاً بوجود مشكلة، ولذا بدأنا بمقابلة مسؤولي تلك الشركات لبحث كيفية إضافة مصادر أخرى. وهناك حاجة لبذل المزيد من الجهود لأننا ما زلنا نواجه تهديدات تزداد يوما بعد آخر. وإنها ليست مشكلة خاصة بنا هنا في الولايات المتحدة، بل أعتقد أن الحكومات والناس يسمعون بها في كل مكان حول العالم”.
تحذير أمني
وقد حذر محلل ميداني يعمل مع وزارة الداخلية الأمريكية، من أن استخدام داعش لوسائل التواصل الاجتماعي قد أدى لتوسيع قاعدة تواصل التنظيم الإرهابي مع العالم.
وبحسب محللين: “يستفيد داعش من وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لرسالته وللاستفادة من آلاف الأنصار المنظمين عبر الإنترنيت، وخاصة على تويتر، ممن يسعون لتشريع أفعاله عبر تلميع صورة من القوة والسطوة. ويتركز ذلك الأثر عبر عدد كبير من التقارير الصادرة عن مواقع التواصل الاجتماعي”.
وفي أوروبا، طالبت بعض الحكومات شركات التواصل الاجتماعي بحجب أو منع الحسابات المرتبطة بالإرهاب.
وفي بداية الشهر الجاري، وافقت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون يفرض على شركات التواصل الاجتماعي تحذير السلطات الفيدرالية، حالما يتم التعرف من خلال مواقعها، على تقارير ذات صلة بالإرهاب. وقد سن القانون بهدف تزويد الجهات الِأمنية والقضائية بمعلومات تساعد في القضاء على مؤامرات وخطط محتملة. ولا يتطلب من تلك الشركات مراقبة أي مستخدمين أو من يتواصلون معهم”.
ومن أجل فرض مزيد من الضغوط على شركات وسائل التواصل الاجتماعي، طالبت لجنة منبثقة عن الأمم المتحدة، في الشهر الماضي، الشركات المعنية بالتجاوب مع اتهامات بأن مواقعها تخضع لاستغلال داعش وجماعات إرهابية أخرى.
وفي الولايات المتحدة، لا يحق للحكومة، وفقاً للدستور، أن تنظم أو تراقب حرية التعبير، بغض النظر عما إذا كانت هجومية أو بغيضة. وقد انتهجت وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب ثقافتها، ورسالتها وفلسفتها، أسلوباً في إغلاق أو إزالة موقع على صلة بالإرهاب.
فيسبوك
وتشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن فيسبوك كان من أكثر شركات التواصل الاجتماعي حسماً في محو أو حجب أية مادة ذات صلة بالإرهاب. فقد طبقت هذه الشركة سياسة خالية من التسامح، وعلى خلاف شركات تواصل اجتماعي أخرى، وعمدت لإزالة أية مواقع أو حسابات على صلة بمنظمات إرهابية. كما يعتمد فيسبوك على مستخدميه لتحذير الشركة من حسابات تروج أو تحتفي بالإرهاب، وتستعين بمراقبين لمراجعة محتوى قد ينتهك معاييرها.
في هذا الإطار، تقول مونيكا بيكيرت، محققة فيدرالية سابقة، وترأس حالياً قسم إدارة السياسة العالمية في فيسبوك: “لا نسمح بامتداح أو دعم جماعات إرهابية أو أعمال إرهابية، أو أي شيء تنفذه تلك التنظيمات أو أعضائها”.
ومن بين أكبر شركات التواصل الاجتماعي، كان تويتر الأكثر تأكيداً على حمايته لحرية التعبير على موقعه. ورغم ذلك، طورت الشركة مؤخراً سياستها بشأن إساءة استخدام الموقع، مؤكدة على وجوب عدم ترويج مستخدميها للإرهاب أو تهديد آخرين.
وبحسب بيان صادر عن مسؤول في تويتر، وقد تحدث بشرط عدم ذكر إسمه بسبب تهديدات وجهها مؤخراً أنصار داعش ضد العاملين في تويتر: “يواصل تويتر دعم حرية التعبير ومختلف الآراء بقوة، ولكنه يطبق أيضاً قواعد تمنع توجيه تهديدات أو رسائل إرهابية ونشرها عبر الموقع”.
تحد آخر
كما يواجه شركات التواصل الاجتماعي تحدياً آخر يكمن في صعوبة التمييز بين البيانات الصادرة عن منظمات إرهابية وتلك الصادرة عن مواقع إخبارية أو مستخدمين مشروعين. كما يشير أنصار حرية الإنتيرنيت إلى أن ما تنشره تنظيمات مثل داعش يمكن أن يعد جزءاً من سجل تاريخي موثق، بالرغم مما قد يحويه من صور أو أشرطة مروعة.
وفي هذا الإطار، يشيرون إلى صورة لا تنسى، التقطها في عام ١٩٦٨ مصور كان يعمل في وكالة أسوشييتيد بريس، لقائد في الشرطة الوطنية في جنوب فيتنام، وهو يطلق النار في أحد شوارع سايغون على رأس مقاتل مشتبه بتعامله مع الفيت كونغ. إنهم يتساءلون كيف يمكن النظر في عصر الميديا الاجتماعية، والحرب الرقمية المعاصرة، لتلك الصورة التي حازت على جائزة بوليتزر للتصوير الصحفي، والتي غدت رمزاً للفوضى والوحشية التي سادت إبان حرب فيتنام؟.
ويقول آندرو ماغلولين، مدير تنفيذي سابق في غوغل، وضابط تقني أمريكي، وهو حالياً شريك في مؤسسة بيتاووركس في نيويورك: “إن كنت تريد العيش في عالم يتيح لك الفرصة للحصول على أحدث الأخبار، وبمعنى آخر أدلة وثائقية عما يجري فعلياً، فإن قطع داعش لرؤوس ضحاياه عمل دعائي، ولكنه حقيقي. وإن كان لديك منصة إعلامية، فإنك لا تريد إغفال الحقائق، وفي ذات الوقت لا تريد المشاركة في الترويج لبروبوغاندا الإرهاب”.
خاص “شبكة المرأة السورية”