سلمى الدمشقي
ساهم العمل الحكومي في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام في تسريع تفاقم الأزمات الاقتصادية الاجتماعية بعد تحرير الأسعار ورفع الدعم عن المشتقات النفطية وتراجع قيمة الليرة بشكل كبير و ما رافق ذلك من ارتفاع جنوني في الأسعار ، في وقت تزايد فيه نفوذ وسطوة ما يعرف بتجار الازمات و “القمامين” بشبكاتهم متعددة الأنشطة والمستشرية في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وان كان دور الحكومة بجميع مؤسساتها سواء قبل الثورة أو بعدها هو تنفيذي وأقرب الى دور حكومة تصريف الأعمال، فإنه في ظل الأوضاع التي تمر بها مناطق سيطرة النظام شكل عملها تربة خصبة لتنامي دور شريحة من الفاسدين الحكوميين المتعاونين بشكل أوثق مع تجار الأزمات للاستفادة القصوى من تلك الاوضاع في جني الأموال على حساب فئات المجتمع الذين أصبحوا غير قادرين على التغلب على سلسلة ارتفاعات الأسعار التي لم تواكبها زيادات حقيقية في رواتب الموظفين وخلق مآس جديدة. في الوقت الذي أشارت فيه بعض الدراسات الى أن حاجة الأسرة متوسطة العدد المعيشية هي 140 الف ليرة شهرياً، على اساس حساب حاجة الاسرة قبل الثورة الى ثلاثين الف ليرة ومع ارتفاع سعر الدولار ست مرات عما كان عليه.
وتكمن مساهمة الحكومة في تنامي دور شريحة تجار الأزمات بعدم تحمل مسؤولياتها سيما المتعلقة بالتدخل الإيجابي في السوق وإيصال السلع الى محتاجيها بسعرها المعلن عنه من قبلها، وإلى غياب دورها في مراقبة الأسعار، فاسحة المجال بذلك امام ازدياد نسبة الفاسدين من المسؤولين والموظفين المتعاونين مع هؤلاء التجار.
واعترفت مصادر صحفية محلية بوجود ذوي نفوذ يعملون مع مسؤولين حكوميين في مجال المضاربة بالعملة أو شراء القطع الأجنبي من الحكومة لغايات تمويل عمليات استيراد واستخدامه لغايات الاحتكار أو التجارة إضافة الى الكشف عن عمليات سطو على معاشات أو مستحقات مالية لمواطنين غادروا البلاد.
وتشير المصادر إلى قنوات “حكومية” تبيع السلع والبضائع من مخازن أو فروع المؤسسة الاستهلاكية بالجملة الى تجار وتسمي تلك القنوات بالموظفين الفاسدين وذوي النفوس الضعيفة، وتسمي تجار الازمات بـ “الشقيعة” الذين يتاجرون بقوت المواطن من خلال بيعه السلع المخصصة له بالأساس بضعف سعرها.
وقالت المصادر إن هناك مسؤولين في مؤسسات القطاع العام الاقتصادية على علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع المؤسسات نفسها من القطاع الخاص لا سيما قطاع التأمين في حين شهدت بورصة دمشق على سبيل المثال لا الحصر أمثلة عن وجود علاقات مباشرة بين مسؤولين في البورصة وآخرين في شركات الوساطة المالية مما يخفي وراء ذلك شبكات فساد ليست قليلة حيث يعتبر الازدواج الوظيفي في المؤسسات الاقتصادية مخالفة صريحة للقانون السوري إذ ان مثل هذه الحالات تؤدي الى الفساد الإداري لجهة تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
ورأت تلك المصادر في هذه الأعمال مساهمة في ارتفاع سعر الدولار من خلال استنزاف ما يضخه المصرف المركزي من هذه العملة في السوق بغية وقف ارتفاعها الصاروخي أمام الليرة واللافت أنه في احيان كثيرة كان سعر الدولار يتراجع قليلاً الا ان أسعار السلع الأساسية ترتفع بشكل جنوني ولا تتراجع، في حين تتعرض قيمة الليرة لنزيف مستمر جراء تراجع احتياطي البنك المركزي من القطع الأجنبي من نحو 19 مليار دولار في نهاية 2010 إلى دون 4 مليارات دولار .
تجار الازمات
تجار الأزمات هم الأكثر سوءا من حيث عدائيتهم للمجتمع ومن خلال حصر نشاطهم في جني الأموال وتكديس الثروة واعتمادهم في تجارتهم على الحاجات الاساسية للمواطنين كالمحروقات والخبز والمواد الغذائية الاساسية وهم يتواجدون بكافة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وهؤلاء زادت ثروتهم عن طريق استفادتهم من علاقة مصالح متبادلة مع المتنفذين على حساب المواطن العادي في وقت باتت تستشري هذه العلاقة المتبادلة في معظم المفاصل الحيوية لحياة السكان فعملها ليس محدداً في مكان وزمان.
وقد ساهمت أعمال هؤلاء التجار في تعميق جراح المواطن العادي و افقاره حيث بات المواطنون السوريون يتعرضون الى أزمات إضافية جراء ممارسات تلك الشريحة التي تزداد قوة يوماً اثر يوم خاصة انها سيطرت على سوق العقارات تجارة و استثماراً و تأجيراً، بحيث قفز الى أكثر من عشرة اضعاف عدد المكاتب العقارية التي وسعت أعمالها باتجاهات غير محددة وصلت إلى رعاية الملاهي الليلية والمقاهي والمطاعم والإتجار بالمخدرات، ما يشكل خطورة أكبر على النسيج الاجتماعي المنهك بالأساس وعلى بنيته الأخلاقية.
بالإضافة الى ذلك فقد كشفت مصادر من داخل اعلام النظام عن وجود شبكات تقوم بتزوير قسائم تموينية في كل من اللاذقية ودمشق وشبكات اخرى تدير مستودعات لمواد غذائية وللمازوت وتعمل على احتكار مادة الدقيق والمتاجرة بها والتلاعب بأسعارها وذلك بدافع بيعها للسوق السوداء حيث تجاوز سعر كيس الدقيق 3500 ليرة.
وكان أحد المسؤولين الحكوميين أشار إلى أن كل صهريج مازوت يباع في السوق السوداء يملأ جيوب تجار الأزمات بثلاثة ملايين ليرة، مشيرا الى أن تجار الأزمات ملأوا جيوبهم بمئات المليارات نتيجة تلاعبهم بتوزيع وبيع المحروقات، وتهريبها إلى السوق السوداء، وان 90 % من اصحاب المحطات تجار أزمات.
ويعتمد تجار الأزمات على شبكة من “القمامين” أو تجار الأزمات الصغار، الذين زادوا مدخراتهم بعد اطلاق يدهم في مفاصل ومناحي الحياة الاجتماعية الاقتصادية للسكان بحيث أصبحت أعمال هؤلاء الذين يسمون أيضاً بـ ” الشبيحة” تسير بشكل ممنهج خارج عن أي قانون او عرف اجتماعي أو شرعة أخلاقية.
من هم “القمامون “
في بداية الثورة كان العشرات من الأشخاص يجوبون الشوارع بالسيارات وأكثرها سيارات بيك آب صغيرة “السوزوكي”، وهم يلوحون بأعلام النظام ويطلقون الأغاني الهابطة بهدف السيطرة على الشوارع وامساك الساحات وترهيب السكان ويمسكون زوايا الحارات بحجة الحماية الشعبية، في وقت لم يكن فيه سوى صوت المطالبة بالإصلاح والحياة الكريمة.
القسم الأكبر من هؤلاء معروفون من قبل السكان وهم من أولئك السجناء الجنائيين الذين أطلق النظام سراحهم مع بدء الثورة وقسم آخر من السماسرة أو عمال المياومة، وقسم آخر من المنبوذين في المجتمع ممن امتهنوا اللصوصية والنصب والاحتيال، لكن يجمع هؤلاء صفة واحدة وهي أنهم من حثالة المجتمع وهم أسوأ ما فيه حيث ارتبطت حياتهم بكيفية الحصول على المال بدون عمل شريف فهم بالمختصر كانوا ومازالوا اعداء الكرامة الإنسانية .
ومع ازدياد الاوضاع الأمنية سوءا كلف هؤلاء بمهام مراقبة النازحين من المناطق الأخرى، وحراسة المراكز الأمنية والقيام بأعمال الدورية في الشوارع، وإقامة الحواجز المناوبة عليها إضافة الى التحكم ببيع المازوت والغاز للسكان وحتى الاشراف على بيع الخبز من الأفران، حيث عمل هؤلاء على اقامة محلات فرعية غير مرخصة لبيع الغاز المنزلي بعد استجراره من الموزعين الكبار وبيعه بأسعار أعلى مما هو محدد لها.
أخيراً، طالما أن الحكومة هي ليست أكثر من حكومة تسيير أعمال في ظل نظام يفرض قوانينه الخاصة بمعزل عن تشريعات البرلمان، الذي بدوره هو الآخر برلمان تسيير أعمال، وله مهمة تنفيذ أوامر بعينها وان اتخذت احيانا صفة التشريعات ولا وجود له بشكل حقيقي، فإن الدور الرئيسي في صناعة تجار الازمات وملحقاتهم من شقيعة وشبيحة وقمامين يبقى مسؤولية القرار السياسي.
لكن ثمة سؤال يطرحه الكثيرون من سكان هذه المناطق وهو: لو افترضنا أن الأوضاع في البلاد تجمدت مناطقها من حيث السيطرة عليها واستقرت على نحو ما هي عليه الآن، ماهو مستقبل العلاقة بين المواطنين وهذه الشريحة المرفوضة اخلاقياً واجتماعياً ؟
اللوحة للفنان المصري “حسن حماد”
خاص “شبكة المرأة السورية”