بيسان سارة
لقد تعرضت الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للتهميش على مدى عقود من الزمن على الرغم من الإعتراف بأهمية وعالمية كافة حقوق الإنسان، حيث جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ليشمل الحقوق المدنية والسياسية إلى جانب الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، دون فصل بين ما هو مدني سياسي وما هو إقتصادي إجتماعي ثقافي وذلك بهدف وجوب أن يكون البشر أحرارا من الخوف والفاقة .
وقد أكد عدد من الإتفاقيات الدولية على الحقوق الإقتصادية والإجتماعية إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية منها إتفاقية حقوق الطفل ، إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال والمهاجرين وأفراد أسرهم ولدى منظمة العمل الدولية عدد كبير من الإتفاقيات الدولية إلى جانب عدد من التوصيات التي تتعلق بحقوق العمال وظروف العمل ، كما ولدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعمل والثقافة عدد من الإتفاقيات الدولية في مجال إختصاصها .
وفيما بعد تعززت منظومة حقوق الإنسان في بعدها الإقتصادي والإجتماعي بإعلان الحق في التنمية بعد أن كشفت التجربة عن وجود خلل في الرؤية الشاملة لحقوق الإنسان ، لأن التمتع بالحقوق الإقتصادية الإجتماعية لا يمكن أن يتجسد على أرض الواقع إلا إذا أدرجت ضمن نمط تنموي يجعل منها أهدافا فعلية يجب العمل من أجل تحقيقها.
فالتنمية مفهوم إنساني يجعل حركة الإقتصاد في خدمة الإنسان والشعوب ، حيث يحق لكل إنسان التمتع بنظام إجتماعي يمكنه من ممارسة حقوقه وحرياته ، في ظل سيادة تامة للدولة على ثرواتها ومواردها .
على تنوع وتعدد الإتفاقيات الناظمة لحقوق الإنسان فقد أكد برنامج عمل فيينا عام 1993 على وحدة حقوق الإنسان وترابطها وعدم قابليتها للتجزئة وهي تفرض إلتزامات على الدول بإعمال هذه الحقوق وحمايتها ، حيث اصبح من واجب الحكومات وضع السياسات الكفيلة بتحقيق الحد الأدنى من الأهداف الإجتماعية ، كما وتم التأكيد على مبادىء حقوق الإنسان بما هي حقوق عالمية ، مترابطة غير قابلة للتجزئة ،إذ إنها رزمة واحدة لا يمكن مقايضة أحدها بالآخر كما ويجب تمتع الجميع بها دون تمييز على أي أساس …
تشمل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية كما وردت في العهد الدولي الحق في الحياة ، الحق في العمل بما في ذلك إتخاذ التدابير لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق وتوفير برامج التوجيه والتدريب التقني والمهني ، الحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية بما في ذلك الأجر المنصف ، المكافأة المتساوبة لدى تساوي قيمة العمل دون أي تمييز ، على أن يضمن للمرأة خصوصا تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل ، وتقاضيها أجرا يساوي أجر الرجل لدى تساوي العمل وظروف عمل تكفل السلامة والصحة ، كما يضمن الحق في تكوين النقابات بالإشتراك مع آخرين والإنضمام إليها ، والحق في الضمان الإجتماعي ، وجوب حماية الأسرة ، وجوب توفير حماية خاصة للأمهات فترة معقولة قبل الوضع وبعده ،الحق في الحصول على مستوى معين يكفي لضمان الصحة والرفاه ، بما في ذلك المسكن والمأكل والملبس والخدمات الإجتماعية ،الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه ، الحق في التعليم الذي يجب أن يكون مجانيا وإلزاميا ، كما و يجب أن يوجه إلى إنماء الشخصية الإنسانية وإلى توطيد كرامة الإنسان وحرياته الأساسية.
رغم وضوح الجوانب العديدة للحقوق الإقتصادية والإجتماعية وأهمية هذه الحقوق في حياتنا اليومية ومدى تأثير إنتهاكها على حاضرنا ومستقبلنا ، إلا إننا نشهد إغفالا لها.
والسؤال ألم يحن الأوان لتكريس الجهود لإحقاق هذه الحقوق ؟ ألا يجب تكريس الجهد لرصد الإنتهاكات ولرفع الوعي والمعرفة حولها ؟ ألا يجب الضغط على الحكومات لتكريس مصادر لإحقاق هذه الحقوق ؟ خاصة ، وإن تقارير التنمية تخلص إلى حجم تحدي التنمية الإنسانية الذي نواجهه في بلادنا وحجم المهام التي يجب العمل عليها لتخفيف حدة الفقر تزامنا مع سياسات حكومية غير كافية ولا تلبي حجم التطلعات.
إن تعزيز التنمية يقضي إيلاء الإهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز الحقوق جميعها والنظر فيها بصورة عاجلة ، ولا يمكن أن يبرر تعزيز بعض حقوق الإنسان والحريات الأساسية وإحترامها إنكار غيرها من الحقوق لأن إيجاد الظروف لتنمية الشعوب والأفراد إلتزام رئيسي على الدول القيام به ، من خلال وضع سياسات وطنية ملائمة هدفها التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان والأفراد على أساس مشاركتهم النشطة والحرة في التنمية والتوزيع العادل للثروات عبر تكريس مبدأ تكافؤ الفرص للجميع في إمكانية الوصول إلى الموارد الأساسية والتعليم والخدمات الصحية والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل.