ناصر حدة
أقر برنامج عمل بكين في سياق تفعيل المشاركة السياسية للمرأة بـ”بضرورة التزام الحكومات بتحديد هدف التوازن بين الجنسين في الهيئات واللجان الحكومية وفي الكيانات الإدارية العامة وفي النظام القضائي بما في ذلك جملة امور ووضع أهدافاً محددة وتنفيذ تدابير بما يحقق زيادة ملموسة في عدد النساء بغرض الوصول الى تمثيل متساوٍ بين المرأة والرجل في كل المناصب الحكومية والإدارية العامة بإتخاذ تدابير إيجابية” (الفقرة 19-أ من برنامج عمل بكين).
ويتم تفعيل المشاركة السياسية للمرأة من خلال: تدريب وتمكين النساء وتشجيعهن على الإنخراط بالشأن العام، تعميم ثقافة المساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية، نشر ثقافة المشاركة في الحياة السياسية والعمل الضاغط لتعديل القوانين المجحفة بحق المرأة.
أولا : التمكين
أن التمكين توفير الوسائل الثقافية والتعليمية والمادية ،حتى يتمكن الأفراد من المشاركة في إتخاذ القرار والتحكم في الموارد التي تعنيهم.
بهذا المعنى التمكين هو التوسع في مقدرة الناس على إتخاذ القرار بالنسبة للخيارات العملية والإستراتيجية.اي التركيز على توسيع الخيارات ومستويات الإنتاج للنساء كافراد ،بما يتضمنه ذلك من المشاركة في عملية إتخاذ القرار والحصول على مصادر الإنتاج وتوسيع الخيارات للنساء كأفراد(وليس كجماعة). وبالتالي التمكين يقارن وضع النساء والرجال في مجالات مراكز القوة في المجتمع.
ويعتبر مدخل التمكين مدخل لا يتجزأ من مدخل المشاركة،حيث يهدف أساساً لتدريب ورفع قدرات المرأة القيادية والإدارية في إتخاذ القرار والتخطيط والتنفيذ. لذلك ابرز هذا المدخل أهمية المرأة كعنصر فعال في المشاركة والمساواة مع الرجل وفي دفع عملية التنمية.
ان المقاربة الشاملة لتمكين المرأة تتناول بعدين مترابطين :
اولاً: السيطرة على الموارد (المادية والمالية والبشرية) حيث تبدو النساء محرومات مقارنة مع نظرائهن الرجال.
ثانياً: إيديولوجيا النوع السائد التي ترسخ تجليات عدم المساواة على اساس النوع الإجتماعي والدعامة لظواهره الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسية.
إن الدول العربية هي الأقل تمثيلاً للمرأة حسب ما تبين الإحصاءات العالمية . مع الإشارة الى وجود ثلاث دول عربية فقط تعتمد حالياً على قانون الإنتخاب لتطبيق نظام الكوتا في تمثيل النساء،ةهي:المغرب والأردن والسودان.
في المغرب يخصص 30 مقعداً من اصل 325 مقعد للبرلمان المغربي لتمثيل النساء في نظام الكوتا . خلال الإنتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2002 نجحت 35 إمرأة من الوصول الى البرلمان :30 عبر الكوتا و5 عبر لوائح تنافسية غي ما نسبته 10,8%
في السودان يخصص 10% من المقاعد في المجلس الوطني للنساء .
كذلك يمكن إعتبار سوريا من بين الدول التي تعتمد شكلاً من اشكال الكوتا النسائية حيث حصلت النساء على 12% من مجلس الشعب.
في الأردن يعتمد النظام الأردني الإنتخابي على تخصيص 6 مقاعد للنساء من اصل 110 مقاعد اي ما نسبته: 5,5% .
ثانياً: نشر الوعي وتغيير البنى الذهنية السائدة
ورد في المادة 5 من إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة:
تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي: تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.
ثالثا :التدابير المؤقتة
ورد في إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة: المادة4: “لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة”.
كما طور المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي انعقد في بكين عام 1995 مفهوم التمييز الإيجابي او التدابير المؤقتة ,حين الزمت مقرراته الدول بإعتماد الكوتا لتفعيل مشاركة المرأة السياسية:
بعض بنود برنامج عمل بكين 1995:
- حشد جهود المراة والرجل بالتساوي على مستوي صنع القرار والسياسات لتحقيق برامج العمل الخاصة بالمجالات التالية: وضع حد للامساواة في مواقع السلطة وصنع القرار . تخصيص حصص كسقف أدنى لمشاركة النساء بنسبة 30 % حتى العام 2005
مما يشير بشكل واضح الى انه ممكن تفعيل مشاركة المرأة السياسية :
- من خلال العمل على تغييرالأدوار النمطية و البنى الذهنية الثقافية السائدة في المجتمع
- من خلال إعتماد التمييز الإيجابي كتدبير مؤقت لردم هوة اللامساواة بين النساء والرجال والذي عرف فيما بعد ب:”الكوتا”.
الكوتا
ان جوهر إعتماد نظام الكوتا هو نظام الحصص المعينة لتمثيل النساء على أساس تحديد نسبة الحد الأدنى لعدد المقاعد او المراكز في مستويات التمثيل السياسي.ويؤدي هذا التدبير الى استقطاب النساء للمشاركة الفاعلة في الشأن العام وتمثيلهن.يعتبر استخدام نظام الكوتا آلية مقبولة وواسعة التطبيق لتحسين تمثيل المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية.
انظمة الكوتا:
يمكن تقسيم انظمة الكوتا المتبعة الى اربع مجموعات:
- النظام المعتمد بواسطة النص الدستوري لتمثيل النساء على المستوى الوطني.
- النظام المعتمد بواسطة قانون إنتخابي لتمثيل النساء على المستوى الوطني.
- النظام المعتمد بواسطة النصوص الدستورية او القانونية اتمثيل النساء على المستوى المحلي.
- نظام الكوتا المعتمد من قبل الأحزاب السياسية عبر لوائح الترشيح.
انواع الكوتا:
الكوتا المغلقة:التي تحدد مقاعد مخصصة للنساء فقط ولا يحق للمرأة الترشح خارجها.
الكوتا المفتوحة:حيث يمكن للنساء ان يخترن بين ان يترشحن على نظام الكوتا المحددة للناء فقط او خارجهاوبالتالي يمكن للمرأة ان تتجاوز نسبة الكوتا المخصصة لها .
كوتا الحد الأدنى:حيث يحدد حد ادنى تستطيع المرشحات ان ان تتجاوزهن كأن يكون على الأقل 20% ،فإذا حصلت النساء على نسبة أعلى من خارج الكوتا ،فإن ذلك يعتبر إنعكاساً لتطور المجتمع وإتجاهات الناخبين والناخبات.
كوتا الحد الأعلى:حيث يحدد الحد الأقصى لمقاعد النساء ،ولا ينجحن إلا صاحبات أعلى الأصوات بين المرشحات على اساس هذا الحد الأدنى.
الكوتا الإختيارية:التي تفرضها الأحزاب على لوائحها.وهنا يجب ان يكون مراعاة لإمكانية فوز النساء وذلك حسب ترتيبهن على اللوائح،خصوصاً في ظل النظام الإنتخابي النسبي على أساس الائحة.
بعض الأمثلة عن تطبيق الكوتا:
- فرنسا: في العام 1999 قامت فرنسا بتعديل الدستور ووضع بند يفرض على الأحزاب السياسية تقديم لوائح المرشحين لإنتخابات مناصفة بين الرجال والنساء.
- الأرجنتين: إعتمدت عام 1991 قانوناً انتخابياً يفرض “نظام الكوتا بما لا يقل عن 30% للمرشحات النساء مع الأخذ بعين الإعتبار امكانية نجاحهن وعدم قبول اللوائح التي لا تلتزم بذلك” وارتفع تمثيل المرأة في البرلمان الأرجنتيني الى 30,7% من جراء ذلك.
- جنوب أفريقيا: إرتأت ان على الأحزاب السياسية ان تقوم بضمان تقديم لوائح تتمثل فيها المرأة بنسبة 50% للإنتخابات المحلية
- إعتمد الحزب الإشتراكي الديمقراطي في السويد منذ العام 1994 مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة في تشكيل اللوائح، كما إعتمد حزب العمال في النروج نظام الكوتا على ان لا يقل عن 40% للنساء ، في الدانمارك يطبق الحزب الإشتراكي الديمقراطي نسبة 40% كنظام لتمثيل المرأة في الإنتخابات المحلية والإقليمية.
اللوحة للفنانة “علا الأيوبي”