بيسان سارة
عانى السوريون فيما عانوا رجالاً ونساءً من سياسات حزب البعث طيلة سنوات حكمه الدولة المجتمع، فالحزب الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1963 كان قد تأسس على يد نخبة من المفكرين السوريين في أربعينيات القرن الماضي، متبنياً نهجاً قومياً تحررياً ومتحالفاً مع طبقات المجتمع الكادحة من عمال وفلاحين ونساءً وصغارالكسبة، وراحت أدبياته تتغنى بقضايا المواطن العربي والمقاومة، لكن سياسات الأسد الأب الذي قاد الحزب وشغل منصب أمينه العام والقطري بعد أن اعتقل قيادته المؤسسة، أحدثت قطيعة مع فكر الحزب وحولته إلى مؤسسة أمنية راحت تهيمن شيئاً فشيئاً على مفاصل الحياة العامة في سوريا، وتذيق السوريين ويلات الفقر والخضوع.
عمد الأسد أولاً إلى شل الحركة السياسية في المجتمع السوري وحصرها بالحزب القائد، فأطلق تحالف الجبهة الوطنية التقدمية ليضم الأحزاب الأخرى تحت مظلته، وأناط بحزب البعث حق العمل بين صفوف الطلبة والعسكرين، ثم راح الأسد يعتمد “سياسة التبعيث” والتي تقضي بمضاعفة الأعضاء المنتسبين إلى الحزب وإعطاءهم الأولوية في التوظيف في الإدارات الحكومية وفي البعثات التعليمية و حصر المناصب القيادية العسكرية والأمنية والوزارية والإدارية العليا بالمنتسبين إليه، وتحولت الفرق الحزبية إلى مؤسسات أمنية صغيرة تتولى مراقبة الناس في الأحياء ومؤسسات الدولة ومعاملها ومصانعها، ولاحقاً عمد إلى إخضاع مؤسسات المجتمع المدني ونقاباته المهنية ومنها الاتحاد العام السائي لسلطة البعثيين، في الوقت الذي راح الحزب ينقلب على أفكاره ومنطلقاته وتتحول مؤتمراته القطرية إلى مهرجانات خطابية للاحتفاء بالقائد الرمز والقائد الخالد. ومع الإعلان عن مسرحية التوريث في عام 2000 ودعوة البعثيين لمبايعة الأسد الابن، كان البعث قد تحول إلى هيكل كرتوني تتصارعه قوى ومصالح الحرس القديم والحرس الجديد، فسارع الوريث الجديد لبث نبض الحياة فيه من خلال تغييرات شكلية لم تطل بنية الحزب وجذوره، بل على العكس زادت السياسة الاقتصادية التي أقرها الحزب من أزمة المجتمع السوري، وعمقت الفجوة بين الحزب وجماهيره، الذين انطلقوا بالآلاف يهتفون للحرية بعيد انطلاق الثورة مطلع عام2011.
حزب البعث والقطيعة مع نضالات المرأة السورية
عرف التاريخ السوري دوراً رائداً للمرأة في مختلف مراحل نضالاتها قبل حكم البعث، فانتشرت الجمعيات النسائية وانبرت للدفاع عن قضايا المرأة وشؤونها المختلفة، وعرف تاريخ سورية في النصف الأول من القرن الماضي، العشرات من الجمعيات التي نادت بتعليم المرأة وإقرار حقها في العمل، كجمعية يقظة الفتاة العربية 1915، وجمعية النجمة الحمراء 1920 ،جمعية الرعاية الاجتماعية في حلب 1962، كما تشكلت الجمعيات السياسية التي طالبت بالحقوق السياسية للمرأة وعقدت مؤتمرات في سبيل ذلك كجمعية نساء العرب القوميات 1943، والاتحاد العام النسائي الذي تشكلت نواته الأولى عام 1933 من ثلاث جمعيات ثم لاحقاً عرف باتحاد الجمعيات النسائية في دمشق كأول تنظيم جماهيري يوحد جهود المرأة، إلا أن سياسات حزب البعث برعاية من الأسد الأب جاءت لتقضي على مابقي من العمل النسائي في سوريا وتضع يدها على التنظيم النسائي السوري فتشل حريته واستقلاله، وتحول العمل النضالي المطلبي للمرأة إلى العمل النقابي السياسي المكتبي، من خلال إعادة هيكية الاتحاد ليتطابق مع التوجه السياسي للنظام، وسن في سبيل ذلك القوانين والتشريعات.
لاحقاً وشيئاً فشيئاً تحول الاتحاد العام النسائي كأكبر تجمع نسائي منظم إلى ألعوبة بيد سلطات الأسد وأسهمت قيادته لاحقأ وخلال الانتفاضة التي يشهدها الشعب السوري، في رسم صورة مشوهة عن نضال المرأة التحرري وفق مايصدر عن الاتحاد من بيانات وخطب تتماهى مع خطاب النظام المنكر لحق الشعب في نيل حريته والصاق تهم المؤامرة الكونية عليه، وراحت قيادات التنظيم النسائي تزج النساء السوريات وخاصة العاملات في حرب النظام ضد شعبه، فتلزمهم بالخروج بالمسيرات المؤيدة تحت صنوف شتى من التهديد والوعيد. كما عمد النظام بتغطية من الاتحاد بتسريح أعداد كبيرة من النساء العاملات في مختلف مؤسسات الدولة وقطاعات الانتاج، لرفضهن السياسات الأمنية التي دفع بها النظام السوريين إلى حمل السلاح، وتعرضت الكثير من النساء السوريات إلى صنوف شتى من الاضطهاد في سجون الأسد، وسط صمت الاتحاد العام النسائي وخطبه التشبيحية.
اللوحة للفنان السوري: عمران فاعور
خاص “شبكة المرأة السورية”