Search
Close this search box.

خطاب الكراهية ضد السوريين في لبنان

خطاب الكراهية ضد السوريين في لبنان

فراس يونس

ما وراء العنصرية وأعراضها

في المناخات العاصفة اليوم منطقتنا العربية، تنهض شياطين الكراهية، بين ظهرانينا لتقتلع كل تراكم السنون من التماسك المجتمعي والتضامنات الوطنية، التي اطمأنت قلوبنا وعقولنا أنها يمكن ان تؤسس لوحدة ما فوق وطنية، سواءً بدوافع الوهم أو الأمل التاريخي المشروع، وبما يمليه منطق العصرالحديث، في تشكيل التكتلات المعاصرة، وبناء الدولة – الأمة، ولتستقر في القاع الإيديولوجي – الاجتماعي والمتخيل، عوامل العنصرية، و”فيوضها” في طقوس الحساسيات تجاه ” الآخر”، عبر التنكر للروابط التاريخية، وانتزاع أحشاء تلك الروابط، وتقويض أي وشائج إنسانية، ولتمنح الـ “آخر” شرور الأبلسة والتحقير، ويتنازع البشر الأقربون في علاقة التاريخ والجغرافية البشرية كغرباء في وطنهم بمعايير الطائفية والفوارق الدينية والسياسية . لاجديد في التأكيد أن وراء كل تلك الأعراض، إخفاق مشاريع التغيير، والإصلاح الداخلي، وفساد الطبقة السياسية وعجزها المقيم على مواجهة الأزمات وتراكمها، دون أي أفقٍ في حل وطني شامل.

مخلفات دون إعادة تدوير

يعلم الجميع ما حفرته في الوجدان الفردي والجمعي ذكريات الحرب الأهلية في لبنان، وما كرسته سنوات الوصاية السورية على لبنان، وما ارتسم في إيديولوجيا (الخلاص) من شرور الهيمنة السورية آنذاك، من “وعي زائف” حيال آلاف العمال والمقيمين في لبنان عبر ضروب العنف الجسدي والتمييزي، كرد فعل على ممارسات النظام السوري في لبنان،واليوم يستهدف  “الوعي الزائف” في أوساط اجتماعية لبنانية، كرد فعل على ممارسات المعارضة المسلحة في لبنان جمهور النازحين السوريين، كموضوع للتعديات،واستخراج لغة عنصرية لا يخفى بعدها الطائفي، وتنضيد النظر إلى الجماعة السورية في مساواتها ومسؤوليتها بما آل إليه الحال اللبناني في تراكم مشكلاته الأمنية والإقتصادية وعوامل القلق على المصير، وإذا كان هذا حال كل بلدين متجاورين وشعبيهما،في مناطق عديدة من العالم، وما ينالهما من حساسيات وتوترات، تختفي وتظهر في الملمات والأزمات الحادة، وفي السياق اللبناني – السوري شكلت الكارثة السورية التي ينوء بكاهلها الشعب السوري داخل البلاد وخارجها، مرتعا لنمو تلك النزعات التي تعتمل في القاع الاجتماعي اللبناني، والتي تتجاوز أفق الخلاف السياسي العابر في تنميط السوري وترسيخ صورة ثابتة له، كمصدر للخطر وانعدام الأمان .

لغة العنف وعنف اللغة

في مضمرات عنف اللغة اليومي، حيال “الهوية السورية” ينطوي قدر من التسفيه والحط من الشأن الجمعي والفردي، يتزامن هذا العنف اللغوي، أمام سيل النزوح السوري نحو لبنان والأعباء التي تتحملها الدولة والشعب اللبناني في آثار إقتصادية وأمنية وقد تكثفت في سياق قضية الجنود الأسرى في الجيش اللبناني لتصيرأي مشكلة في التفاوض أو تهديد من قبل “النصرة” تربة خصبة لمهانة السوريين في الشوارع والسكن وتجمعات النزوح .

تظهر خفايا القاع الاجتماعي وتتسلل في اللغة اليومية، تعابير السخرية، تطفو على سطح الحياة اليومية، لكن تحرير مكبوتات اللغة بعد قهر “سوري” طويل يتجاهل اعتبارات التضامن الانساني، وتتراجع ملامح الألفة المعهودة، تلك الحساسيات تتفاقم وتصير ميولا وأفعالاَ عدوانية مع اشتداد الأزمات لتصير الجماعة موضوع الكراهية “السوريون هنا” في بلوك واحد، ويغدو الآخر مصدر كل مصيبة،وتلوث، النعمة تخص والنقمة تعم، مسؤوليته أي الآخر، على قدم المساواة مع خاطفي الجنود، وملثمي النصرة وأخواتها .

لا يتسع المقام هنا لضرب الامثلة على هذا الرتم من الحساسية والنقمة، وفي كل الأحوال، التعميم عماد كل تفكير عنصري، تنضيد الإختلافات الموضوعية تحطم أي بصيرة في رؤية الحقائق بعين التعاطف والحب والتضامن. بطبيعة الحال، لا يمكن وصم أغلب القطاعات الاجتماعية اللبنانية في لوثة العنصرية تلك بأي حال من الأحوال، تجاه الكارثة السورية بأبعادها السياسية والانسانية، ثمة شارع لبناني عريض يستنكر تلك الممارسات ويدينها، يعود الأمر الى طبيعة الاصطفافات السياسية في لبنان. قدرة البعض على تحويل “الآخرين” إلى محض هويات ثابتة، كحوامل طبيعية لقيم سالبة بكثير من التنميط وشيطنة الآخر، رهنٌ بالأضرار المتأتية من خلف الحدود وفي مقدمها ظهور “الإرهاب العابر” بين الدولتين .

تقصير وشعبوية النخب

لا يقتصر مفهوم النخبة على هذا الرهط من المثقفين او ذاك، من هذا التيار السياسي أو ذاك، بل يمتد إلى دائرة فعل الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام اللبنانية ألتي أتاحت سيلاً من التواطأت المعلنة والخفية في تمرير جملة من المواقف العنصرية تجاه السوريين، باعتبارهم سبب البلاء الذي يستغرق البلد أمنياً واقتصادياً في دوامته، وكأن محك الحريات الاعلامية إظهار الروح الشعبوية التي لابد ان تظهر في الأزمات العاصفة للمجتمع عوضاً من أن تكون نقداً صارماً لها ولاجماً لنزوعاتها العدوانية، فالحرية والتعبير عنها قبل أن تكون مسرحا للتعبير عن الأهواء والميول الإجتماعية هي رؤية مسؤولة ومنصة لتقديم الحلول وتشكيل رأي عام وشعبي ضاغط وتفكيك الخطاب العنصري المتأصل او العابر في عبور هذه المشكلة أو تلك. وواقع الحال كان تورط بعض الجهات الإعلامية المحسوبة على التيار الليبرالي فاضحاً وغير مسوغ.

من مفارقات الحياة اليومية والسخرية المرّة

في سياق ضغوط الحياة اليومية للمواطن اللبناني، غالباً ما يصادف نازحاً سورياً بحكم مداولات الشأن اليومي، ليلمس خارج الصورة النمطية المكرسة من معين ايديولوجية التفوق التمايز والضيق الذي أحدثه “الهجوم البشري” السوري، وجهاً آخر وتياراً معاكساً لتصوراته الراسخة، وفي اللحظة التي تنساب مياه الألفة الضرورية بينهما، وربما في اكتشاف متأخر، لجاره السوري المقيم في حيه، يتدارك الإلتباس، في مديح عنصري ساخر : شو بدك بالحكي … صحيح سوري بس إدَمِي!

اللوحة للفنان: بهرام حاجو

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »