إعداد: جمانة علي
عندما عبرت ثلاث فتيات بريطانيات الحدود نحو سوريا، وعندما هربت حامل في الرابعة عشرة من العمر، للمرة الثانية، من منزل عائلتها القريب من جبال الألب، وعندما اشترت صبية من جنوب فرنسا بطاقة سفر لتقطع بها أول رحلة في حياتها بعيداً عن أسرتها، لم تكن تعتقد ومثيلاتها، أنهن ذهبن بلا عودة.
تمكنت امرأتان فقط من الخروج من منطقة القتال، من أصل ما يقدر بقرابة 600 فتاة وامرأة غربية، انضممن إلى المتشددين في سوريا، وبالمقارنة مع ذلك، تقول صحيفة “ناشونال بوست” الكندية، إن 30% من المقاتلين الأجانب استطاعوا الهروب، بحسب تقديرات حكومات غربية تراقب عودتهم.
ومن خلال لقاءات ووثائق قضائية وسجلات عامة، كونت وكالة “أسوشييتيد برس” صورة عن فتيات ونساء أوروبيات ممن انضممن إلى منظمات متشددة كداعش، وكان قرارهن نهائياً أكثر مما أدركت معظمهن.
زواج فوري
وتشير الصحيفة إلى أنه سرعان ما يتم تزويج الفتيات، إما في تركيا أو بعد عبورهن الحدود إلى سوريا.
وبين ما يقدر بـ 20 ألف مقاتل أجنبي، منهم خمسة آلاف أوروبي موجودين في سوريا، ليس هناك نقص في الرجال الباحثين عن زوجات، ويتوقع أن يتضاعف ذلك العدد في نهاية العام الجاري.
وما إن يصبحن بين الجهادين، لا يسمح للنساء بالسفر بدون مرافقة قريب لهن، أو مع مجموعة من النساء، ويفترض بهن تغطية أجسادهن بالكامل، وإلا تعرضن للجلد أو أسوأ منه.
وتميل النساء الأوروبيات اللاتي يكتبن عن حياتهن تحت مظلة داعش لأن يصفن حياة مريحة مرفهة، ولكن عند قراءة ما بين سطور كتاب إلكتروني بشأن نصائح حول السفر، يظهر أن حرية أولئك النساء مقيدة إلى حد كبير، حيث الكهرباء غير متوفرة إلا لساعات قليلة في اليوم، وحيث تنعدم معظم الأدوية الضرورية، أو الخدمات الأساسية، كما يقول باحثون بأن النساء لا يشاركن في القتال، بالرغم من سماعهن وعوداً بتجنيدهن.
حملة مضادة
وفي هذا السياق، تقول سارا خان، وهي مسلمة بريطانية تعمل مجموعتها على شن حملات ضد المخاطر التي يتعرض لها المجندون الأجانب: “لا أعتقد أن أولئك الفتيات يستطعن مناقشة مسألة عودتهن، وهن لا يدركن أن قرارهن بالانضمام إلى داعش لا رجعة فيه، وقد شعرت معظم من سافرن إلى سوريا وانضممن إلى داعش بخيبة أمل كبيرة، وعبرت معظمهن عن سوء أحوالهن، وقلن عبر تدوينات ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي: ليست هذه هي الحياة التي وعدنا بها”.
وربما يكون الاستثناءان الوحيدان حول قاعدة الرحلة بلا عودة، حكاية امرأتين أحدهما تدعى ستيرلا بيتالو، وهي مراهقة هولندية تحولت إلى الإسلام، وأصبحت تعرف باسم عائشة، وسافرت إلى سوريا في عام 2014 كي تتزوج من مقاتل هولندي، وتمكنت من العودة بعد أشهر، حيث عبرت الحدود إلى تركيا، وهناك التقتها أمها، وأعادتها إلى هولندا، ولدى وصولها اعتقلت مباشرة بتهمة الانضمام لتنظيم إرهابي.
ورفضت أسرتها ومحاموها والمحققون بحث القضية، وأطلق سراحها في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، ولم تُرى بعد ذلك.
قصة هروب
وأما المرأة الثانية التي استطاعت الإفلات من قبضة داعش، فقد أدركت محنتها بعد وصولها ببضعة أسابيع.
وكانت تلك البريطانية ذات الخمسة والعشرين ربيعاً، والتي لم تفصح الشرطة البريطانية عن هويتها، اصطحبت ابنها الرضيع إلى الرقة، معقل داعش في سوريا، ولكن عندها أدركت أنها ارتكبت خطاً واتصلت بأسرتها، ثم استطاعت عبور الحدود السورية ـ التركية، حيث التقت بأبيها هناك.
ولا يعرف بعد كيف استطاعت قطع الطريق لمسافة 250 كم من الرقة إلى مدينة غازي عنتاب التركية، المحاذية للأراضي السورية.
وعند عودتها إلى بريطانيا اعتقلت، وهي اليوم طليقة بكفالة تتعلق باتهامات رسمية.
العلاقة بين النساء والجهاديين
وتقول الباحثة في كينغز كوليدج في لندن، جوانا كوك، وهي تدرس العلاقات بين النساء والجهاديين: “دون معرفة كيفية هروب المرأتين، من الصعب القول بأن نساء أخريات قد يتبعن نفس المسار للخروج من سوريا”.
وقالت كوك في رسالة إلكترونية أرسلتها إلى وكالة أسوشييتيد بريس: “من الواضح بأن هناك عدداً من مهربي البشر يعملون داخل سوريا حالياً، وهم يساعدون المدنيين السوريين على الهروب من العنف، وأتساءل عما إذا كان هناك سوق مشابه، وربما ينمو بسرعة، لمن يحاولون الهروب بعد انضمامهم إلى داعش”، مشيرة إلى أن “حالة من خيبة الأمل والشعور بالخداع تعتري من وجدوا أنفسهم في قبضة داعش، وتروى قصص كثيرة عمن استطاعوا العودة، والذين قالوا: رأينا أشياء لم نتوقعها، ليس من أجل ذلك انضممنا إلى داعش، وخاطرنا بحياتنا بسببه”.