لينا الوفائي
جاءت ثورات “الربيع العربي”في العديد من البلدان كرد فعل على التهميش السياسي والاقتصادي والحقوقي للشعوب العربية، فانتفض المهمشون للدفاع عن حقوقهم. المرأة، إحدى أبرز الفئات المهمشة في البلدان العربية، عانت من اضطهاد مزدوج، الأول: كونها جزء من شعب مضطهد بكليته، محروم من حقوقه السياسية والاجتماعية، مغيب ومفقر، والثاني: ينبع من معاناتها حالات العنف المنزلي، وتغييب أبسط حقوقها الإنسانية، كالإرث وحق العمل واختيار الزوج، ومعاناتها كذلك من اللامساواة الجندرية بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات.
وتتفاوت أوضاعها الناتجة عن الاضطهاد الجندري بين بلد عربي وآخر، فهي موجودة في البرلمان في بعض البلدان، ومحرومة حتى من قيادة السيارة في بلدان أخرى.
في مقالتنا هذه،سنسلط الضوء على واقع المرأة في ثلاث من دول الربيع العربي، هي تونس، مصر وسوريا، نموذجاً عن واقع المرأة العربية عامة.
بالعودة إلى تقارير التنمية البشرية والاجتماعية التي نشرتها الأمم المتحدة، وحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005 كنموذج، فإن المشاركة السياسية للمرأة في البلدان الثلاث، وإن تكن هي الأعلى تقريباً في البلدان العربية بعد الكويت والبحرين، لم تتجاوز نسبة 0.1% في الحكومة. بلغت أعلى نسبة للمشاركة البرلمانية في تونس، حيث حققت 22.3%، في سوريا 12%، وفي مصر 2.9%في البرلمان و6.8% في مجلس الشورى. وقد استفادت النساء من الكوتا المفروضة في الوصول إلى البرلمان، فلولا الكوتا لما استطاعت تحصيل هذه النسب البسيطة، وذلك بسبب الرفض المجتمعي عموماً لدورها السياسي.لكن هل كانت المرأة حاضرة فعلاً في السياسة، أم أنها استخدمت كصورة مزينة لإظهار الحكم بمظهر حضاري ليس لا؟ورد في التقريرأن “زيادة عدد النساء أو نقصانه في الوزارات المختلفة لا يعكس بالضرورة توجهاً شاملاً لتمكين النساء. فعادة ما يتم اختيار النساءفي السلطة من بين صفوف النخب أو المواليات للحزب الحاكم، رغبة فيتجميل صورة الأنظمة الحاكمة..”.
في القوانين والدساتير المتبعة في بلدان الربيع العربي، عانت المرأة الكثير من التمييز وعدم المساواة، وإن يكن بدرجات متفاوتة، فقد عُدلت سن الحضانة مانحة المرأة حق حضانة أطفالها قبل ثورات الربيع العربي، بحيث أصبحت متقاربة في البلدان الثلاث (وسطياً 15 سنة)، بعد أن كانت 9 سنوات للولد و11سنة للبنت، بينما استمر العمل بقانون بيت الطاعة للمرأة في مصر، واستمر العمل بقانون تعدد الزوجات في كل من مصر وسوريا،وناضلت المرأة دون جدوى للحصول على الحق في منح جنسيتها لأبنائها في حال زواجها من غير سوري، بينما حصلت على هذا الحق منقوصاً ومشروطاً في تونس وفي مصر: (مصر على سبيل المثال استثنت الأبناء من أب فلسطيني). واستمر العمل بقوانين حماية جرائم الشرف في كل من مصر وسوريا، خصوصاً بموجب المادتين سيئتي الذكر في القانون السوري (584 و192)، وقد أطلقت الكثير من الحملات في سوريا لإيقاف العمل بقانون جرائم الشرف، لكن تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي كان قيد الدراسة، والذي سرب لاحقاً، كان أسوأ من سابقه،فمما تضمنه مثلاً: تخفيض سن الزواج من 18 إلى 12 سنة. وقد أوقف عمل لجنة الصياغة المكلفة بالتعديل بعد الحملات الناجحة التي خاضتها العديد من نساء سوريا. وفي حين وقعت الدول الثلاث على اتفاقية السيداو، إلا أنها أبدت تحفظاتها على العديد من المواد المتعلقة بمنح الجنسية (مصر وسوريا)، أو بوضع المرأة أمام الدستور ومساواتها مع الرجل (سوريا ومصر وتونس).
في الأحوال الاقتصادية عانت المرأة في البلدان الثلاثة الفقر والتهميش كما عانى الشعب عموماً، وقد تقاربت المشاركة الاقتصادية للمرأة في البلدان الثلاثة، وبلغت حوالي 30% من النساء كمعدل وسطيحسب تقرير التنمية الاجتماعية للأمم المتحدة عام 2005. أما النشاط الاقتصادي الذي تقوم به المرأة ضمن الأسرة (وبشكل غير مستقل)، فهو غير قابل للإحصاء، إذ إنها لا تنال أجراً مستقلاً وواضحاً عنه. أما في التعليم فتقاربت أوضاع المرأة أيضاً في البلدان الثلاث، ووصلت إلى نسب مرتفعة، ففي التعليم الابتدائي والثانوي تجاوزت 90% من النساء حسب التقرير ذاته.
أما في الحالة الاجتماعية التي تستند إلى العرف، فقد كان وضع المرأة أكثر تردياً مما هو عليه في الحالة القانونية والرسمية. ففي الريف السوري على سبيل المثال، لا ترث المرأة كبقية إخوتها الذكور، رغم إقرار القانون حقها في الإرث واعتماد القانون السوري في ذلك على الشرع الإسلامي الذي يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، لكن حتى هذا الحق غير المتساوي حرمها منه العرف الاجتماعي. في مصر عانت من الختان الذي يشكل خطراً على صحتها الجسدية والنفسية، وذلك رغم محاولات عدة للتصدي لهذه الظاهرة والمطالبة بإنهائها.
يبدو من الصورة السابقة أن الغبن الواقع على المرأة كان سياسياً، قانونياً واجتماعياً، على الرغم من بعض المكتسبات التي حصلت عليها المرأة وفق التقرير المذكور: “من المفارقات أن أنظمة حكم قمعية قد حققت لصالح حقوق النساء ولأغراضها الخاصة إنجازات مهمة لمتكن لتتحقق لو ترك عنان الأمور للحركة المجتمعية الطبيعية التي تحددها القيود الموروثة. بل إن آليات القمع السياسي قد استخدمت أحياناً للإسراع بنهوض المرأة”. غير أن التقرير يحذر من أنه مهما كانت درجة الاستنارة في “التقدم” الذي تأمر السلطة الفوقية بتحقيقه، فإنه لا بد سيواجه مقاومة من القواعد الشعبية. ومن ثم فإن التحول نحو أنظمة حكم صالح في مجتمع الحرية في البلدان العربية سيلعب دوراً محورياً في تحقيق إنجازات تاريخية مطلوبة لنهوض المرأة في الوطن العربي، بحيث تلاقي في الوقت ذاته دعماً مجتمعياً واسعاً يضمن لها الاستمرار وقوة التبني الشعبي، هي التي عانت من الغبن الاقتصادي الذي وقع على الشعب كاملاً في هذه البلدان، لتجد نفسها جزءاً لا يتجزأ من ثورات الربيع العربي، آملة من هذه الثورات أن تحقق لها ما تريد.
لم تستقر الأوضاع في بلدان الربيع العربي حتى الآن، ففي الدول الثلاث التي استخدمناها نموذجاً، ما زالت تونس (وهي الأفضل) تحبو نحو الديمقراطية، وعادت مصر من جديد إلى حضن العسكر. أما في سوريا التي غرقت في عنف ابتدأه النظام، فإن المرأة تعاني الحصة الأكبر من جور الحرب الدائرة،من اللجوء والنزوح، العنف الجسدي والجنسي، عمالة أطفالها وحرمانهم من التعليم، فضلاً عن زواج القاصرات، تعرضت للاعتقال والاختطاف من جميع الأطراف، وتراجعت أوضاعها الاجتماعية في المناطق الخاضعة للقوى المتطرفة، حيث فرض عليها الحجاب ومنعت من الحركة دون وجودمحرم، لكنها ما زالت تنظر إلى مستقبل يحقق لها المساواة والحق في حياة حرة كريمة.
جاء في تقرير الأمم المتحدة: (عضّدت مشاركة النساء في الحركات الوطنية من وضع المرأة،وأضفت شرعية على مطالبها في نظر المجتمع. وعلى الرغم من ذلك،ورغم الإقرار ببعض المكاسب التي تحققت للمرأة، فإن موافقة النساء على تأجيل البت في مطالبهن السياسية والاجتماعية بعد الحصول على الاستقلال قد خلف آثاراً مؤسفة). فهل ستتنبه النساء في دول الثورات العربية إلى قضاياها الملحة اليوم، وهل سيعملن على دمجها في أطر الصراع العام الدائر في بلدانهن على اختلافها؟
رابط تقرير الأمم المتحدة
http://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr05/AHDR_2005_Complete.pdf