ضحى عاشور
يا للروعة، وكأننا نحلم! إذ وبفضل التكنولوجيا الرقمية، أضحى بإمكان كل فرد أن يصبح كاتباً وصحافياً، بل وأن يتحول إلى ناشر وصاحب مطبوعة يتحكم بمساحتها ومواعيد صدورها ورسالتها ونوعية موادها.. الخ.. فهل ازدهرت حرية التعبير جراء التنوع الهائل لآراء البشر والامكانات الوفيرة للتعبير عنها والتفاعل معها؟!
الإجابة الأكثر شمولية على مستوى العالم أتت متضمنة في الورقة المفاهيمية التي تناقشها اليونسكو ما بين 2ـ4 أيار، في (ريغا ـ لاتفيا) والتي تركز على ثلاثة محاور تتعلق بحال حرية التعبير الصحافي، في القلب منها: تنامي انتشار خطاب الكراهية، والاعتداء الفعلي واللفظي على النساء الصحافيات مشفوعاً بالاساءة إلى صورة المرأة عموماً وبالحد الأدنى الاستمرار في تقديم الصورة النمطية (السلبية)عنها، بالإضافة إلى تزايد تعرض الصحافيين إلى الموت والخطف والاعتقال والمطاردات وانتهاك مصادر معلوماتهم.
وليس خافياً ترابط المسائل الثلاث سابقة الذكر وتضافرها مع بعضها خاصة في بلد مثل سوريا الخارجة من عصر كم الأفواه إلى عصر فيضان الكلام، دون أن تمر بأي توسطات مثل النقاش المدني داخل الأحزاب والنقابات أو المنتديات (باستثناءات طفيفة) أو الإعلام أو البرامج الانتخابية. ما أدى إلى الكثير من الارتجال والعشوائية والمطبات المتمثلة بشّح المعارف والخبرات الصحافية وشروط التعلم العسيرة دون وجود مرجعيات كفوءة مهنياً وتحت ضغط الظروف والأحداث التي دفعت بالكثيرين إلى العمل الصحافي دون إعداد يذكر. ففي سوريا، حيث لا استقلال لوسائل الاعلام ولا حصانة للصحافة (ولا لغيرها)، غالباً ما يكون الصحافي هو نفسه صاحب القضية الثائر أو المقاتل أو الموالي للسلطة/ سلطات الأمر الواقع، وبالتالي لا يحوز على الاستقلال النسبي عن موضوعه وأرضه وأهله وولاءاته، ما يجعل قضية التغطية الموضوعية شديدة الحساسية هنا، ولا يختلف الحال كثيراً عندما تغامر وسائل اعلام ضخمة في ارسال مندوبيها إلى جبهات القتال، حيث يذهبون مزودين بانحيازات مسبقة تعكس رؤية المؤسسة الإعلامية التي يتبعونها.
ورغم كل الثغرات والنواقص والاعتراضات، سيظل العالم مديناً للصحافيين الميدانيين في كشف بعض الوقائع والمجريات، وسيكون لزاماً على كل المؤمنين بحرية الصحافة أن يمدوا يد العون لمعرفة مصير زملائهم المخطوفين أو المعتقلين أو الضحايا والاهتمام بمتابعة قصصهم، وفي هذا السياق يذكر أنه قضى في سوريا خلال العام الماضي نحو (17) صحافياً معظمهم أجانب، ليصل عددهم منذ 2011 إلى (79) صحافي، رغم أن التوقعات بأن أعداد ضحايا حرية التعبير أكبر بكثير.
وإذا كانت قضية حرية الصحافة والاجراءات الوقائية والعلاجية الكفيلة بضماناتها، تتعلق باتفاقات وبروتوكولات على مستوى دول ومؤسسات عالمية، وتعتمد على توفير بنى تحتية ومشاريع تنمية (حسب اليونسكو) تتعدى قدراتنا الفردية على التأثير، يبقى متاحاً لنا العمل على الحد من خطاب الكراهية ومحاربة كل أشكال التمييز والعنف ضد الآخر / الآخرين المختلفين في الدين أو الطائفة أو الاثنية أو الجنس. ويمكن لنا أن نتعلّم ونخوض تمريناتنا على احترام حرية التعبير وتجسيد ارتباطها بالمسؤولية والالتزام على صفحاتنا الخاصة وصفحات أصدقائنا والمجموعات التي نشارك فيها، والابتعاد عن التشنج والتطرف وردود الفعل المؤذية كمساهمة في تنقية المحتوى أي القيام بمهام الرقابة ذاتياً وايجابياً، الأمر الذي يتطلب المشاركة الفعالة من عموم المشتركين في ظل اتساع مدى النشر الالكتروني.
وربما تجدر الإشارة إلى أن الرقابة لوحدها ليست هي الوسيلة الكفيلة بالحد من خطاب الكراهية والتمييز ضد الآخر، وإنما ينبغي أن يتم الدفع قدماً بعملية التعريف بالآخر عبر الاصغاء إليه وفتح أبواب الحوار معه ودعوته إلى التعبير عن نفسه وعدم الانكفاء والتقوقع رغم كل الاساءات الحاصلة. على النساء عموماً وأصحاب الآراء المختلفة أن يستثمروا فرصة وجود الفضاء الالكتروني لصالح التواصل والانفتاح والتعريف بأنفسهم وقضاياهم والتضامن مع بعضهم. إن كل تجربة حياتية وكل تفصيل مقاومة للكره والبشاعة والتمييز، كل حيرة وكل ألم وكل ظلم يتعرض له الفرد أو الجماعة هو مناسبة للقاء الإنساني، كما كل كتابة عن الجمال وحب الحياة والاحتفال بمظاهرها المتنوعة هو فرصة للخلاص من الكراهية والحقد ونفي الآخر. فحرية التعبير الصحافي كما سائر الحريات الأخرى، هي قضية صراعية لا يمكن حيازتها مرة وإلى الأبد، ما يعني العمل الدؤوب ومتعدد المستويات على صيانتها والدفاع عنها مشفوعة بالمسؤولية الأخلاقية عن حرية الآخر وضمان قيم العدالة والإخاء للجميع.
خاص “شبكة المرأة السورية”