القاهرة – إيمان عادل
اعتبرت الدكتورة نوال السعداوي، التي قررت مؤخراً عقد صالون ثقافي شهري دوري بالقاهرة بعنوان “ملتقي نوال السعداوي” أن ندوتها الأولى التي عقدت مؤخراً في مكتبة القاهرة بالزمالك حدث نادر وهام بعد غياب عن جمهورها من المصريين، نتيجة حالة وصفتها بالإقصائية المقصودة من قبل الوسط الثقافي والإعلامي المصري، حيث صرحت أنها مُنعت من الاستضافات الإعلامية في كثير من اللقاءات والمؤتمرات على نحو مقصود، وهو الموقف الذي اثار لديها علامات الدهشة في الوقت الذي يتم فيه تدريس مؤلفاتها في أكثر من جامعة على مستوى العالم وتُرجمت مؤلفاتها إلى أكثر من 28 لغة .
حساسية المتناقضات
وبمناسبة إعادة طباعة كتابها الأول “مذكرات طفلة اسمها سعاد”، والذي سيصدر الشهر المقبل في بيروت، قالت نوال السعداوي أنها تجاوزت الثمانين عاما ولا زالت تكتب من الطفولة، حيث لم تخرج من مشاعر الطفولة وأفكارها، مشيرة أنها وبعد مراجعتها لــ”مذكرات طفلة اسمها سعاد ” والتى كتبتها بعمر 13 عاماً وجدتها شبيهة برواية سقوط الإمام وبكل ما كتبته من مؤلفات:” لم اختلف عما كنت وأنا بعمر عشر سنوات”
وعوّلت السعداوي على ذلك بأن الإبداع “طفولى” قائم على الفطرة والحساسية للمتناقضات، يعى بالفطرة وبحسم أن الخير خير والصدق صدق، وما يشوه الإبداع قتل الطفولة والفطرة بتلويثهما بالمتناقضات المتداخلة والخداع اللغوي .
وقد أشارت السعداوي خلال ندوتها إلى حادثة معلم اللغة العربية، حين حاول تلقينها بعمر تسع سنوات أن العقل ذكر والله ذكر والأنثى ناقصة عقل ودين. واستشعرت التناقض بفطرتها الطفولية حينما تذكرت ما قالته لها أمها في سن مبكرة أن الإلهة أنثى، حيث كانت إيزيس إلهة الحكمة وحواء إلهة المعرفة لأنها سبقت آدم في المعرفة. مشيرة أن تلك التناقضات بين ما قاله لها المعلم وما قالته لها أمها كانت تعصف بعقلها فى ذلك العمر المبكر وساهم فى تزويد حساسيتها للمتناقضات، حتى كتبت على إثر تلك التجارب الطفولية أول كتاباتها “مذكرات طفلة اسمها سعاد ” بعمر 13 عاماً.
الثقافة والتجارة
وأشارت إلى حساسية الإنخراط فى الواقع الذي يجعل الفرد المبدع يَقبَل بالتناقضات ويفقده أهم ميزة لذلك وهى تلك الحساسية الفطرية وتصبح القسوة مرادفة للرحمة والغفران والفساد مرادف للنجاح.
واعتبرت السعداوي أن أهم ما يهدد الحياة الثقافية فى مصر ويهدد المجتمع هو أن يغرق المجتمع في فلك ألوهية الفرد، مشيرة أن نجيب محفوظ ليس إلهاً فى الأدب وكذلك محمد حسنين هيكل وغيرهم. وتكمن الخطورة في أن يتحول الأفراد لعبيد فرد أو فكرة فتتسرب العبودية إلى دماءهم نتيجة لذلك، وهو أخطر ما يمكن أن يصيب الإنسان بشكل عام.
وتحدثت نوال السعداوي عن تجربتها فى المنفي وما آلت إليه الثقافة إلى مهنة تجارية ، وقالت:”حينما كنت بالمنفي كنت أدرس في أكبر جامعات أمريكا في ديوك وواشنطن وبريستون وهارفارد، ولاحظت أن الطلاب والطالبات الأمريكيين ليس عندهم ثقافة لأنهم لا زالوا تحت وطأة النظام التجاري المسمي بالسوق الحرة، حيث تحول كل شيء لديهم إلى مهنة في السوق الحرة، السياسة والطب والأدب والثقافة. فالطلاب لديهم يهتمون بدراسة الإبداع بغرض تجاري وهو ما يحدث فى مصر الآن الثقافة أصبحت مهنة في السوق الحرة بغرض تجاري بحت وهو أن يجد الكتاب والمثقفين لأنفسهم مساحة في هذه السوق” .
وأضافت السعداوي:” بيني وبين التجارة حساسية غريبة، فأنا أكرهها منذ طفولتي، ورثتها من والدي حينما كان يقول دائما إن التاجر عبارة عن حذاء ممتلئ بالمال. والدي كان متعصباً جدا ضد التجارة وأنا متعصبة ضد انتهاجها في الثقافة”.
تهميش الوسط النسوي
وانتقدت الرائدة النسوية نوال السعداوي الوسط النسوي المصري، معتبرة أن من يفهم القضايا النسوية في الوسط النسوي المصري الآن، يفهمها في إطار الموضة وفي الإطار الشكلي فمنهم من يتفهمه في إطار وضع “أقراط” في الأنف ومنهم من يصفها في أطار التشبه بالذكور. وأصبح الاشتغال بالقضايا النسوية كالاشتغال بمهنة في السوق الحرة مثل تحول مهن كالسياسة والثقافة والطب كذلك في ذات السوق.
وأنتقدت السعداوي تهميش الوسط الثقافي المصري لدور الرائدات المصريات سواء في الأدب أو الطب أو السياسة، وأضافت ساخرة : “المجلس الأعلى للثقافة في مصر يهتم بالاحتفال بذكرى رحيل فرانسوا ساغان، ويقفز فوق أسماء الرائدات المصريات بالتجاهل، أمثال درية شفيق وملك حفنى ناصف وعائشة التيمورية وأنا”.
وسخرت السعداوي أنها في مصر لا يعتبرونها في السياسة سياسية ولا في الطب طبيبة ولا في الأدب كاتبة رغم ترجمة أعمالها لأكثر من 28 لغة. ومقولة الشيخ محمد متولي الشعراوي كانت في مصر الأكثر تداولاً عنها وعن كتاباتها حين قال: ” أنا أعمل لصالح الله بينما نوال السعداوي تعمل لصالح الشيطان “.
خاص “شبكة المرأة السورية”