تحقيق :جمانة علي
في الصيف الماضي، زارت الصحفية لورين وولف، مديرة مشروع” نساء تحت الحصار”، مخيم الزعتري للاجئين الواقع عند الحدود الأردنية- السورية. وهناك التقت بشابة تحمل رضيعاً أخبرتها بأن زوجها، العاطل عن العمل، والغاضب دوماً، أخذ في ضربها يومياً.
وفي الوقت الذي التقت فيه بوولف، كان زوج تلك المرأة قد خرج من خيمة الأسرة ليقضي الليل مع نساء أخريات، وليعود كل ليلة ليضربها. وقد خشيت نقل حالتها للمسؤولين عن المخيم، خشية أن يقتلها الزوج الغاضب أبداً.
وبينما كانت تتنقل عبر المخيم، والذي يؤوي أكثر من ١٤٠ ألف سوري، بدأت وولف في الاستفسار عن أوضاع نساء أخريات، وسمعت قصصاً مشابهة، ووجدت أن دورة العنف باتت شائعة، حيث ينفث رجال عاطلون ومحبطون عن غضبهم بضرب الزوجات والأبناء.
وكما كتبت وولف في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية” لطالما كان العنف الأسري قضية تؤرق الجميع في المجتمع السوري، الأبوي التقليدي، حيث يتولى الرجال مسؤولية إعالة الأسرة، بينما ترعى المرأة شؤون المنزل. وقد أظهرت دراسة أجراها في عام ٢٠٠٦” صندوق تنمية المرأة” التابع للأمم المتحدة، حول العنف في الريف السوري، أن ما بين ١٠إلى ٢٥٪ من النساء السوريات عانين من العنف الجسدي.
ولكن مع تدفق آلاف اللاجئين السوريين نحو المناطق الحدودية مع تركيا والأردن ولبنان، يقول الخبراء العاملين هناك، أن حالة التشرد واللا استقرار أشعل فتيل تحول كبير في ديناميكية الأرة التقليدية، مما قاد لتصاعد سريع في العنف المنزلي بين أوساط قرابة ثلاثة ملايين من اللاجئين السوريين. ويشمل ذلك العنف الجسدي والعاطفي والجنسي، فضلاً عن حالات الهجر والإهمال.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور وسام قطيط، طبيب نفسي ومدير مركز” حماية” غير النفعي في بيروت، والذي يتعامل مع حالات العنف الأسري داخل الأسر اللبنانية، والسورية اللاجئة أيضاً، وحيث يقول” على سبيل المثال، عمل فريق عملنا في عدة مناطق لبنانية، وكان يتعامل مع قرابة ٢٠ إلى ٣٠ حالة شهرياً في كل منطقة، لكن خلال العام الجاري، تعاملنا مع ما بين ٢٥ إلى ٣٠ حالة جديدة في المنطقة الواحدة”.
كما تعتقد هيلاري مارجوليس، الباحثة في شؤون المرأة السورية لصالح منظمة هيومان رايتس ووتش، أن العنف المنزلي” ظاهرة يحتمل انتشارها مرات ومرات داخل مخيمات اللاجئين”. ومن عوامل شيوعه بين السوريين، ضيق المكان الشديد من حولهم، بحيث غالباً ما يعيش اللاجئون داخل مخيمات مكتظة، أو بصحبة عدة أسر، تتقاسم العيش داخل شقة واحدة.
وقالت مارجوليس في لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز” إنهم يقيمون في غرف صغيرة لا يشعرون فيها بخصوصية، ويفتقرون لمساحة يتحركون من خلالها من مكان لآخر، ولكونهم هجروا قراهم وأحياءهم الأصلية، فإن سكان المخيمات غالباً ما يشعرون بالضيق وهم يتنلقون بين أرجاء المخيم، ولذا هم يفتقرون لنظام دعم ومساعدة خارج الخيمة. وهكذا تبدو الأوضاع داخل المخيمات مأساوية، بحيث يضيق اللاجئ ذرعاً من شدة الزحام داخل الخيمة، ولكنه عندما يخرج للترويح عن نفسه، لا يجد سلوى ولا صديق”.
وهكذا قادت حالة التشرد، وفقدان العمل والبيت والسيارة، أو الحياة الطبيعية، لحدوث تحول هائل في الحياة الأسرية التقليدية، وبات الآباء عاجزين عن توفير المأكل والملبس والمأوى، لأطفالهم وزوجاتهم، كعهدهم دوماً، مما يسبب لهم الشعور بالغضب والإحباط، الذي سرعان ما ينقلب إلى عنف لا يرحم.
وفي هذا الإطار، يقول فريد بيمارك، أستاذ برنامج العلاج والتنمية في جامعة جورج ماسون، ومؤسس جمعية” أطباء نفسيين بلا حدود”، والتي ترسل أخصائيين نفسيين إلى الميدان للعمل مع لاجئين سوريين، يقول” تجد داخل المخيمات رجالاً كان لهم أثرهم ومكانتهم في مجتمعاتهم، وفجأة اختفى كل شيء، وباتوا لا مال ولا سكن ولا وظيفة، فينتابهم الإحباط والغضب من كل شيء، ويصبون جام غضبهم على زوجاتهم وأبنائهم”.
أما حال الزوجات فذلك شأن آخر أكثر إيلاماً. فإن النساء اللاتي فقدن المأوى المريح، وبعضهن خسرن وظيفة مجزية، فقد وجدن أنفسهن مع أطفالهن داخل خيمة، تفتقر المعيشة فيها لأبسط متطلبات الحياة من نظافة ومطبخ يحوي أدوات الطهي، وحمام خاص، ومدفأة وأسِّرة، وتمتد القائمة إلى ما لا نهاية. ولذلك كله ينتاب النساء أيضاً شعور بالمرارة والأسى والتوتر على ما وصلت إليه أحوالهن من فقر وتشرد، فيبدأن في نهر أطفالهن وتعنيفهم، أو يتحولن لطلب المساعدة من الزوج أو الأب والأخ، ولكن عندما يعجز هؤلاء عن تأمين تلك المطالب، تبدأ المشاحنات والمشاكل، وتتكرر دورة العنف من جديد، إلى ما لا نهاية.
One Response
لا حول و لا قوة إلا بالله … اللهم فرج همهم يا رحمان